الشراراة .. لماذا قد تنفجر الأوضاع بين المشتركة و الجيش الآن

مجاهد بشرى

في المشهد السوداني المحتدم، لم تعد الأسئلة تدور حول من سينتصر في الحرب، بل حول من سيفكك دولة الكيزان أولًا:
هل تكون “القوى المشتركة” التي بدأت تدرك اللعبة متأخرة؟
أم الدعم الذي ما عاد يُضيع طاقته في قتال خصومه بقدر ما يراقبهم يتصارعون؟

في قلب هذه التناقضات يظهر الجيش السوداني، لا كطرف مركزي في المعركة، بل كأخطر عنصر خبيث، مجرم، ومناور، يحاول حفظ سلطته المتآكلة بأي ثمن، ولو كان ذلك بالغدر بجميع حلفائه وبيعهم في اللحظة المناسبة كما ظل يفعل دومًا.

من الذي يقاتل على الأرض فعلًا؟

يقال أن من منع الدعم من ابتلاع بقايا جيش بورتسودان ومليشياته المتحالفة، ليست قدرات الجيش ذاته، بل تحالف “القوى المشتركة”.

قواتهم في كرب التوم، والمثلث، وأجزاء من شمال دارفور، هي من أوقف زحف الدعم السريع شمالًا، ودافعت عن مواقع الجيش المنهارة في وسط السودان و العاصمة، و كردفان. بل وفي تصريح شهير لقائد ميداني من حركة العدل والمساواة بتاريخ 17 يونيو 2025، قال بالحرف:

“نحن نقاتل دون غطاء، ودون دعم حقيقي، ومع ذلك نُمنع من المشاركة في اتخاذ القرار.”

بينما ظل الجيش يوزّع المناصب داخل ما تبقى من سلطة برهان بين الكيزان والموالين، رافضًا منح “المشتركة” أي موقع يعكس وزنها الحقيقي في الحرب، وخاصة وزارتي المالية والمعادن، رغم أن معظم الذهب المستخرج في السودان يأتي من مناطق يسيطر، او يتولى حمايتها مقاتلو المشتركة فعليًا.

لكن من الذي يرفض وقف الحرب اليوم؟ الجيش أم “المشتركة”؟

المفاجأة التي أغفلتها بعض التحليلات أن “المشتركة” ليست هي ايضا من رفض وقف إطلاق النار، بجانب الجيش نفسه الذي بدأ يسوّق لمبادرات سلام هدفها الوحيد إعادة ترتيب سلطته داخليًا، ثم التخلص من الحلفاء المسلحين لاحقًا.

وحتى لو بدت “المشتركة” متحفظة على وقف الحرب، فذلك ليس رغبة في الاستمرار، بل:

لأنها تدرك أن إيقاف القتال الآن يعني تجريدها من نفوذها مقابل لا شيء، وتمكين الجيش من إقصائها كما فعل مع الدعم السريع من قبل.

كل من تعامل مع الجيش، من حميدتي إلى مناوي إلى قادة “نداء السودان”، يعرف أن شعار “السلام” لدى العسكريين يعني “اصبر حتى نكسّرك”.

الجيش في أضعف لحظاته… الفرصةا الذهبية

اليوم، الجيش لا يسيطر على الأرض في دارفور و كثير من المناطق، ولا على حلفائه، ولا حتى على موارده.
بل أصبح مجرد كيان يعاني من التصدع الداخلي والتبعية الخارجية:
• انشقاقات في هيئة الأركان بين ياسر العطا، شمس الدين كباشي، والبرهان.
• صراع مكتوم حول النفوذ مع الإسلاميين المتطرفين المدعومين من إيران وروسيا.
• اعتماد مفرط على “المشتركة” في أغلب الجبهات.

الجيش بات يشتري الوقت بالتنازلات الظاهرة، ريثما يجد فرصة لتفكيك الحلفاء الميدانيين، وتصفيتهم بعد انتهاء المعركة.

وهنا مكمن الخطورة على “المشتركة”:
إن لم ينقلبوا الآن، فسينقلب عليهم الجيش لاحقًا.

و عملية الذراع الطويل للوصول إلى قلب دولة البطش، لم تعد الحركات المسلحة تحتاج إليها، فهي في عقر دار الوحش، ويدها في عنقه.

الانسحاب من كرب التوم والمثلث: رسالة تهديد ام انقلاب تكتيكي؟ا

انسحاب قوات “المشتركة” في يونيو 2025 من كرب التوم ومنطقة المثلث لم يكن مجرد مناورة، بل صفعة سياسية للجيش.
الرسالة كانت واضحة: “لسنا مرتزقة لدى قيادة لا تحترمنا، ولسنا واجهة تُستخدم ثم تُطعن”.

وعندما هدّد بعض القادة علنًا بفتح الطريق شمالًا أمام الدعم السريع، لم يكن ذلك مجرد خطاب ميداني غاضب، بل:

إعادة ترسيم للتحالفات، ومقدمة لفك الارتباط الفعلي مع جيش الخراب، و مقدمة لانقلاب تكتيكي.

المشتركة والدعم : خصمان بالأمس، حليفان موضوعيان اليوم

قد تبدو “المشتركة” والدعم السريع في خندقين متقابلين، لكن الحقيقة التاريخية أعمق من ذلك:
• كليهما تم استخدامه كأداة من أدوات النظام القديم.
• كلاهما قاتل بالوكالة عن الجيش، ثم رُمي خارج اللعبة.
• وكلاهما من الهامش جغرافيًا وسياسيًا واقتصاديًا.

ومثلما فهم صندل والطاهر حجر والهادي إدريس هذه الحقيقة، فالبقية اليوم مدعوون لفهم المعادلة:

“ليس هنالك عداء طبيعي بيننا… العدو الحقيقي هو من يستخدمنا، ويقسّمنا، ويصنع منّا أعداء حتى لا نطالبه بالحساب.” هكذا يقول لسان حالهما.

الدعم نفسه كان مجرد أداة بيد الجيش الإسلامي في حرب دارفور، و انقلاب الخامس و العشرين من اكتوبر 2021م. قبل أن يُحاول الجيش حله وتصفيته بمجرد زوال الخطر.

و”المشتركة” تُستخدم اليوم بنفس الطريقة.

حتى قادة من داخلها بدأوا يدركون ذلك. صندل، الطاهر حجر، والهادي إدريس ألمحوا في أكثر من مناسبة إلى أن الجيش يسرق الحرب ويقودها نحو نظام أسوأ من الذي قاتلوا ضده لعشرين عامًا.

الاقتصاد الموازي: من يملك الدولة حقًا؟

جزء من الصراع الحقيقي اليوم لا يدور حول “الوطنية” ولا “الدستور”، بل حول السيطرة على اقتصاد الحرب:
• الجيش يسيطر على أكثر من 80 شركة في منظومة الصناعات الدفاعية.
• يدير ميناء بورتسودان، المطار، حقول الذهب، ويستولي على الإيرادات دون مساءلة.
• يرفض دمج القوات، لأنه لا يريد أن تتوقف تدفقات الذهب والسلاح والوقود غير المشروع.

وفي المقابل، تطالب “المشتركة” بالمشاركة في إدارة الثروة،
لكن بدلًا من التفاوض، يصفهم الجيش بالطامعين في المناصب، بينما يتفرغ قادة الاسلاميين و عسكرهم في الاستفراد بالاستثمارات و الأموال بينما يساق جنود المشتركة لحتفهم.

كل المعطيات تقول إن اللحظة الراهنة هي الفرصة الذهبية للقضاء على الدولة العميقة:
• الجيش منهك ومشتت.
• الكيزان يتصارعون على السلطة في بورتسودان.
• الدعم يراقب .
• والمشتركة تملك جنودها بالميدان، والسلاح، والخبرة، والمظلومية.

ما ينقص فقط هو القرار السياسي الجريء بكسر التحالف مع العدو الحقيقي.

الختام: لا تعيدوا خطأ الدعم السريع

إن انتظرت “المشتركة” طويلًا، وخضعت لتكتيكات الجيش في كسب الوقت، فستلقى مصير الدعم السريع بعد 2019.
حينها كان شريكا في السلطة، لكن حاولوا تصفيته، وقتله علنًا.

وأمام التصعيد الإعلامي الذي مجدها عندما احتاج إليها، و اصبح يشتمها و قاداتها و مجتمعاتها القبلية، بل و يأمرهم بالعودة إلى دارفور، و استمرار تلاعب البرهان بهم، فإن كل ما ذُكر سيشعل الشرارة ..
شرارة ماتت في قلوب قادة المشتركة التي انطفأت تحت بريق الذهب..
و ألوان ورقات النقود.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.