تقول سندس، وهي طفلة لا تتجاوز الثامنة من عمرها، وهي تتحدث لفريق برنامج الأغذية العالمي: “في الفاشر هناك فقط الجوع والقنابل، لا يوجد شيء آخر، ولهذا السبب غادرنا.”
بورتسودان: كمبالا: التغيير
سندس وأفراد أسرتها الخمسة كانوا من بين عشرات الآلاف الذين فروا من المدينة المحاصرة في شمال دارفور، بعد أن باتت الحياة فيها مستحيلة، ولم يبقَ لهم سوى الذرة البيضاء للبقاء على قيد الحياة.
وبعد عام من تأكيد المجاعة لأول مرة في معسكر زمزم بولاية شمال دارفور، حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة اليوم الثلاثاء، في بيان صحفي اطلعت عليه (التغيير) من أن المدنيين العالقين داخل مدينة الفاشر التي تخضع لحصار خانق يواجهون خطر الموت جوعاً، مع انقطاع تام لوصول المساعدات الإنسانية.

عام من العزلة والحصار
منذ أكثر من عام، لم يتمكن برنامج الأغذية العالمي من إيصال مساعدات غذائية إلى الفاشر عبر الطرق البرية، التي لا تزال مقطوعة بالكامل. ورغم استمرار البرنامج في تقديم دعم نقدي رقمي لنحو 250 ألف شخص داخل المدينة، إلا أن هذا الإجراء غير كافٍ لتغطية الاحتياجات الضخمة، لا سيما مع انهيار الأسواق وندرة السلع.
قال المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي في منطقة جنوب وشرق أفريقيا، إريك بيرديسون: “يواجه الجميع في الفاشر صراعاً يومياً من أجل البقاء. الحرب التي استمرت لعامين استنزفت كل وسائل التأقلم، وإذا لم نتمكن من إيصال مساعدات إنسانية فورية ومستدامة، فالكثيرون سيموتون.”
جوع مفرط وأسعار خيالية
في ظل إغلاق خطوط الإمداد وطرق التجارة، قفزت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الذرة الرفيعة والقمح اللذين يُستخدمان في صنع الخبز والعصيدة بنسبة 460٪ مقارنة بباقي مدن السودان. ومع اختفاء أغلب المخابز ومطابخ الطعام الخيرية (التكايا)، ودمار الأسواق والعيادات بفعل العنف، اضطر البعض إلى أكل أعلاف الحيوانات ومخلفات الطعام للبقاء على قيد الحياة، حسب ما أورد شهود فرّوا من المدينة.
كما تفاقمت الأوضاع مع تصاعد العنف والنهب والاعتداءات الجنسية، في وقت يعيش فيه عشرات الآلاف من المدنيين غالبيتهم من النساء والأطفال في عزلة كاملة عن العالم.
الجوع دفعهم لأكل علف الحيوانات.. آلاف المدنيين في مدينة #الفاشر السودانية يعانون من مجاعة خانقة#السودان
تقرير: رحمة الهمّادي pic.twitter.com/QWV2MFubiuالتلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 5, 2025
أزمة تتوسع رغم استجابة محدودة
بلغ عدد الفارين من الفاشر إلى مدينة طويلة أكثر من 400 ألف شخص، بحسب البرنامج، حيث يتلقون هناك بعض الدعم. وبشكل عام، قال برنامج الأغذية العالمي إنه يصل إلى أكثر من 4 ملايين شخص شهرياً في السودان، وشمل ذلك 5.5 مليون شخص في مايو الماضي فقط، بينهم 1.7 مليون يعيشون في مناطق صنّفت على أنها تعاني من المجاعة أو معرضة لها، إضافة إلى أكثر من 600 ألف امرأة وطفل يتلقون مساعدات غذائية.
وساهمت تدخلات البرنامج في الحد من خطر المجاعة في ست مناطق بوسط دارفور واثنتين بغربها، إلا أن هذه المكاسب لا تزال هشة. ومع بداية موسم الأمطار، تخشى المنظمات الإنسانية من تعذر إيصال المساعدات مجدداً إلى دارفور، ما سيؤدي إلى تدهور سريع في الأوضاع.

دعوات لممر آمن بعد تصعيد دموي
في الأول من أغسطس، حصل البرنامج على تصاريح من مفوضية العون الإنساني الفيدرالية السودانية لقافلة مساعدات متجهة إلى الفاشر. إلا أن قوات الدعم السريع، التي تحاصر المدينة منذ أكثر من عام، لم تُعلن بعد التزامها بوقف إطلاق النار أو ضمان مرور القوافل.
وقالت مديرة سلسلة الإمداد وإيصال المساعدات في البرنامج: كورين فلايشر، “حققنا تقدماً في ظل أصعب الظروف، لكننا لا نزال غير قادرين على الوصول إلى مناطق رئيسية مثل الفاشر. لدينا شاحنات جاهزة ومحمّلة بالمساعدات، لكننا بحاجة ماسة لضمانات لممر آمن.”
وفي يونيو الماضي، تعرضت قافلة مشتركة لبرنامج الأغذية العالمي واليونيسف لهجوم أثناء توجهها نحو الفاشر، مما أدى إلى مقتل خمسة من أفراد الطاقم وتدمير الإمدادات، في مؤشر خطير على تعقيد المشهد الميداني.
تمويل عاجل لتفادي الكارثة
ناشد برنامج الأغذية العالمي المجتمع الدولي توفير 645 مليون دولار أمريكي خلال الأشهر الستة المقبلة، لتمويل أنشطة الغذاء والنقد والتغذية الطارئة. وأشار إلى أن انقطاع خطوط الإمداد يجبر البرنامج على اتخاذ قرارات صعبة تتضمن تقليص المساعدات، ما أدى إلى توقف الدعم كلياً لبعض العائلات في معسكرات النزوح بشرق السودان، رغم اعتمادها عليه منذ عامين.
ويعد برنامج الأغذية العالمي هو أكبر منظمة إنسانية في العالم، تعمل على إنقاذ الأرواح خلال الطوارئ وتستخدم المساعدات الغذائية كوسيلة لتحقيق السلام والاستقرار، خصوصاً في المناطق المتضررة من النزاعات والكوارث وتغيّر المناخ.
المصدر: صحيفة التغيير