سيد محمود الحاج
على غرار الخيل تجقلب والشكر لي حماد ، فإنّ الوطن الآن يخسر كل شيء .. فهو يخسر إنسانه الذي قضت الدانات والمسيّرات والقنابل التي ظلت تقذفها الطائرات فوق روؤس آلآف الأرواح البريئة دون تمييز بين طفل وإمرأة وشيخ ، كما خسر ويخسر مقوماته وبنيته التحتية من جسور ومحطات توليد كهرباء ومستودعات وقود ومرافق عامة كالمشافي والمدارس وغيرها وقد توقفت الحياة تماما لأكثر من عامين .. فلا تعليم ولا علاج ولا مصالح تعمل ولا أمن ولا أمان … شلل كامل لحق بالبلاد لأجل أن يعود ذلك النظام الفاسد المارق الذي رفضه الشعب ولفظه الوطن ، إلى الإمساك بالسلطة التي سخّرها طيلة ثلاثة عقود لإشباع نزواته ورغباته الدنيئة والمصلحة الشخصية لأفراده وأتباعه دون الإلتفات إلى مصلحة الوطن او المواطن ، بل على النقيض فقد عملوا على هدم الوطن فلم يستبقوا معولاً من معاول الخراب إلّا وقد إستخدموه وأذلّوا إنسانه بممارسة كل أشكال القهر والظلم يدفعهم في ذلك حقد ترسّب في أنفسهم دون أن يُعرف له مبرّر وكأن بينهم وبين الوطن وأهل الوطن ثأر قديم .
أناس ليسوا من ذات الطينة التي بنينا منها ، فهم لا يعرفون سلاماً ولا عدلاً ولا يؤمنون بحرية الفرد ولا يؤمنون بما أسموه وطن او وطنية .. فلا غرابة أن كان أسهل الأمور وأبسط الأفعال هي القتل … قتل الروح التي حرّم الله قتلها إلا بالحق لكن أين هم من الله الذي نسوه في سكرة ملذاتهم ونشوة السلطة . فالعالم شهد ويشهد على أفعالهم وذبحهم للآدميين وقتلهم بأبشع الطرق ، فقوم مثلهم لن يُنتظر منهم سلام و لا عدل و لا مساواة بين الناس ، فهاهم يصرّون على مواصلة الحرب ولو استمرت رحاها تدور لقرن من الزمان فماذا يضيرهم وأسرهم في مأمن في قصورهم المترفة في تركيا وفي ماليزيا وفي غيرها يأكلون ويشربون دون خوف من دانة او مسيّرة او كوليرا او حمّى ضنك ، وفي جعبتهم من أموالنا المنهوبة ما يكفيهم ويكفي أحفادهم لقرون آتية !!
ما يثير العجب ويجعل المرء يتساءل كيف لمجموعة تعدّ على أصابع اليد أن ظلت ترعب وتذل أربعين مليوناً من البشر لأكثر من ثلاثة عقود وتستحقرهم إلى هذا الحد فتستولي على كل مقدّرات الوطن وتستأثر بخيراته وثرواته جميعها ولا تجود حتى بالفتات على شعبه … وكيف لشعب الوطن أن يظل خانعاً ومنخدعاً وهو قد وقف شاهداً على الفساد والخراب والجرم المرتكب في حقهم خلال سني حكمهم العجاف ، كما يشهد الآن كل صنوف الشر التي يمارسونها وإصرارهم على أن تبقى نار الحرب مشتعلة ونراهم في كل يوم يصبّون مزيداً من الزيت عليها فلا يشغل بالهم او يعنيهم حال الشعب الذي ظل يضرب في الأرض بين نازح ولاجيء لا يكاد يجد قوت يومه ناهيك عن أموالهم وبيوتهم وممتلكاتهم التي نهبت !!
إن كانت تلك الشرزمة قد وصلت إلى هذا الحد من المغالاة في إنتهاك عزة الوطن وشرفه وإسترخاص أرواح أهله وإذلالهم فما ذلك إلّا لإيمانهم بمجد البندقية كما صرّح من يجرّ لهم عربة الشرّ ، وأناس هكذا إيمانهم بات التفاوض معهم أمراً غير ذي جدوى ، فكما يقول أهلنا النار لن تنطفىء إن لم تقابلها نار ، لذا ينبغي إعادة النظر في شعار الثورة الذي يقول : حرية … سلام … وعدالة ليصبح حرية … نضال وعدالة وإلّا فإن الساقية ستظل دائرة تدفق قواديسها ناراً ودماّ وسنبقى كما نحن في متاهات النزوح تعصف بنا الأوبئة ويعصرنا الجوع !!
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة