في خضم الحرب التي اندلعت في السودان في الخامس عشر من أبريل 2023، برزت ظاهرة لافتة تهدد نسيج التعايش الوطني وهي الشماتة في موت الخصوم السياسيين.

الخرطوم _ التغيير

وسط هذا المناخ جاءت قصة موت مهند إبراهيم فضل، أحد قادة كتائب البراء، الذي وُصف من أنصاره في بياناتهم الإعلامية بأنه رمز للتضحية.

إلا أن موته أثار انقساماً واسعاً، فريق واسع من الإسلاميين والبراؤون احتفوا به كرمز، بينما رد آخرون على مواقع التواصل الاجتماعي بالشماتة، معتبرين أن ما أصابه يمثل عدالة إلهية أو قصاصاً على ما ارتكبته جماعته من جرائم بحق ثوار ديسمبر وضحايا فض الاعتصام.

هذه الردود استندت إلى مقارنات مباشرة بين فرح الإسلاميين سابقاً بموت المتظاهرين وسخريتهم من جداريات الثورة، وبين شماتة خصومهم اليوم عند موت رموزهم العسكرية. وهكذا تحولت منصات التواصل إلى ساحة تبادل ثأري للشماتة، كل طرف يعيد إنتاج منطق الآخر.

وسبق ذلك مع سلوكيات أثارت جدلاً آخر حين أقدمت كتائب البراء على السخرية من شهداء ثورة ديسمبر والجداريات التي تمثل ذاكرة الشهداء ومطالب الشعب، الأمر الذي فجّر موجة غضب على تويتر تحت وسم «ديسمبر باقية وستنتصر».

وتؤكد الباحثة نهلة الخزرجي، مديرة منظمة المستقبل للتشاور والتنمية في دارفور، أن خطاب الكراهية له جذور ممتدة إلى ما قبل الإنقاذ، حيث ارتبط بسياسات التمييز العرقي والطائفي التي كرست للتهميش.

أما أستاذة علم الاجتماع إلهام مالك فترى أن التراث الاجتماعي من عبودية وتفاوتات هيكلية أسهم في تحويل بعض المجموعات إلى أهداف دائمة للنبذ والوصم، وقد وجدت هذه المشاعر المتراكمة فرصة للتفجر مع الحرب.

و كتب الناشط عبدالشافي فضل على موقع فيسبوك أن «ثورة ديسمبر كالبركان الثائر… ثورة المدنية ودولة المؤسسات والقانون»، بينما شدد الصحفي عثمان فضل الله على أن ثورة ديسمبر ستظل مستمرة حتى اجتثاث آخر فاسد من النظام البائد .

كما أكدت وقتذاك لجان المقاومة أن الثورة هي من منحت القائد العام للجيش شرعيته المزعومة، وأن أي محاولات للاستخفاف بها أو برموزها من الشهداء لن تغيّر من مكانتها في وجدان الشعب.

لكن الأصوات العاقلة حذرت من خطورة ترسيخ ثقافة الاحتفاء بالموت، أياً كان الطرف المستهدف. فقد عبّر مستخدمون على منصات التواصل الاجتماعي عن ألمهم من أن المدنيين هم دائماً من يدفعون الثمن، وعن أن استمرار هذه الدوامة لا يفتح أي أفق لمستقبل أفضل.

وبرزت أطروحات مثل ما طرحه المفكر محمود مدني حول «عدالة الناجين»، التي تقوم على الاعتراف بالضحايا ومحاسبة المذنبين بالقانون بعيداً عن الانتقام، ورؤى مثل ما قدمته نهلة الخزرجي الداعية إلى سن قوانين واضحة ضد خطاب الكراهية، وإنشاء مراكز لرصده في الإعلام ومواقع التواصل، مع تعزيز قيم التعددية والمواطنة.

وفي حديثها لـ «التغيير»  قالت الناشطة تسابيح ع. «النتيجة أن الشماتة في الموت تحولت من رد فعل لحظة إلى ثقافة تعكس عمق الجروح التاريخية والسياسية» .

و أضافت: البعض يبررها بأنها قصاص رمزي مستحق، فيما يرى آخرون أنها تهدد بنسف أي إمكانية للمصالحة وتزيد الانقسام.

الكاتب والصحفي إبراهيم نقدالله، في منشور على فيسبوك، قدّم شهادة شخصية على كيف تغلغلت هذه الثقافة في حياة السودانيين حتى خارج الوطن. فقد ذكر أنه تلقى رسائل مسيئة عبر «ماسنجر»  من شخص لا يعرفه ولم يسبق أن اختلف معه، ثم تطور الأمر إلى محاولة اغتيال استهدفته بالقاهرة.

وأكد أن ما حدث معه يعكس كيف امتدت الحرب من ساحات القتال إلى العلاقات الشخصية وإلى الفضاء الافتراضي، حيث باتت الخصومات تُدار بالكراهية والتحريض.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.