الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم يصيح للخرطوم في أذنها:أبناء هذا الزمان قادرون علي خلق وطن يهز ويرز
د. عبدالرحيم عبدالحليم محمد
حاوره من كاليفورنيا ودنفر: عبد الرحيم عبد الحليم وبابكر فيصل
متابعة إبراهيم بخيت:حين صار كل قصيدنا قطنا بأذني الوطن الغالي ، وصار السكون عبادة ، كان فضاء الله الواسع عبر الهاتف والإنترنت ملاذا أسرجنا به خيل البحث عن لقاء ممكن وشعر أجمل في بستان أمتنا المبدعة، الشاعر السفير محمد المكي إبراهيم في واشنطن. ولما كان يجب علي محاوري شاعر في هذه القامة أن يقولا خيرا أو يصمتا، ظلت مساحة انتظارنا وصبر قرائنا في جريدة العودة للحزب الاتحادي الديمقراطي بد نفر،مساحة طويلة وصبر أطول تمدد عبر جبال الروكي في دنفر ليستكين في توق شديد لردوده وإجاباته علي الجرف الباسفيكي في كاليفورنيا. وبين همومه ومشاغله وتوهجه وشجونه العارمة وحلمه بوطن ينهض من بين الركام، حاورناه عن زمن طازج ناضر داخل الوطن وعن سنين عجاف عصفت وتعصف به.حاورناه عن ظاهرة الوعي والحلم والغضب في امتنا …. عن التجديد والإقلال في أدبنا وتناولنا أمتي و بعض الرحيق ويختبئ البستان في الوردة ” و ” خباء العامرية ” أو ” عامرية بلا خباء وما بعد هذه الأعمال.تكلمنا عن الشعر والرواية ومدرسة الغابة والصحراء وروادها الفعليين وتناولنا موضوعات الموارد والحكم والسلطة في وطننا . شمل حديثنا الوطن العربي يراه شاعرنا مرتجفا وغيورا من إبداعات أمتنا مناديابنقل إبداعنا لساحات أخري مكافئة له. سألناه عن أصواتنا الشعرية القادمة وتجولنا معه في دروب المديح من الروضة النبوية الشريفة في المدينة المنورة إلي مراقد علي والحسين قبل ان ندلف معه إلي ضريح الشيخ إسماعيل الولي بالأبيض ونحضر معه ليلياته ومدائحه الموحية تناولنا العباسي وعبد الله الطيب وعلي المك وعبد الهادي الصديق وصلاح أحمد إبراهيم ومشهدنا الشعري الحالي خفنا من ألا ترقي أسئلتنا إلي توقعاته و ذوق قرائه وعمقهم وخرجنا وفي ” مخلاتنا ” أسئلة لم تأت بعد موقنين بقدوم شعر أجمل يحتشد في وجدان هذا الشاعر العالي في بحثه عن وطن تحكمه عصفورة وفجر جديد يرونه بعيدا ويراه قريبا.
لو قدر لشاعرنا الكبير كتابة ” أصيح للخرطوم في أذنها” الآن بعد هذه السنوات من كتابتها الأولي بم كنت ستصيح؟
لو قدر لي ذلك فربما صحت بشيء من هذا القبيل :
(من أنت أيها الوجه الأليف الغريب.؟ أحقا هي أنت التي بكيت بأبوابها وتركتها تأخذ من شبابي؟ من فعل بك هذا أيها التي تدلهت بغرامها في الزمان ؟إذا كنت هي فأين خبأت الحدائق والليالي المقمرة وأسراب الظباء .. كيف تخليت عن ربك وعكفت علي عبادة الوثن الذي نصبه لك الكهان .. انه ليس اله آبائك الذي نشأت علي التقرب إليه بل انه ليس إلها علي الإطلاق ولا حتي عجلا له خوار .. انه اله المال والأعمال .. راعي المرابين والمضاربين وأكلة السحت .. أفيقي أيها المدينة المتجهمة وإذا كنت خائفة من الكهنة وجلاوزتهم فاعلمي أن زمن الخوف قد ولي ومن حولك تتجمع العواصف وتتأهب الهوريكين للانقضاض .. أفيقي فلم تبق في هذا القرن دكتاتوريات سوي هذه اللعينة واخوات لها قليلات.
ألا تزال تري هناء في رقاد الحسين بعد هذه السنوات من الثورة الإيرانية؟
أتيح لي أن أعرف المسلمين الشيعة عن قرب وان أتعرف علي نواحي الجمال في عقيدتهم .. في أيامي بالعراق كنت أصلي الجمعة في مسجد سيدي عبد القادر الجيلاني مرة ومرة في مسجد أبي حنيفة النعمان وأتوجه بعدها إلي كربلاء لأقضي بقية الأمسية بين أضرحة الحسين والعباس رضي الله عنهم وعن أبيهم وأمهم وأرضاهم .. وليس في العالم الإسلامي ما يضارع تلك الأضرحة في الفن والجمال .. ففيها أبواب مموهة بالذهب الخالص والفضة اللجينية .. يقف الشيعي متكئا عليها ويسلم علي أبي عبد الله الحسين بن علي ويحمد الله الذي جعله من شيعته ومحبي عترته الطاهرة.ثم يدلف أو ندلف معه إلي داخل المسجد فإذا جمال ما فوقه جمال .. من زخارف علي الحرير تحف الضريح وثريات تتوهج فوقه ودرابزون هو صنعة فنان مقتدر يسمح للزوار بالتمسح به تبركا وقربي ويحول بينهم وبين ما بالداخل من صفوف الحرير المشغول المطرز بآيات الله .. ولا تعدم أن تري حول الضريح الجليل من يبكي أو تبكي بحرقة وألم كأنما كان مقتل سبط الرسول بالأمس وليس قبل اكثر من آلف عام.
تري كل ذلك فتعجب للمسلمين السنة كيف لم يروا الفجيعة الدامية في المعاملة القاسية التي لقيها آل الرسول علي مدي التاريخ فان هذه العترة الطاهرة تعرضت للقتل والصلب والملاحقة الدامية علي طول التاريخ الإسلامي ومداه .. وتكاد العقيدة الشيعية أن تكون تنويها مستمرا مدي الدهر بمأساة الدوحة النبوية الكريمة وما لقيت من الحيف والجور من اتباع والدهم الكريم.وهذا بالأساس ما جعل الشيعة قريبين إلي قلبي بذلك الشكل.ونحن في السودان نشترك مع الشيعة في خاصية واحدة علي الأقل هي محبة آهل البيت وظني آن ذلك تأثير فاطمي ظللنا نحتفظ به. فقد دأبنا علي رفع صور الإمام علي والحسن والحسين في دورنا ودأبنا علي الاحتفال بعاشوراء وما يصحبها من التوسعة في الطعام.
كل من يتعرف علي تراث الشيعة بعقل مفتوح سيحبهم كثيرا ويعرف انه ليس عبثا الانتقام للحسين بعد ألف وخمسمائة عام من مقتله ظامئا جريحا في صحراء كر بلاء فهو انتقام للرسول الكريم وحقه علي كل مسلم يردد دبر كل صلاة:”اللهم بارك علي محمد وآل محمد كما باركت علي إبراهيم وآل إبراهيم.
والآن بعد 25 عاما من الثورة في إيران هل اصبح هنيئا رقاد الحسين؟
أجازف بالقول كلا وكلا ثم كلا.
روي لي دبلوماسي صديق كان بين ممثلينا بإيران في الأيام الأولي للثورة انه تقرر إعدام اثني عشر شخصا وبعد تنفيذ الحكم وجدوا ثلاث عشرة جثة.. وقام رجل بضرب زوجته فأبلغت الشرطة التي جاءت وأخذته وفي الصباح ذهبت لتسامح القضية فوجدت زوجها قد مات.
إن لرجال الدين مكرا يصبح مكر الإنقاذيين حياله لعب أطفال.ولاشك أن الحسين رضي الله عنه وأرضاه لن يقبل هذا الفتك بالبسطاء من شيعته ومحبيه وهو كما يقول التعبير الأمريكي يتقلب في جدثه قلقا ومحض انزعاج.
أين الوعي والحلم والغضب من “أمتي الآن منذ أن حكمها النميري وغزاها الجراد وصارت سهام الموت فيها تتخطي المرابين والسماسرة لتصيب الشعراء وحملة القرآن كما قلت؟
أولا دعني اشكر لكما هذه المتابعة الدقيقة الموثقة لأقوالي العاجزة علي اختلاف مناسباتها فهكذا يكون الحوار المتثبت المستقصي وأنتما من أنتما في العلم والتحصيل. فقد أشعر تماني أنني اجلس بين أفراد عائلتي أجيب علي أسئلة أشخاص يعرفون باطن كفي وظاهرها.
وفي المقام الثاني أقول إن قدرة الوعي والحلم التي تلمسناها في جيلنا وأبناء زماننا تتجسد في أبناء هذا الزمان .. أبناؤنا واخوتنا الأصغر ، وفيهم جميعا آري هذا الوعي الجديد والقدرة علي الحلم بوطن يطفر منتشرا في المراقي وثقتي عظيمة أن أبناء العصور الجديدة المنتصرة سيوقفون زحف الصحراء ويروضون حرد الجنوب وشكسه ويخلقون وطنا يهز ويرز .. وقد قلت مرارا إن العظم الجديد أقوي من العظم القديم وإنكم تمتلكون المستقبل فلا تبالغوا في القسوة علي الماضي.
حركة التجديد في الشعر السوداني .. أين تسير؟ هل تري أن البنيوية حركة تجديدية ؟ إضافة لها أم خصما عليها؟
كل إضافة لمقتنياتنا الثقافية هي خير وبركة وأنا لا أستطيع أن أنكر علي شباب الثقافة أن يأتونا بهذا المنهج الجديد ففي زماننا أيضا تحمسنا للوجودية واعتبرناها اكتشافا بحجم اكتشاف أميركا ، والآن باخت في نظرنا ونظر العالم وعرفنا أنها لم تكن سوي وجه واحد ومحدود جدا من وجوه الحقيقة وطريق للوصول اليها .. ولكن هنالك أمرا مشتركا بين تجربتنا وتجربة هؤلاء الرواد الثقافيين وهي ظاهرة الأخذ عن المصادر الثانوية بدلا من المصادر الأصيلة.
أقصد بذلك اننا نترك المعدة الثقافية للعرب تهضم وتجتر ثم نأخذ عنها بدلا من الذهاب بأنفسنا إلي الينابيع الغربية التي استقي منها المثقفون العرب .. وبذلك تكون ثقافتنا سكندهاند .. وفي زمان بعيد شتمنا أفريقي متفرنس فقال عنا:انتم أيها السودانيون انتم مصريون سكندهاند.
أين سار بشاعرنا قطار الإبداع بعد أمتي وبعض الرحيق و يختبئ البستان في الوردة؟
هنالك نشاط شعري جد محدود استطعت تسريبه إلي الأعمال الشعرية”التي صدرت عن مركز عبدالكريم ميرغني برعاية الأستاذ محمود عثمان صالح ومقدمة خطها يراع الدكتور حسن أبشر الطيب .. ويتمثل ذلك في إعادة صياغة لمطولة العامرية التي تغيرت إلي :”لا خباء للعامرية” وذلك تسطيرا للفرق بين الفقر في زمن النميري والادقاع في زمن الإنقاذ. وفي هذه الفترة نشطت في كتابة المقال وقد جمعت مقالاتي المنشورة في الصحافة وصحيفة الخرطوم ونشرتها في سفر يحمل عنوان ظلال وأفيال وذلك إشارة إلي مقالات ساخرة بدأت نشرها في صحيفة ظلال الشجاعة التي ظهرت عام 1992م وجري اغتيالها ووأدها في أقل من عامين.ثم ماذا هنالك؟ رواية بعنوان : مقتل ماريا كاسونجو وتجري أحداثها في بلاد الزاندي قبل أن تتسلل الحرب إليها في أوائل التسعينات. وتعرف أنني لست غريبا علي الرواية فقد كتبت قبلها آخر العنابسة عن الإقامة المتخيلة للأرباب السعدابيالمك نمرفي الجبال الحبشية .. وفي ظني أن الكتابة صعبة جدا في أميركا ففي كل يوم تقرأ إبداعا متفوقا يجعلك تعود إلي عملك متشككا في جدارته ومستواه.
تجربة المجلس الوطني .. لماذا كانت وماذا اعطاها شاعرنا و ماذا منحته؟
حين عرضوا علي عضوية المجلس الوطني كنت سفيرا للسودان في زائير والسفارة في الخارج هي حلم كل دبلوماسي ودول الجوار هي من أهم المحطات التي يمكنك أن تمارس فيها الدبلوماسية ومع ذلك فقد قبلت طواعية فنحن الشعراء لنا شطحات لا أسميها شجاعة فالشجاعة من عمل الناس الأسوياء المتدبرين أما الشطح فهو من عمل التفكير الايماجي غير المحسوب.
كنت اعتقد أن الجميع سيقدرون ما فعلت ويعترفون به كتضحية في سبيل الوطن فقد تنازلت عن منصب السفير لأعود إلي السودان نائبا برلمانيا فهل تعرفون الفرق بين المنصبين؟
كسفير كان مرتبي بضعة آلاف من هذه الدولارات التي صار الناس يهيمون بها هياما مفضوحا ، وكان لي منزل بصالونين وحوض سباحة وكانت دولة السودان المحسن الكريم تتحمل نفقات تعليم أولادي.وحين قررت التضحية بكل ذلك لأعود إلي السودان هبط مرتبي إلي عشرين دولارا في الشهر وكان علي تسديد مصاريف المدارس ومساعدة الكثيرين من زملائي النواب الذين كانوا يعيشون شظف العيش. فمثلا كان هنالك نائب من الجنوب يسكن عند أخيه وكان أخوه هذا يسكن في عمارة تحت التشييد يعمل فيها فاعلا(طلبة) ولكن العمارة اكتملت وتم تسريح الطلب (بالضمة علي الطاء) فأصبح النائب البرلماني بلا مأوي ..
كانت عائلتي اكثر من رائعة وهي تتقبل معي تلك التضحيات وتؤازرني وأنا اقف وحيدا أهاجم الدكتاتورية ما استطعت.فقد فاجأت النظام في يوم زينته بخطابي الافتتاحي بتاريخ 25 فبراير 1992م أي بعد افتتاح المجلس بيوم واحد فطالبت برفع الطوارئ وإزالة الدبابات من جسور العاصمة واطلاق سراح المعتقلين.وبعد ذلك الخطاب تعرفت علي الطبيعة الحقيقية للنظام ووعوده الجوفاء عن الحرية والحصانة البرلمانية.ورأيت محجوب عروة يعتقله الأمن أمام أبواب البرلمان بإذن شفاهي من رئيس المجلس ومع ذلك فقد وجدت بعض الفرص للحديث ويعود الفضل في ذلك إلي السيد الدو اجو الذي اختصني بمحبة وافرة وفرص للكلام كلما تولي رئاسة المجلس في غياب السيد محمد الأمين خليفة الذي رغم غضب السلطات العليا كان من الحين والآخر يعطيني الفرصة للكلام ولكن بعد أن تسيح ركبي من الوقوف والجلوس في انتظار فرصة الكلام.(في البرلمان ينهض النائب طلبا للكلمة ولا يكتفي برفع يده كما هو الحال في غير ذلك من المحافل)
كنت أتتوقع أن يلتف حولي الناس ويشجعوني ولكن الناس كانت خائفة ومرعوبة ولم يؤازرني إلا الطالعين في المقدر من السياسيين المحترفين وعلي رأسهم القطب الاتحادي الكبير ميرغني حاج سليمان والنسيب الحسيب المرحوم مبارك عثمان رحمة أقوي وزير للدفاع في عصر ما بعد الاستقلال.واعتقد أن المثقفين السودانيين ارتكبوا بذلك خطأ كبيرا فقد كان بإمكانهم أن يلتفوا من حولي ويشجعوني علي تقديم المزيد من المطالب ورفع صوت الشعب ولكن تلك الأيام كانت مخيفة جدا وقصص التعذيب تملأ المجالس ولذلك اختار المثقفون البعد عني ولم يدعمني أحد سوي دائرة الأصدقاء المقربين وفي طليعتهم الشاعران كمال الجزولي والياس فتح الرحمن اللذان لم يبتعدا عني ولم ابتعد عنهما طوال سنوات المحنة وظللنا علي صداقة ومحبة لم تتأثر بعصر الخوف والاعتقال..
بعد زوال هذا النظام ينبغي أن نتحدث في هذا الشأن وينبغي أن نتفق علي الترحيب بالمثقف الفرد حين يقرر التصدي للنظم الدكتاتورية(لا أعادها الله) ونلتف من حوله نؤازره. ولا ينبغي لنا أن نتأثر بتجربة الشيوعيين مع نظام عبود حين قرروا دخول المجلس المركزي وخوض انتخاباته فهم حزب وأنا فرد ودخولي المجلس لا يسبغ عليه الشرعية كما قال بعض المتحذلقة فأنا فرد لا املك الشرعية حتي لنفسي فكيف اسبغها علي الآخرين؟ وبنفس الوقت ينبغي أن يتفرغ صحفيون مدققون أو طلاب دراسات عليا لجمع ودراسة كل خطاباتي في المجلس وإذا وجدوا فيها عبارة واحدة من عبارات الزلفي أو التملق لحكومة الانقاذ فتكون قولة ابو فاطنة يا الطيب كتيرة عليا (وذلك من قول الشاعر الشعبي:شمخ الحوري لي بعثة عريب ود رية، كان ما أسكت الباكيات واخلف الكيةقولة أبو فاطنة يا الطيب كتيرة عليا).
أزمتنا .. هل هي الهوية, الموارد, الحكم, السلطة.. أم أزمة البحث عنها بلا داع؟
أزمتنا موارد وحكم .. الموارد شحيحة والمتوفر منها يبعثره حكم مافيوزي فاسد حتي النخاع .. أيام الدراسة بباريس قال أستاذنا إن السودان من اقل الدول استهلاكا للحوم فغضبنا غضبة مضرية لأننا معودين أن نري الخرفان تذبح في الخرطوم والأبيض بلا مناسبة ولكننا ننسي إن أهلنا في الأرياف لا يذبحون إلا إذا أصبحت البهيمة مهددة بالهلاك وانهم يشترون ربع الكيلو والبطون والأحشاء .. ومع ذلك فإن كل من يرفع قلما يؤكد لنا أن السودان غني وانه محسود والخ والواقع أننا فقراء وزادتنا الإنقاذ فقرا وسوء حظ وجلبت علينا سمعة رديئة حتي غدونا نحتقر ثقافتنا وسلوكياتنا ونتباري في جلد الذات وكل من يجد فرصة يعلن خروجه علي الحضارة المتميزة التي اشتركنا في إبداعها .. الكل يشتم ما يسمونه بثقافة الجلابة ولكنه يستمر في أكل الكسرة والعصيدة التي اقتبسوها لنا من ثقافات السودان المتداخلة ويطرب لهذه الموسيقي التي مازجناها وقبلناها للجميع وأسوأ من ذلك يستخدم هذه اللغة التي نشرها الجلابة ليذمهم وينتقص من قدرهم .. وأنا لا أدافع عن الظلم الثقافي ولكنني أري أرضا مشتركة اشتركنا جميعا في إبداعها ولا ينبغي أن نخاصمها ونحن نختلف مع بعضنا البعض.أقول هنالك جذوة ثقافية تجمعنا .. ليست كاملة ولا منصفة ولكنها نواة الخلق الأول والإمكانية الوحيدة لتوحدنا واقترابنا من بعضنا البعض ويجب أن نبقيها متقدة وعالية.
يستطيع من يحلل مفردات الحضارة السودانية أن يتعرف علي أصولها الإقليمية .. جاءت تقاليد القهوة وطقوسها من الشرق وكذلك الكسرة بمختلف ألوانها ، وجاء معظم طعامنا من دار فور..ويأتي الطرب والموسيقي من كل الفجاج .. المردوم من البقارة والكمبلا من جبال النوبة والطمبور من وادي النيل .. جاء الثوب النسائي من البوابة الغربية والصديري هو اللبسة المشتركة بين البجا والبقارة واهل الشمال وهو بنظري هو الزي القومي الحقيقي وليس هذه العمامة المفخخة المليئة بالادعاء … عموما كيف نرفض حضارة شاركنا جميعا في صنعها؟
صوتنا الشعري ضعيف بين جداول الشعر في وطننا العربي هل هذا إتهام مردود؟
وسيبقي دائما كذلك.وينبغي لنا أن نتخلي عن حلم الانتشار بين العرب فانه من المستحيلات والسبب في ذلك مزيج من العنصرية والغيرة الثقافية العادية.وقد سبب الطيب صالح فزعا كبيرا للمثقفين العرب ولولا تواضعه وأدبه في التعامل معهم لكانوا أغلقوا أمامنا كل نوافذهم الثقافية خوفا من احتمالات تفوقنا عليهم وهو تفوق لا يقبلونه باعتباره تفوق الدخيل علي الأصيل .وهذه قضية لا سبيل لشرحها للاخوة العرب ولا أمل في فهمهم لها.
لذلك أري أن نكتفي بمجالنا الثقافي المحلي وان نسعي للتمدد في الساحات العالمية مثل أوروبا وأمريكا وأفريقيا ، ولكي يحدث ذلك لابد من معرفة وثيقة باللغات الأوروبية لنكتب بها أو لنترجم إليها الآثار الثقافية لمبدعينا.وفي الماضي القريب كنا علي تلك الشاكلة فقد كان مكي عباس والنجومي يكتبان بالإنجليزية وكان معاوية نور يرعب الأوساط المصرية بقدراته في اللغة الإنجليزية.وعلينا الآن أن نستعيد ما ضاع منا في زحمة الدكتاتوريات وعند ذلك سيجلس العرب بأدب وهدوء يستمعون إلينا.
قلت أن أحزابنا هي كنوزنا … كيف تري فاعلية حركة اليسار في عالمنا العربي و بلادنا خصوصا بعد الحرب الباردة .. أين موقع شاعرنا منها و رؤيته لدورها الراهن؟
من اصعب الأشياء بناء حزب جماهيري فأنت بحاجة إلي ربع قرن أو نصف قرن لاكمال تلك العمارة السياسية،أما إذا أكرمك الله وأورثك حزبا من ذلك النوع فقد أعطاك كنزا..
أنني شديد العطف علي كل التيارات السياسية في السودان وفي الماضي كنت اشمل فيها الجبهة الإسلامية أيضا والآن وقد أثبتت لنا أنها لا تنتمي إلي الإسلام بأي صلة فقد أصبحت من أعدائها بلا مواربة.وأود حقيقة أن أكون ذا نفع لكل واحد من تلك التيارات وذلك أنني اخترت أن أكون كل تلك التيارات بوقت واحد ولا معني لذلك سوي الوقوف خارجها ومراقبتها بحب وعطف.
استمعت إلي الميرغني والمهدي وسيد احمد الحسين وعلي محمود حسنين والتجاني الطيب وبابكر فيصل في واشنطن واعتقد أن جهادهم جميعا هو الذي يفتح أمامنا أبواب العودة الكريمة إلي وطن الأجداد.
كيف يري الشاعر طول امد سرجه الذي اسرجه له الأفق علي وسادة الريح التي تخيرها الشاعر منذ أن رآي تساقط آخر الأوراق من دوحة الوطن؟
الشاعر متورم حنينا إلي مفردات الوطن التي اضطر للرحيل عنها ..إلي مدينة الأبيض وواحة البشيري والدلنج والمجلد ونيالا وكتم ومغاني الربع طيبا في المغاني بمنزلة الربيع من الزمان.فبين هذه القري والبلدات سيظفر المرء بالنهاية التي تليق بشاعر.ولكننا الآن هنا في بلاد العم سام التي أكرمت وفادتنا واستضافتنا وهيأت لنا سبل الرزق حين سعي بنو جلدتنا في قطع أرزاقنا واهلاكنا بالفقر والبطالة .. هذه هجرة لا ينبغي أن نتركها تضيع علينا وعلي وطننا.
هذه الاميركا قطعة كعك عالمية كل قادر يأخذ منها بنصيب وهي سبب استقواء اليهود علي العرب واليونانيين علي الأتراك والأرمن علي الأذربيجانيين. وما دمنا قد وصلناها فلا ينبغي أن نتركها.ووصيتي لكم أن تتخذوها وطنا ثانيا و تحققوا فيها وجودا فاعلا .وحين تبزغ شمس الديموقراطية من جديد سنطلب من الخارجية إنشاء أقسام في سفاراتها هنا وفي أوروبا لرعاية مصالح المهاجرين وابناء المهاجرين وتمكينهم من التعليم الرفيع والنجاح والثراء وإتاحة الفرص لهم ولابنائهم ليخدموا السودان بشروط مجزية للجميع.واعرف عن بعض البلاد أنها تفرد لخريجي أمريكا كادرا خاصا يبدأ من الدرجات الوسيطة التي نسميها تندرا كبار صغار الموظفين، فخريج أمريكا يجب أن يبدأ من منتصف السلم الوظيفي وليس من بدايته.
بكلمة أخري نريد جالية دائمة في أمريكا وسوف نساعدها علي التعلق بالوطن كما أنها ستساعدنا في تحقيق مطالب الوطن لدي هذه الدولة العظمي بلا منافس.
هل تري من عودة للأوكتوبريات في مسارات أمتنا التي نراها تغص بالهتاف المكتوم؟ هل هو مكتوم حقا؟
لقد توسعت رؤيتي لأكتوبر ولم اعد اعتبره ظاهرة سودانية.فانه علي أسوأ الفروض ظاهرة عالم ثالثية كما يقولون فالقوي التي أطاحت بالدكتاتوريات أواخر القرن العشرين كلها قوي اكتو برية بمفهومنا المحلي سواء كانت تلك القوي في أفريقيا أو أسيا أو بلاد الاشتراكية السابقة.
هنالك أكتوبر قادمة لكل شعب لا ينعم بالديموقراطية أو يرزح تحت الدكتاتورية وهي أكتوبر تؤيدها قوي العالم الحر المتعولم الذي نعيش الآن في قريته العالمية. والي أن يتحقق حلم الديموقراطية العالمية فان أكتوبر أو ما يماثل أكتوبر سيظل يقلق منام كل الدكتاتوريين.
أصوات شعرية في الوطن تراها قادمة..
الجيل الذي نعرفه حقا هو جيل وسيط ظللنا نقرأه متفرقا ثم قرأناه في الدواوين وهو جيل الياس فتح الرحمن وعبد الرحيم عبد الحليم والكتيابي وعالم عباس .. انهم بمقاييسنا شعراء ممتازون .. أما الجيل الشاب الذي يأتي في أعقابهم فلا ندعي معرفة كبري بهم وهم وديعة في أيدي هذا الجيل .. عليه معرفتهم ورعايتهم والتواصل معهم.
هل تغني الآن ؟.. ما الجديد؟
كلا ..بل أفكر وأحاول ان اكتب شيئا مفكرا سواء كان شعرا او رواية او بحثا هل كانت القصيدة النبوية مدينتك الهدي والنور دخولا في مرحلة جديدة من مراحل حياتكم أم تعبيرا عن مسار متأصل فيكم منذ النشأة؟
في صيف عام 1983م في شقة متواضعة بمدينة لندن دخلت علي أختي التي كانت تعالج من السرطان وقالت لي : بدلا من هذا الشعر في الحب والسياسة هلا مدحت رسول الله الكريم وتوسلت به الي الخالق ليشفيني ويخرجني من هذا الداء. قلت لها سأفعل وشرعت في كتابة تلك القصيدة مصمما أن استخلص من اللغة العربية كل ما عندها من عناصر العذوبة لأمدح الرسول الكريم علي نحو ما ظل أجدادي من الشعراء يفعلون طوال القرون. وقد سهرت في كتابة القصيدة طيلة ليلي ثم غفوت قليلا فأيقظني طرق علي الباب كانت خلفه إحدي صديقات الفقيدة وما كدت افتح الباب حتي صاحت بي : رمضان كريم .. ثبتت الرؤيا واليوم أول أيام الشهر الكريم .. فتبركت بذلك وتفاءلت بان القصيدة حازت الرضي والقبول.وبالعودة الي سؤالك اقول انني نشأت في الاطار الصوفي في حي القبة قريبا جدا من القبة نفسها فمن منزلنا يمكنك ان تسمع اقامة الصلاة وتتبين المدحة التي يرددها الناس في “الليلية” كل اثنين وخميس .. وقد كتب أشياخنا (اسماعيل الولي والسيد المكي) شعرا عربيا فصيحا مضيا فيه علي نهج أكابر الصوفية.والشيخ اسماعيل الولي هو الوحيد الذي كتب شعرا في الشطح وهي حالة من الجذب الالهي تحدث للولي الواصل فيبوح ببعض الأسرار ومن بين دواوينه ديوان الشطحات وهو شعر قوي فيه جرأة واقتدار وفيه أيضا رقة آسرة مثل قوله:
يا أهل ودي سلوني
عما به الروح تبلي
فهو الهوي كيف يبلي
به المحب ويصلي
وهنالك نكتة بلاغية في كلمتي يبلي فالاولي بمعني البلي وهو القدم والثانية بمعني الابتلاء وياؤها مضمومة.
أين تري موقعي التيجاني و جماع في خارطة الشعر العربي و السوداني الآن؟
انهم شعراء كبار بتراث صغيرديوان وحيد، وأمثالهم يضيع في زحام التاريخ مثل شعراء الوحائد الذين كان البروفيسور عبد الله الطيب (الجنة مثواه) يتعصب لهم ويقدم أحدهم وهو يزيد بن الطثرية علي كافة الشعراء .. ومن طبيعة الشعر أن يتكامل عبر تراث متكامل للشاعر يمتد عبر عدة دواوين.
نحن الشعراء السودانيين سنحفظ مكانا عاليا لهذين الشاعرين العظيمين وسنستوثق دائما من تدريس أشعارهما في مدارس السودان واعادة طبع ديوانيهما وإضاءته وشرحه إسراجا لشمع الحب علي جدثيهما مدي الزمان.
كنوز عالمنا الراحل د. عبد الله الطيب .. كيف يري شاعرنا سبل تمليكها للأجيال و ربطها بحركة الفكر في الوطن العربي؟ كتبت في رثاء الفقيد كلمة عنوانها : شاعر وعالم لغوي ظلمه العرب وأنصفه السعوديون..وقد أكرموه نصف إكرام فقد كان له شريك قاسمه الجائزة ونحن لا نري له من ضريع..والسيدة جريزلدا الطيب اشتكت من أن ذلك القسيم لم يسأل عنه ولم يزره وهو طريح المستشفي بلندن.
عبد الله الطيب ملك لوطنه السودان ومحبيه السودانيين. وقد قلت عنه انه صانع الكلاسيكية السودانية في القرن العشرينأمرؤ القيس السوداني.ويجب تدريسه في المدارس والجامعات بوصفه إمام الكلاسيكية السودانية مثلما ان التجاني إمام الرومانسية في بلادنا.
متي عدنا للوطن سأشرع في وضع كتاب مدرسي يضع تصنيفا أدبيا لكبار كتابنا كلاسيك ورومانسية وواقعية وحداثة وتجريب وسواء درسه الناس في المدارس أو اطلعوا عليه اطلاعا حرا فانه سيفيد.
شعراؤنا كانوا أسبق من الساسة في وضع الملح علي جرح البحث عن الهوية ليس إتهاما مردودا .. كيف يرد شاعرنا؟
كنت شخصيا بين المشتغلين بذلك الشأن وكان ذلك نتيجة تجربة حياتية في ألمانيا حيث لاحظت للمرة الأولي حيرة السوداني واستعصاؤه علي التصنيف. فهنالك تطرق الشك إلي قلبي وأنا الذي طرح السؤال علي النور عثمان (يكبرني ببضعة أعوام وكنت اعتبره بمثابة أستاذ) ومن مناقشاتنا ومراسلاتنا تولدت فكرة الغابة والصحراء التي اطلعت عليها عددا من شباب الأدباء بينهم محمد عبد الحي (يصغرني بأربعة أعوام) فتحمس لها وكتب فيها مطولته الموسومة بالعودة إلي سنار. وقد عاد وأنكر الغابة والصحراء كمدرسة ولكن قصيدته بقيت وأبقته علي رأس شعراء الغابة والصحراء حتي أن الكثيرين اعتقدوا خطأ انه صاحب الفكرة ومؤسسها .. والواقع أنني كنت أحلم بتأسيس مدرسة شعرية تقوم بنحت بلاغة جديدة من جسم اللغة العربية للتعبير عن الجماليات المحلية للبيئة السودانية،وقلت في مقالة ما إن اللغة العربية لغة بيضاء وعلي أحسن الفروض لغة سمراء يجب تطويعها للتعبير عن إنسان السودان.ولم يتحقق لنا ذلك فقد انشغلت فيما بعد بشؤون أخري وخاب أملي في القبول السريع للفكرة ثم النكوص السريع عنها.
لم تتخلق الفكرة من العدم فهنالك تاريخ طويل من الإرهاصات والدعوات سبقتها بعقود ومهدت لبروزها.وهنالك أدب تقمصها بصورة عفوية دون سابق تنظير مثل أدب محمد المهدي المجذوب.وهنالك أدباء اعترضوا عليهاصلاح احمد إبراهيم ومصطفي سندولكن إنتاجهم جاء علي نهجها بحكم انهم في حقيقة الأمر خلاسيون سودانيون.
كان الأستاذ سند سامحه الله يزعم أنني استوحيت الخلاسية من بودلير وغرامه بصديقته المارتنيكية وليس ذلك صحيحا فقد تحدثت عن الغابة والصحراء عام 1963م قبل أن اذهب لدراسة الفرنسية في باريس بستة أعوام وقبل أن أتعرف علي بودليرر هناك.أما الدكتور عبد الله علي إبراهيم فيقول أن كل ذلك كان حيلة من شبان صغار يريدون أن يستمتعوا بشبابهم في مناخ أفريقي متحلل يسمح بكل ذلك.وهي حيلة من السخف بمكان فكيف نقنع أمة كاملة بان فيها عرقا أفريقيا لكي تسمح لنا تلك الأمة بالاستمتاع بشبابنا.وقد ولي الشباب ولا زال في الأمة أمثاله من منكري الدم الأفريقي فيهم نزولا عند عمي الألوان الذي تحدث عنه الدكتور فرنسيس دينج.فهل كنا سننتظر نصف قرن لنستمتع بشيخوختنا في سودان متأفرق ام ماذا؟
يعرف الصديق اللدود انه هو الذي عاش الحرمان وهو يناضل في صفوف الماركسيين وينزل تحت الأرض متواريا عن أنظار الشرطة والعسس ولم نكن نحن علي شاكلته وقد أتيحت لنا متع كبار ليس اقلها متعة الدفاع عن جيلنا وحقه في اختراق الطقسيات والتابو والحواجز الاثنية البليدة. في أي البلاد رفعتم علم الوطن علي سارية السفارة و كيف كان الشعر يخرج من جيوبكم الي الفضاء في تلك البلاد؟
براغ، نيويورك، ستكهولم، جدة، إسلام أباد،براغ مرة أخري فكنشاسا .. ولا شعر مع الدبلوماسية فقد كنت أمنحها كل وقتي.ولكن في فترات العمل بالخرطوم كنت أمارس العودة البطيئة إلي الشعر.
عند أي المداخل تري أحزانك علي هؤلاء: عبد الله الطيب و علي المك وعبد الهادي الصديق ومحمد عبد الحي وصلاح أحمد إبراهيم ؟
البروف كما قلت لك هو إمام الكلاسيكية السودانية ويأتي معه السراج ولكن هذا لم يعرف له ديوان أو أي أثر مكتوب عدا أبيات قليلة أوردها عبد الله حمد (من تجار الأبيض المتأدبين وشقيق السياسي الاتحادي خضر حمد).
علي المك ملاك جميل عبر ونحن بين اليقظة والمنام فلم نستيقنه ولم ننكره..علي المك من اجمل ما ذرأ الله في الأرض السودانية.
هادي الصديق وعبد الحي رحيل قبل الأوان .. حياتين مكثفتين تم فيهما انجاز الكثير وبأفضل من حياة عادية تتمدد في الزمن بلا فائدة.
صلاح انفجر شاعرية وعطاء في مطالع شبابه ومثلي مر بفترة طويلة من العزوف عن الشعر والهرب من عذابه.كان سودانيا حقيقيا : رجل شهم كريم طلق اليد شجاع.
كل من سألتني عنهم ارتحلوا عن عالمنا والموت نقاد الجياد.
في كتابك التأسيسي الفكر السوداني أصوله و تطوره أفردت مساحة خاصة لمحمد سعيد العباسي بوصفه الممثل الأكبر لورثة الهزيمة هناك من النقاد من وضع العباسي في مصاف المجددين الكبار مثل البارودي, هل تتفق مع هذا الرأي؟
لقد قلت ذلك بالضبط وفي ذلك الموضع الذي تتحدث عنه.
هل هناك صراع هويات في السودان كما ظهر أخيرا في النقاش المحتدم بين عدد من المثقفين أم هو صراع سياسي ويحتمي بالثقافي؟
بسبب الإنقاذ تبلورت كل أزمات السودان وغطت كامل المشهد فأينما التفت تجد غضبا وحقدا أو بندقية مصوبة، وسوف يتزايد الروح الاحتجاجي بعد توقيع وثائق السلام والشروع في العمل بها،وفي النهاية سيودي ذلك بالطغمة الحاكمة ولن نعرف السلام الاجتماعي والسلام الثقافي إلا إذا عادت الديموقراطية واستوعبت المهمشين كجزء دائم من المعادلة السياسية بديلا لما كانت تمثله الجبهة في الماضي من وزن ترجيحي … يعني أريد أن أقول ان أطراف المعادلة ستكون أمةاتحادي قوي الجنوب والمهمشين. وباتفاق أي اثنين من هذه الأطراف الثلاثة تؤول السلطة إليهما.
أخيرا شكرا لكما عن هذا الحوار المتعمق الذي ذكرني بصديقي صلاح شعيب في مضاهاته ما قلت بالأمس بما أقوله اليوم .. لكما شكري ولقرائكم تحياتي وأمنياتي .
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة