محمد الأمين عبد النبي

محمد الأمين عبد النبي

تأتي زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة، عقب محطته في الرياض، لترسم ملامح تنفيذ خطة الرباعية، إذ تجاوزت البعد الدبلوماسي إلى البحث عن حل سياسي لكارثة الحرب. إن البيان المصري الصادر اليوم، والذي استدعى لغة “الخطوط الحمراء” ملوّحاً باتفاقية “الدفاع المشترك”، يمثل تحولاً جذرياً من “إدارة الأزمة” إلى “حل الأزمة”، واضعاً حداً لسيناريو تقسيم السودان.

يعكس التوقيت تنسيقاً عالي المستوى ضمن إطار “الآلية الرباعية”؛ فبينما طرحت الرياض المسار السياسي لإنضاج مبادرة وقف إطلاق النار وتهيئة الطريق أمام خطة الرباعية، تولّت القاهرة دور الضامن الأمني الاستراتيجي الذي يمنع انهيار الدولة. ويهدف هذا التكامل والتنسيق المشترك بين دول الرباعية إلى تحويل جهودها من مجرد وسيط للتفاوض إلى قوة ضغط حقيقية لفرض مسارات وقف الحرب، وتوصيل المساعدات الإنسانية، وإطلاق العملية السياسية تحت إشراف إقليمي ودولي.

في جوهر هذه التحركات، يبرز ملف “الإسلامويين” كحجر زاوية؛ إذ يرتكز توافق الرباعية على ضرورة استعادة الحكم المدني، وإبعاد المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية. وبالتالي، كانت الرسالة الموجّهة للبرهان واضحة: المضي قدماً في هدنة إنسانية، والتفاوض لوقف الحرب، وعدم الالتفات إلى المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، بما يضع البرهان أمام استحقاق تاريخي لفك الارتباط مع الإسلامويين كشرط أساسي للسلام والاندماج في المنظومة الدولية.

إن القراءة الفاحصة لنتائج زيارات البرهان المتلاحقة إلى الرياض والقاهرة، تكشف عن تشكّل إجماع على ضرورة الإسراع بالخطى نحو وقف الحرب، التي أصبحت مهمة لا تقبل التأجيل. ففي الوقت الذي وضعت فيه الرياض وصفة طبية البرهان للعبور إلى الهدنة الإنسانية، جاءت القاهرة لتوفّر له ضمانات السير في هذا الاتجاه.

إن الرسالة التي حملتها جولات البرهان لم تكن مجرد نصائح دبلوماسية هذه المرة، بل كانت إنذاراً استراتيجياً أخيراً: إن أي ارتداد نحو الذين لا يزالون يستميتون لعرقلة مسارات السلام حفاظاً على امتيازات أيديولوجية بائدة، سيعني بالضرورة انتحاراً سياسياً. فالاستعانة بالإسلامويين ليست مجرد تكتيك عسكري عابر، بل قطيعة مع الرباعية، ونسفاً لجهود السلام، ومغامرة بمستقبل السودان لصالح تنظيم أثبتت التجربة فشله وفساده وإجرامه. وفي الوقت ذاته، جاءت الرسالة التطمينية الأكبر بتوفير الضمانات الكافية للحماية والدعم ضد أي تحرك موازٍ ونكوص الدعم السريع.

إن السودان اليوم لا يقف أمام خياري النصر أو الهزيمة، بل أمام خياري البقاء دولة موحّدة تحت مظلة التوافق السياسي والظهير الإقليمي والدولي، أو السقوط في فوضى الإرهاب والعنف والعزلة الدولية الشاملة.

إن ما حدث في نيروبي من إعلان المبادئ القوى المدنية السودانية خطوة في سبيل وحدة الصوت المدني ودعم خطة الرباعية، تمنح البرهان الفرصة الأخيرة لفك الارتباط مع تجار الحرب والعبور نحو السلام والاستقرار.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.