ظِلَال القمر
عبدالرحمن محمد فضل
_________
في خطوة تحمل دلالات سياسية وعسكرية لافتة، أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عن مهلة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أسابيع لإخراج جميع الفصائل المسلحة من العاصمة الخرطوم، وهي خطوة تعكس تحوّلًا في نظرة القيادة السياسية والعسكرية إلى ملف الأمن القومي بعد أكثر من عامين على اندلاع الحرب الكارثية التي حولت العاصمة إلى ميدان معارك مفتوحة لكن ما الذي تعنيه هذه الخطوة؟ وما الفوائد المرجوة منها؟ وهل يمكن تنفيذها فعليًا؟أولًا العاصمة ليست ميدانًا للحرب الخرطوم، العاصمة السياسية والإدارية، يجب أن تكون بمنأى عن أي وجود مسلح غير شرعي فبقاء المليشيات داخل المدينة نسف لمفهوم الدولة نفسها، وتكريس لحالة الحرب الدائمة لذلك، فإن إخراج الفصائل المسلحة من العاصمة يُعتبر استعادة للرمزية السيادية، حيث لا دولة بلا عاصمة آمنة، ولا مؤسسات بلا محيط مستقرثانيًا
هيبة الدولة ومركزية القرار في ظل التعدد الفوضوي للمليشيات وتعدد الولاءات، فإن الخطوة تهدف إلى إعادة مركزية القرار العسكري والسياسي. فالسلطة التي لا تستطيع بسط سيادتها داخل عاصمتها، لن تُحترم خارجها، لا من قبل الداخل ولا من قبل المجتمع الدولي، وهنا، يرسل البرهان رسالة مزدوجة أولها للمواطن السوداني بأن الدولة عائدة، وثانيها للخارج بأن الجيش قادر على الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة الكاملة علي البلاد وبسط الامن والاستقرار ثالثًا ربما يكون القرار هو بمثابة التمهيد للانتقال السياسي لانه من غير الممكن الحديث عن تسوية سياسية حقيقية أو مفاوضات جادة في ظل وجود عشرات الفصائل المسلحة داخل الخرطوم لذلك، فإن تنظيف العاصمة من السلاح العشوائي والفوضوي يُعتبر شرطًا أوليًا لأي عملية سياسية ناجحة كما أن عودة النازحين، وفتح الطرق، وإعادة عمل الوزارات والمؤسسات، كلها رهينة بخروج المسلحين حتي يعود الامن الذي انفرط عقده في عاصمة البلاد منذ اندلاع الحرب رابعًا تحقيق الأمن الإنساني والاجتماعي والذي في نظري يعتبر من أبرز نتائج انتشار الفصائل المسلحة داخل الخرطوم هو اي وسيؤدي الي تفكك المجتمع المدني، ونزوح الملايين، وتدمير الأحياء السكنية، وتعطيل الخدمات الأساسية فإن إخراج الفصائل المسلحة سيمكن من تأمين المستشفيات والأسواق والمرافق الخدمية كافة اضافة الي عودة الحركة التجارية ولو بشكل جزئي خلال هذه الفترة العصيبة التي تمر بها البلاد وخروج الفصائل المسلحة اعتقد انه سيكون سبب في توفير بيئة أفضل لعمل منظمات الإغاثة والمساعدات الإنسانيةخامسًا التحديات الواقعية لان القرار، رغم وجاهته، يصطدم بواقع شديد التعقيد والسؤال المطروح بقوة
هل ستقبل المليشيات بالخروج فعليًا؟ وما هي الضمانات لعدم عودتها؟وهل لدى الجيش الإمكانات الكافية لفرض هذا القرار دون انزلاق إلى معارك دامية داخل الأحياء السكنية والتجارية ؟هذه أسئلة لا بد من مواجهتها بخطط واقعية، ومقاربات مرنة ولكن بصورة حازمة وقوية، لأن إخراج الفصائل بدون اتفاق شامل أو تنسيق مع أطراف دولية قد يؤدي إلى معارك جديدة تزيد الخراب لا الإصلاح.
اعتقد ان هذا القرار هو خيار بمثابة الضرورة لاجل الامن والاستقرار
وهو خطوة صحيحة على طريق سوف يكون طويل ومؤلم فبدون عاصمة آمنة لن تكون هناك دولة ولا سلام ولا مستقبل ولعل التحدي الأكبر الآن ليس في إعلان القرار، بل في تنفيذه العادل وفرضه بميزان القوة المتوازنة والشرعية، لا بمزيد من الدماء وجلب مذيد من الالم والمعناة للمواطنين المدنيين الذين يبحثون عن الامن والسلام والتطلع
لعودة الحياة لمجراه الطبيعي بعد معاناة ومرارة وآلام هذه الحرب التي دفع ثمنها المواطن والوطن.
خلاصة
القرار يهدف إلى استعادة العاصمة كرمز للسيادة الوطنية، وتنظيم المشهد الأمني والعسكري، وتحضير البلاد لمرحلة سياسية جديدة أكثر استقرارًا، ولكن نجاحه يتوقف على الإرادة الجادة والقدرة على التنفيذ دون انتكاسات أو تنازلات خطيرة.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة