الضربة المزدوجة الإنهيار الإقتصادى والمجاعة في السودان!!
صلاح جلال
(1)
لقد إطلعت على تصريح منقول على الوسائط الإلكترونية اليوم للخبير الإقتصادى البروفيسور إبراهيم أحمد أونور يحذر فيه من إنهيار الدولة مشيراً إلى أن الإنهيار الاقتصادي سابق لأى إنهيار عسكرى فيما يكون بعد ذلك نتيجة له ، مؤكداً هناك مؤشرات قوية أن من بين ثلاثة بنوك تجارية عاملة الآن إثنان منها معرضة للافلاس والإنهيار فى أى لحظة نتيجة لتأثير الحرب على الإقتصاد وتأثير العملات المزورة المتداولة بحجم كبير فى الأسواق .
كما أشار في نفس الإتجاه الدكتور إبراهيم البدوى وزير المالية السابق في محاضرة له “حول إتجاه الإقتصاد للسقوط العمودي نتيجة لآثار الحرب المدمرة على الأصول الرأسمالية ووسائل الإنتاج .
(2)
ذكرت مصادر أخرى أن ٩٥% من السودانيين يعيشون حالة من الفقر الحاد الطبيعى والمؤقت الناتج عن التوقف المفاجئ للإنتاج وإنهيار مصادر الدخل فى القطاع الخاص والعام الذى لم يصرف تعويضاته الشهرية لقرابة العام مقدر ب ٨٠٠ ألف موظف على الأقل بلا دخل وبعد ميزانية الحرب غير
المعلنة لدكتور جبريل إبراهيم وزير المالية التى إعتمدت على مصادر دخل غير واقعية من بينها إلغاء الدولار الجمركي ورفع التحصيل الضريبى لإقتصاد يعانى من تضخم ركودى جامح Stagflation وكما ذكر الوزير ضمن حزمة حلوله غير الواقعية أن الدولة ستعرض بعض الأصول الكبيرة للبيع لدول أخرى ، فى ظل مقاطعة شبه كاملة من مؤسسات التمويل الدولى نتيجة لتداعيات إنقلاب الفريق البرهان فى ٢٥ إكتوبر ٢٠٢١م على الحكم الإنتقالى ، الأزمة الإقتصادية المتصاعدة تجرد الحرب الراهنة من مشروعيتها الأخلاقية وتفرغ أشرعتها من القدرة على الإستمرارية لمدى زمنى أطول .
(3)
ذكرنا فى غير مرة بناء على هذه المؤشرات أن الإقتصاد السودانى قابل للإنهيار بأسرع مما نتوقع خلال الستة أشهر القادمة على الأكثر ، والعملة المحلية اليوم قد تآكلت بنسبة ١٠٠% عن العام السابق منذ بداية الحرب مما يعرض قطاع التجارة الداخلية لخسارة ضخمة ومخاطر الإفلاس إذا إحافظوا على رؤوس أموالهم بالعملة المحلية التى بلغت ١٢٠٠ج للدولار الواحد اليوم ،وسترتفع فى الأيام القليلة القادمة قيمة العملات الصعبة أمام العملة الوطنية بوتيرة أسرع عندما يكتشف صغار التجار تآكل قيمة مدخراتهم ويسعون لتحويلها لعملات صعبة، هذه الوضع سيعرض الإقتصاد لاحد الحالتين المتلازمة الفنزويلية أو الزمبابوية فى الحالة الفنزويلية أصبحت قيمة العملة لا تساوى قيمة أوراق التواليت وهرب راس المال من البلاد وهاجر السكان بشكل جماعى على أرجلهم لدول الجوار ، وفى الحالة الزيمبابوية فقدت العملة أى درجة من التسعير بالعملات الصعبة ، مما اضطر البنك المركزى للتدخل لإلغاء العملة الوطنية والتعامل المباشر بالدولار الأمريكى حتى يتمكن من السيطرة على التضخم من خلال عملة مستقرة فى السوق العالمى .
(4)
الإقتصاد السوداني بمؤشراته الراهنة يقترب من أحد الحالتين !، لذا قبل إرتطامه وسقوطه الحر في القاع أن يقوم الفنيين والخبراء بالإستعداد والتحضير للخيارات المحتملة، وذلك بالإنتقال إلى عملة بديلة لأحد دول الجوار الأقرب مثل الريال السعودى أو الدرهم الإماراتى أو الريال القطرى كعملات إقليمية مستقرة يجب على الفنيين التحوط لهذه الخيارات ، وبداية التفاوض مع البنوك المركزية للدولة المرشحة عملتها لتحل محل العملة المحلية إذا وصل تدهور العملة مرحلة عدم السيطرة الكاملة .
(5)
الضربة المزدوجة تتمثل فى الإنهيار الإقتصادى مع إنفلات الحرب لمرحلة الفوضى المتزامنه مع حالة المجاعة الناتجة للنقص الحاد فى الإنتاج الغذائي ، مما لا شك فيه أن المجاعة القادمة حسب تقارير المنظمات الدولية المختصة ستكون أقسى مجاعة فى تاريخ البلاد ، وستبلغ ذروتها بين أغسطس وديسمبر القادم ، والأول مرة فى تاريخ السودان تجوع منطقة الجزيرة المروية التى لم تتاثر بدرجة كبيرة بمجاعة سنة ستة ، ستدخل فى دائرة الخطر دارفور بكل ولاياتها الخمسة وكردفان الكبرى والعاصمة المثلثة دخلت مرحلة النقص الحاد فى الغذاء منذ هذه اللحظة على حسب تقديرات الأمم المتحدة وعلى حسب تقرير الفاو واعلان السيد مارتن قريفث مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية قائلاً سيتأثر بالمجاعة فى السودان حوالى ٢٥ مليون نسمة منهم ١٨ مليون حالة نقص حاد للطعام وحوالي ثلاثة مليون ونصف طفل سيتعرضون لسوء التغذية المرحلة الحرجة حد الموت .
(6)
رغم هذه التقارير العالمية المقلقة من مؤسسات ذات مصداقية عالية مازال الإعلام الرسمى والدولة فى بورتسودان تتعامل مع المجاعة بفهم سياسى وليس كقضية إنسانية عاجلة !، يتبين للمتابع ذلك من خلال لجنة الفريق إبراهيم جابر وتصريحات وزير المالية والزراعة التى تنكر أن البلاد تواجه خطر المجاعة فى تصرف غير مسئول ، كما أن الدعاية الإعلامية المضللة تعرض في إعلامها جوالات للذرة بمدينة القضارف للتطمين الزائف للمواطنين ، هذه التصرفات لن تحجب حقيقة المجاعة الماثلة والقادمة فهى ستتحدث عن نفسها وستفضح كل من يحاول التستر عليها، كما سيقدم فى مؤتمر باريس فى ١٥ أبريل ٢٠٢٤م لتنظيم الإستجابة الإنسانية فى السودان أوراق علمية عن حجم الفجوة الغذائية فى السودان، هذا المؤتمر الذى ستشارك فيه تنسيقية القوى الديمقراطية (تقدم) بقيادة رئيسها دكتور عبدالله حمدوك كممثل لشعب السودان.
(7)
ختامة
فى ظل هذا الواقع المأساوى نحمل الفريق أول البرهان المسئولية الكاملة لتباطئه فى إدراك ضرورة وقف الحرب ، وعدم جديته فى التفاوض وتسويفه غير المنطقي للتوصل لحل في كل المنابر المتاحة جدة والإيجاد وجوار السودان والمنامة فقد كان يدخل ( بحمد ويخرج بخوجلى) من هنا و من هناك لشراء الوقت وإهمال الحلول ، من سخرية القدر أنه لا يدرى أنه لا يملك رفاهية التسكع للتسوق بين المبادرات وضياع الوقت للمناورة والمجاعة تسحق أؤلئك الذين يطمع في حكمهم والإنهيار الإقتصادى يمسح أخر ما تبقى من ملامحهم
وكذلك نوجه الضغوط على قيادة الدعم السريع لتكثيف التواصل مع القوات المسلحة والوسطاء للعودة للتفاوض بأسرع ما يمكن لمواجهة الظرف الحرج الذى يعيشه الشعب السودانى المغلوب على أمره بين رحى طرفى الحرب ، تقول الحِكمة؛” لاتستطيع تجاوز سُلم الأوقات الصعبة ويداك فى جيبك.
المصدر: صحيفة التغيير