الفقر

إسماعيل آدم محمد زين
تعزي مشكلة الحرب الماثلة الي أسباب شتي منها : ضعف السياسات ، العطالة وقد يكون الفقر هو الدافع الاقوي لجيوش الغزاة…
لذلك أعيد هذا الموضوع الذي نشر في عام 2015م ، وقد استخدمت في كتابته طريقة الكتابة بالاهداف … لعلها تفيد…
نشر في سودانيل يوم 25 06 2015م
مشكلة قديمة قدم البشر علي الأرض وهي تتجدد ! وبشكل نسبي فمن يُعد فقيراً في مجتمع ما وفي وقت ما قد يُحسب في عِداد الأغنياء أو هكذا يظن! وهنا تأتي بعض القيم مثل القناعة ، لتجعل الفرد يحس بالرضا ويركن إلي ما هو فيه !لذلك ينسب بعضهم إلي زعيم شيوعي قوله ” الدين أفيون الشعوب ” قولٌ أصبح مأثوراً ومقولة فيها نظر ! قبل أيام تكلم بعض المسؤلين حول الفقر وذكروا إستحالة القضاء عليه ! ونسبوا حديثهم إلي الدين وهو براء مما يزعمون ! أو لم يُكلمنا المتكلمون حول زكاة المسلمين حيث كانت تذهب إلي مواقع بعيدة وأمصار أُخري لإنتهاء الفقر في مقر خلافة الإسلام ؟ ربما لم يصبح الناس أغنياء ولكنهم كانوا أهل قناعة . ما هي مهمة الحاكم إن لم يسعي لتوفير حاجات الناس ؟ ولماذا يظل في الحكم إن لم يؤمن بأنه لا مستحيل تحت الشمس. أو لم يحدثنا ذات الناس “تعلق قلبه بالثريا لنالها” أو ليس هذا في عِداد المستحيلات ؟ ولكن شعوباً وحكومات تخطط للذهاب إليها ! ويا لهم من مسؤلين فقراء في الفكر والهمة ويجهلون لما يدعون !
عند سماع كلمة فقر أو عوز يتبادر إلي الذهن صورة شخص أشعس أغبر، ضعيف البنية مهلهل الملابس، قليل الحيلة !لذلك لا عجب إن تفاداه الناس ولا عجب إن حبه الصالحون ؟ ومن أكثر صلاحاً من الرسول الأمي ؟ودعوته أن يُحشر مع المساكين.
في الغرب يسعون لتوضيح الأمور بصورة أكثر حِدة حيث يُعرِفون الفقير بأنه الشخص الذي يقل دخله عن دولار أو دولارين أمريكيين في اليوم !وهي بعملة أهل السودان تبلغ عشر أو عشرين جنيهاً وفقاً للسعر الذي تأخذ به للعملة ويا لها من حيرة ؟
قبل أعوام خلت وفي مؤتمر للفقر تكلم الوزير/ محمد هاشم عوض وبلغة الأرقام ليخلص إلي أن الوزراء وفي السودان في عِداد الفقراء بمعيار الغرب وبميزانه !
الفقر من الأهمية ألا نتركه لأهل الإقتصاد والمال وعند النظر فيه بالتحليل والقراءة سندرك أبعاده . من أسباب الجهل الأمية والمرض وإنعدام الفرص ومن نتائجه الهجرة وبلغة العلامة إبن خلدون الإبعزار وهو الهروب من الديار والأوطان ! وهنا يبدو الفقر شبيهاً بالحرب والجوائح الطبيعية المدمرة فلا شئ يجعل الناس يتركون ديارهم غير الزلازل والأعاصير والسيول والحرائق وغير ذلك من النوازل.
وإلي الفقر للنظر فيه بعمق لنعرف كل الأسباب ما وسعنا الإدراك ولنلم بالنتائج كلها إن أسعفنا العقل ولنوصفه بكلمات موجزات إن جادت اللغة”الفقر هو عدم الكفاية لإشباع الإحتياجات الإنسانية أولها الطعام والشراب والكساء والمأوي” هذه أُمور نسبية. الطعام يحسبه أهل الغرب بوحدات الكلوري ويعدونها ضرورية للنمو والتجديد ولممارسة الأنشطة المختلفة. أما هنا فنقول ” بحسب المرء لقيمات يقمن صلبه” أو أوده !حيث تأتي قيم الدين في روعتها و بهائها رضاً يعقبه حمد للإله القدير بعد وجبة مهما كاننوعها و يسبقه حمدٌ علي ما أنعم ، صلوات متلوة أو أدعية محفوظة !
كما يجب التأكيد علي أن هذه الحاجات تختلف بإختلاف البيئة جرعة ماء أو بلغة حبوب من الذرة الجاف يحملها الراعي في شرق البلاد أو في غربها ! وربما يأوي بعدها إلي ظلٍ شجرةٍ أو ظل ثوب تحمله عصاه لينعم بنومةٍ يغبطه عليها الملوك ! وهنا نذكر بنومة ملك شعبي عمر بن الخطاب ونومته المشهورة في التاريخ! ويا لجمال عمر وعدله !
لعلك تدرك صعوبة تعريف الفقر رغم معرفتنا له ولنعرج علي لأسبابه لنعدد منها: الجهل جهلي وجهلك وجهل الراعي الراعي الذي لم يكلفه أصحاب القطيع بالرعاية وجاءهم بعكازته عِشاءً يضرب بعضها ويهشم رأس بعضها ويذبح منها ليتغدي وأُخري لعشاءه. جهل الرعاة خطير ! وهكذا نعدد كل أنواع الجهل فهي وخيمة العواقب ! جهل الطبيب قاتل أما جهل المهندس قد يقتل العشرات ، إن إنهارت البناية وقد يعطش الناس إن إنهارت البيارة . إذا عزمنا علي محاربة الفقر لا بد لنا من محاربة الجهل ولا يتأتي ذلك إلا بالتعليم الجيد والتربية الحسنة لكوادرنا ربما يكون الطبيب جيداً ولكنه يفتقد القيم وقد لا يردعه رادع من بيع كلية وقد يكون المهندس شاطراً ولكنه لا يخشي زيادة في مواد البناء ليذهب بها إلي بيته ! جودة التعليم مع التربية لزرع القيم النبيلة ضرورة.
المرض وإنتشار الأوبئة تُقعد الناس وتهد أجسامهم وتمنعهم من العمل والإنتاج لذلك إن أردنا أن نبعد شعبنا عن الفقر علينا إنتهاج سياسة في التداوي والصحة تأخذ بالوقاية أولاًثم توفير العلاج للشائع من الأمراض لتتم العدالة. ولكي ندرك حجم المسألة فإن علاج حوالي 6000 مريض بالكلي في السودان يستنزف حوالي 70مليار جنيه ! وهنا تأتي القيم الإنسانية والدينية وتتجلي معاني الرحمة في أسمي معانيها ! هل نترك مرضي الكلي في الخلف ؟ أم يدفع المجتمع لعلاجهم مهما كانت التكلفة ؟ وكذلك الحال مع بقية الأمراض المكلف علاجها . ربما في التأمين الصحي بعض الحل ! في حالة مرض نقص المناعة المكتسب تكمن مشكلة أُخري حيث لا تخصص الشركات الكبيرة ما يكفي من أموال للأبحاث ولإنتاج أدوية فعالة أو جديدة؟ مشكلة الربح وأصحاب المال . دورٌ للدولة يجب أن تقوم به لتتم العدالة .بعض الأفراد المحسنين وعلي رأسهم بيل قيتس خصص جزءاً مقدراً من ماله للأبحاث والعلاج وكذلك مواطننا المحسن محمد فتحي إبراهيم وهو صاحب رؤية في النهضة تأخذ بالرؤؤس والرعاة لإصلاحهم إذ يعتقد بأن السمكة تفسد من رأسها ! وهو ذات الفهم في دين الإسلام ” كلكم راعٍ وكلكم مسؤل عن رعيته” ” إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ” . إذا صلحت الرعاة صلحت الرعية وسعدت!
من يبحث في سياسات الصحة عند عهد الإستعمار في السودان سيجد تركيزهم كان علي الوقاية ولكم في حكايات كانتربيري السودانية مرجعٌ . وهنا قد يكون من المجدي البحث في طرق للتأمين الصحي تخفف من أعباء العلاج علي الأفراد وبما لا يكبل المجتمع ويؤدي لفشل مؤسساته ومرةً أخري ترفع القيم رأسها : الأمانة والإيثار فهي جميعها تقلل من تكلفة العلاج. الزائر اليوم لأي مرفق علاجي يجد أُسراً بكاملها تذهب للتداوي ! ممارسات إن تواصلت ستذهب بريح التأمين الصحي مهما توسعت مظلته ومهما رشدت إدارته !
من أسباب الفقر إنعدام الفرص فرص التعليم الجيد و فرص الحصول علي عمل وإنعدام البيئة المشجعة علي ريادة الأعمال خاصة الصغيرة منها. في عهد رئيس الولايات المتحدة ريقان و فرت الأعمال الصغيرة فرصاً للعمل أكثر مما وفرته الشركات الكبيرة مثل فورد وكرايزلر وأي بي إم. وكانت لها إدارة بالبيت الأبيض . وهنا ما زلنا معجبين بالمشاريع الكبيرة مثل الجزيرة وكنانة وجياد ومصفاة للبترول تبلغ سعتها 100000برميل في اليوم !مثل هذه المشاريع الكبيرة سيكون فشلها مدوياً وكارثياً، مثلما نري اليوم في مشروع الجزيرة وهو مشروع بحجم دولة حيث تزيد مدنه وقراه علي الألف ! سكانه أكثر من 4 مليون فرد ! ربما نحتاج لتبني سياسات جديدة تهتدي بفلسفة محسن آخر من بلاد الإنجليز ومن أصول الجيرمن وهو السيد / شوماخر مؤسس منظمة التقنية الوسيطة والمعروفة الآن ببراكتكالآكشن والتي قامت علي هدي تلك الفلسفة والتي يلخصها في كتابه الموسوم “الصغير أجمل”Small is beautiful أشرت إليه في موضوع آخر و لن أمل التكرار ! سياسة فيها كل الحكمة لعلنا نتبناها في الصناعة وغير ذلك من مشاريع الإنتاج .وقد يكون من الأوفق تبنيها في سياسة الأراضي والتي أدعو أن يكون من ضمن مقاصدها وأهدافها لامحاربة الفقر ! كأن تنص علي منح أرض سكنية لا تقل عن 200 متر لكل سوداني يبلغ من العمر 18 عام وأُخري زراعية لا تقل عن الفدان وبذلك سيتمكن من إستثمارها أو رهنها أو بيعها وسيكون سعيداً بمثل هذا الوطن الحنون! سيستميت في الدفاع عنه. يجب أن تهدف كل السياسات العامة إلي تمكين المواطنين ومن هنا جاءت دعوتي لإنشاء معهد للسياسات العامة في مكان آخر.
إن إنعدام العدالة يساهم بدرجة كبيرة في إفقار الناس .إن ظلم أصحاب الأعمال للعمال وغمطهم حقوقهم لمدعاة لليأس والقنوط وإضعاف الهمم وللقعود. ومن ذلك بطء التقاضي وإنعدام القضاة العدول مع وجود عوائق كثيرة تحد من تحقيق العدالة مثل الرسوم المقررة علي التقاضي . وقد قال أحد حكماء فارس ” أعطني حاكماً ظالماً أعطك ألف خرابة” نتيجة الفقر للهروب والإبزعرار!
من المؤكد بأن للقيم دورٌ في محاربة الفقر و لكم في الدراسة التي وردت في مجلة التعاون والتنمية الألمانية مقارنة بين دولتي كوريا الجنوبية وبنين في الغرب من إفريقيا حيث عزا التقدم الكوري لقيم البوذية ولعل الكاتب لم يكن مدركاً لوجود قيم أكثر في دين الإسلام ولكنها للأسف مُغيبة! بالحض علي العمل وإتقانه وإحترام الوقت وغير ذلك من القيم النبيلة. وقد سبق أن دعوت لإنشاء مؤسسة للقيم الإسلامية لترسيخها وتعزيزها لتضحي ماثلة وشاخصة بين الناس كل الناس .وليصبح نقيضها مذموماً مدحوراً. الكذب وحب النفس ..
يتأتي علي الفقر هجرة ونزيف للعقول لا يتوقف ولا يني الإسلام يدعو للهجرة عند التعرض للإذلال والإفقار والفقر يؤدي إلي المرض وإلي البطالة حيث أن الفقير يعجز عن الحركة وتعوزه الحيلة لذلك لا عجب أن رأينا شباب إفريقيا وآسيا يرمون بأنفسهم لزوارق الهلاك في البحر الأبيض عشماً في بلوغ شواطئ أوروبا الجميلة ! يبدو بأن للفقر حلقات ودوائر مفرغة المرض كما قلت يفقر والفقر يجلب المرض وهكذا البطالة تفقر والفقر يؤدي للبطالة دوائر تكسر حلقاتها السياسات الرشيدة والقيادة الملهمة الصادقة مع مشاريع جادة وأخذ للناس في رفق ولين ! و أن يضع المئؤل نفسه في مكان المواطن ليحدد الطريقة التي يؤدي بها واجبه . يقول الفرنجة ضع نفسك في حذا الآخر وفي موروثنا “عامل الناس كما تحي أن يعاملوك” ولا أدري السر في سيادة النظريات وقلة المثل أو حسن الأُحدوثة ؟
ويبقي العمل أي عمل سواء في الإنتاج أو الخدمات أو في السلطة ليس فقط طريقاً مباشراً أو قصيراً لمحاربة الفقر ولكنه وسيلة ناجعة لتوزيع السلطة والثروة شعارٌ طالما تبنته الثورات وحركاتها المسلحة في أطراف البلاد وبدون ذلك لا نحقق الرضا ولا نبلغ بالناس مرافئ السعادة ولقد أعجبني القذافي حين نادي بتوزيع أموال النفط علي مواطني ليبيا وليته فعل سابقةٌ فريدة وفي تقديري جيدة .
وأُذكر بمشروع الوزير الشريف حسن الهندي لتشغيل الشباب خلال فترة وجيزة حيث قام بتوزيعهم علي المؤسسات الحكومية .هل من عودة لمثل ذلك المشروع ؟ ولعلنا لا نجافي الحقيقة إن تسآلنا عن الفرق بين مشروعنا الحضاري ومشاريع الغرب الكافر ؟ ما هو الفرق ؟ تعظيم للربح هنا وهنالك ؟ فلنسعي لتوزيع المال عبر العمل المباشر علي كل المواطنين ولنبتدع مشروعاً مختلفاً عن الرأسمالية المتوحشة ! حتي يمكننا القول بأننا أتينا بالجديد ! ولنضع نموذجاً مختلفاً للعالم !!
عبر العمل يتم إشباع الحاجات الأساسية للإنسان كما ذكرنا من طعام وتعليم وكساء .. مع إدخار وتوفير وهو ما يذهب في دورة أعمال جديدة في طريق النهضة الطويل عبر مؤسسات إبتدعها الإنسان لتحريك الأموال : مثل البنوك والشركات والبورصات والأسواق. الإدخار عنصر غائب في حياتنا !
سعت الدولة لمحاربة الفقر ولتوفير فرص العمل عبر مشاريع للتمويل الأصغر وبنوك لهذا الغرض وأنشأت في بنك السودان وحدة للتمويل الأصغر للأسف تم إختطافها بواسطة قلة من الناس ومن المدهش لم يخفوا هذا الأمر في التقرير الذي صدر من هذه الوحدة .يمكن العثور علي شبكة الإنترنيت علي الموضوع الذي أثرته حول هذا الأمر.كان من الأوفق أن يضع بنك السودان هذه الأموال في صناديق دوارة لكافة البنوك لتقوم بتمول الراغبين في العمل بدلاً من إنشاء وحدة ينقص القائمين عليها في وقت من الأوقات الإخلاص ولا تعوزهم الحيلة لإستصفاء المال لمصالحهم الضيقة.
وأُذكر كرةً أُخري بأن المال من العناصر التي بغيابها يسود الفقر لذلك بتوفير الأموال قليلها قبل الكثير وفي مشاريع صغيرة ذكية يقوم عليها أذكياء مخلصون سنري المال يزكو وينمو.
كتبتُ هذا الموضوع بطريقة في الكتابة إفترعتها إفتراعاً وأحسبها جديدة وتعلمون وجود طرق للكتابة عديدة منها : الكتابة الإبداعية وكتابة البحوث وكتابة التقارير هذه الطريقة أسميتها ” الكتابة بالأهداف” وأرغب في نشرها. إن وجدتموها جيدة أرجو الإفادة وإن كانت خلاف ذلك فأرجو التوجيه.
وأّذكر بضرورة البدء في إنشاء معهد أو مستودع للتفكير ولعل أحدهم يتبرع بموثع علي الشبكة وآخر بمكتب ليصبح من المشاريع الشعبية لمناقشة قضايانا كافةً بما فيها الفقر .
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة