أطياف
صباح محمد الحسن
طيف أول:
يأتي على الحاكم وقتٌ يتخلّى فيه عن كل شيء ليفوز بنفسه، أو بما تبقّى منها بعد أن أهدرها بسوء القرارات!!
وقّعت روسيا والصين على بيانٍ لمجلس الأمن الدولي أمس الأول، خيب آمال المراقبين في المنظمات الإنسانية في جلسة خُصصت للأحداث في دارفور.
وجاءت خيبة الأمل؛ لأنه حمل لغة إدانة لا تختلف عن إدانات المجلس لما يجري في الحرب، كميدان صراع طبيعي، وكأن الفاشر لم تُرتكب فيها جرائم فظيعة.
(أعرب مجلس الأمن الدولي عن قلقه البالغ من تصاعد العنف في مدينة الفاشر السودانية وما حولها، وأشار إلى قلقه إزاء تزايد خطر وقوع فظائع واسعة النطاق وذات دوافع عرقية، وأدان الانتهاكات التي قامت بها الدعم السريع.
وتوقيع روسيا والصين على البيان “الميت” إشارة إلى أن الدولتين قررتا السير في اتجاه الإدانة الدولية لطرفي الصراع، كلٌّ بجرائمه، وهو اتجاه جديد ربما يغيّر موقفهما مستقبلًا.
فالخلل في الميزان العسكري الميداني له تأثير كبير في نظرة الدول إلى أنظمتها الحليفة، إذ إن تصدّع الأنظمة يضرب جدار الثقة، ولا سيما في قدرة القادة على تحقيق مصالح هذه الدول. عندها ستتغير المواقف بتغير مواقع السيطرة في الميدان.
ومعلوم أن الحل الدولي أكد أنه لا وجود للدعم السريع في المستقبل السياسي، وهذا ما أقره من قبل اتفاق جدة، وعززه بيان الرباعية، حتى إن قائد الدعم السريع أكد أنهم لن يكونوا في المشهد السياسي.
إذن، حملات الاستنفار التي أطلقها الفلول لجرّ الشباب إلى ميدان الحرب ترفع شعارًا كاذبًا، وهو أن المجتمع الدولي يريد أن يأتي بالدعم السريع بديلًا للجيش. وعلى العكس، فالحل السلمي يبعد الدعم السريع نهائيًا من المعادلة، بينما تمنحه الحرب فرصة البقاء.
وجاءت كلمة الإمارات عبر مندوبها في الأمم المتحدة، محمد أبو شهاب، خلال جلسة مجلس الأمن، حيث قال “إن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع قد أقصيا نفسيهما من تشكيل مستقبل السودان”، داعيًا المجتمع الدولي إلى قبول هذه الحقيقة.
وهو تصريح سيحوّل في الأيام القادمة تيار الهجوم الكيزاني من قائد الدعم السريع إلى تحالف “صمود” ورئيس مجلس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، لأن الفلول قد ترى أن الخطر الذي تدعمه الإمارات مستقبلًا هو التحول الديمقراطي عبر حكومة مدنية، وليس الدعم السريع.
ولن ينشغل تحالف “صمود” إلا بالسعي لتحقيق السلام، حيث دعا أمس رئيس التحالف عبد الله حمدوك إلى تحرك دولي عاجل لدفع أطراف الحرب لإعلان وقف فوري لإطلاق النار للأغراض الإنسانية، يتبعه وقف دائم للقتال يمهّد الطريق لعملية سياسية تفضي إلى سلام مستدام.
ويقابل ذلك رفضٌ من البرهان لورقة الحل الأمريكي بحجة أنهم لا يسمحون بالتدخل في قرارهم السيادي. رفضٌ ربما يغلق نوافذ الحوار، لكنه قد يفتح باب التدخل الدولي بقوات خارجية لتلافي الكارثة الإنسانية، لا سيما أن البرهان بات لا يملك قرار رفض التدخل الدولي في السودان، نظرًا لفقدانه شبه الكامل لإقليم دارفور.
إذن، وضع التغافل الدولي عن خطة الإضعاف عما يحدث في الميدان، وترك الحبل على الغارب لاستقواء طرف، هو ما يعني التمهيد لقوة جديدة موازية، بغية أن تتكافأ موازين الحل.
وهذا ما يخلق معادلة أخرى فيما يتعلق بتأثير الصراع الميداني على القرار الدولي.
ومن الملاحظ أن مصر أرسلت شخصية عسكرية إلى البرهان، وليست سياسية كالمرات السابقة، وهو ما يعني أن الأمر، يتعلق بالأرض وتقديم النصح للبرهان بعدم “ملاواة” الحل الدولي. فقبوله بالحل قد يضمن بقاءه عسكريًا،
والفلول لا يستخدمون المواطن في الحرب إلا عندما يشعرون أنهم يواجهون خطر الزوال.
فعندما وجدوا أنفسهم ضعفاء من قبل في حلبة المنازلة السياسية مع “الإطاري”، أشعلوا الحرب مع الدعم السريع لتحويل قضيتهم السياسية إلى قضية مواطن، لخلق التعاطف معهم. لأنهم يرون أن رفض الدعم السريع مجتمعيًا فرصة لقبولهم مجددًا.
والآن، مع إعلان حملات الاستنفار، فإنهم لا يستنفرون المواطنين لمحاربة الدعم السريع، بل لمجابهة القادم الدولي، ويتلون على المواطن وجوب رفضه. لكنهم لن ينجحوا أيضًا، لأن الشعب سيدرك أنهم يريدون جره إلى التهلكة في حرب تسببت في مقتل أكثر من 200 ألف مواطن، بينما ما زال قادتهم وأسرهم في أمان ينعمون.
وأحمد هارون “الميت جنائيًا” وعلي كرتي “المطلوب دوليًا” يقفان خلف دعوات الاستنفار، بخلفيتهما الأمنية الدموية. هذه العقليات لا ترى حلولًا سلمية إلا بالدم، وهما يدركان أن نهاية الحرب ستأخذهما إلى المنصات العدلية. لذلك قررا ألا يسقطا وحدهما، بل لا بد من جرّ القيادة العسكرية معهما إلى هاوية الزوال، وهو الأمر الذي يجب أن يفطن له البرهان قبل فوات الأوان.
فمنذ الشهر الثاني للحرب، تحدثنا هنا في هذه الزاوية أن عنف الكيزان ودمويتهم في الحرب لن يتوقفا إلا بقوة دولية ثالثة. وقتها سخر من هذا الحديث بعض المدركين له الآن!!
طيف أخير
رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس يوجّه بالبدء فورًا بإنشاء حديقة للحيوان، في الوقت الذي تحتاج فيه السودان إلى إنشاء “حديقة للإنسان”!!
المصدر: صحيفة التغيير