زهير عثمان حمد
تشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، واحدة من أكثر المعارك حساسية في الحرب السودانية الحالية، إذ تحولت من ساحة مواجهة عسكرية إلى مسرح لحرب إعلامية منظمة، حيث يسعى كل طرف إلى صياغة رواية تُعزز موقعه السياسي وتكسر عزلة حلفائه الإقليميين والدوليين.
من الناحية العسكرية، الفاشر ليست مجرد مدينة، بل هي عقدة استراتيجية تربط إقليم دارفور بوسط وشمال السودان، والسيطرة عليها تمنح الطرف الممسك بها ميزة تفاوضية مهمة في أي تسوية مستقبلية.
قوات الدعم السريع تحاول منذ أشهر استنزاف الحامية المشتركة داخل المدينة وقطع طرق الإمداد عنها، فيما يحرص الجيش وحلفاؤه من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا على إبقاء خطوط الدفاع صامدة إدراكًا منهم أن سقوط الفاشر سيعني انهيار كامل لشمال دارفور.
لكن المشهد لا يتوقف عند خط النار، إذ باتت الفاشر واجهة لحرب ترويجية موازية.
إعلام الدعم السريع يركز على خطاب “التحرير” و”حماية المدنيين” في مواجهة ما يسميه “فلول النظام البائد” داخل الجيش، في محاولة لتقديم المعركة كجزء من ثورة ممتدة، وكسب تعاطف قوى مدنية وشبكات إعلامية إقليمية.
إعلام الجيش يطرح خطاب “الدفاع عن وحدة السودان” و”حماية الأهالي من المليشيات”، مع تضخيم الخسائر التي يتكبدها الطرف الآخر لإبراز صمود الحامية، وكسب تأييد القوى الوطنية التي تخشى تفكك البلاد.
اللافت أن الطرفين يستخدمان أدوات متشابهة: مقاطع فيديو منقوصة السياق، شهادات حية منتقاة، وحملات على منصات التواصل لتوجيه الرأي العام. في هذا الصراع، يصبح التحكم في الرواية أداة ضغط لا تقل أهمية عن السيطرة على الأرض، خاصة أن الفاشر تُعد إحدى آخر العواصم الولائية التي لا تزال خارج سيطرة الدعم السريع، ما يجعلها “جائزة سياسية” بقدر ما هي “هدف عسكري”.
من زاوية أوسع، حرب الروايات حول الفاشر تعكس المأزق السياسي الأعمق في السودان: غياب قوى مدنية قادرة على تقديم خطاب مستقل يفضح انتهاكات الطرفين ويضغط لوقف إطلاق النار.
ما يجري الآن هو تنافس بين سرديتين مسلحتين، كلاهما يسعى لشرعنة حضوره عبر الإعلام، فيما يدفع المدنيون ثمنًا إنسانيًا باهظًا وسط حصار خانق ونزوح متزايد.
إذا استمر هذا النمط، فإن معركة الفاشر قد تتحول إلى نسخة سودانية من “حصار حلب” أو “ماريوبول” و حيث تتجاوز رمزية المدينة حدود الجغرافيا لتصبح اختبارًا للإرادة السياسية والعسكرية، وورقة مساومة على طاولة أي مفاوضات قادمة.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة