اخبار السودان

السياسة الأمريكية نحو السودان : إلى أين تقود؟

عثمان نواي

بقلم عثمان نواى

عانت السياسة الامريكية بشكل كبير فى إيجاد وصفة مناسبة للتعامل مع الوضع السودانى الراهن ما بعد الحرب، خاصة بعد استثماراتها الكبيرة سياسيا ودبلوماسيا ومن ناحية تمويلية فى دعم الانتقال الديمقراطي والقوى التى تبنت هذا الاتجاه داخل السودان حتى بين أطراف الحرب الحاليين. ورغم ان دعم الولايات المتحدة المالى للانتقال الديمقراطي بشكل مؤسسى للحكومة كان ضئيلا لدرجة اعتبر انه احد اسباب فشل الانتقال، الا ان الدعم الذى تحرك لدعم عمليات سياسية لاحقة مثل دعم الوصول لاتفاق سياسي بعد انقلاب أكتوبر ٢٠٢١ كان محاولة لأجل تجنب أخطاء لم يعد من الممكن تصحيحها فى ذلك الوقت وكان قد فات الأوان . لذلك السياسة الأمريكية تجاه السودان مليئة بمشاعر متضاربة لصناعها تتفاوت بين الشعور بالذنب إلى الشعور بالتيه إلى الميل نحو التجاهل للسودان بشكل كامل . وبين تلك التيارات المختلفة حتى مصلحة الولايات المتحدة فى استقرار دولة أفريقية ذات أهمية جيوساسية مثل السودان تبدو انها مضطربة وفى خطر كبير.

ففى حين يقوم أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهورى فى الكونجرس بتمرير قرار يدين الانتهاكات فى دارفور ويصفها بأنها إبادة جماعية، ويطالب الإدارة الأمريكية بتخصيص اموال لدعم الوضع الإنسانى، وبينما تم تعيين مبعوث خاص للسودان نتيجة الضغوط من المجتمع المدنى الأمريكي والضغط على الكونجرس، فإن مسؤولة الشئون الأفريقية مولى فاى تقوم بحضور اجتماعات الاتحاد الافريقي فى أديس ابابا هذه الأيام وتبحث عن مسار جديد لإنقاذ عمليات التفاوض التى فشلت جميعها تحت الرعاية الأمريكية، سواء منبر جدة أو منبر الايقاد. ولأول مرة ترفض الحكومة السودانية التدخل الافريقي باعتباره متحيز لطرف الدعم السريع وقوى قحت. ولذلك يبدو أن مولى فى ونظرتها للوضع فى السودان وإمكانية الحلول لازالت حبيسة الضعف وعدم القدرة على التأثير خاصة على الجانب العسكرى فى السودان.

حيث تفتقد الولايات المتحدة لاوراق الضغط الكافية على الجيش السوداني الذى يتسلح من دول تعتبر عدوة للولايات المتحدة مثل روسيا وايران مؤخرا كذلك الصين. ولذلك فإنه فى غياب اى تنسيق على مستوى دولى، حتى بين الامريكان والاوروبيين فان الوضع السودانى يقع فريسة السياسة الأمريكية الخارجية التى تشهد أسوأ لحظات تاريخها الحديث فى كل أنحاء العالم. ولكن فى السودان فإن الأمر يعتبر من الأسوأ على الإطلاق. حيث لا يوجد خطة طريق او خطة عمل واضحة للإدارة الأمريكية. كما أنها تستمع إلى أفراد كيانات سودانية وامريكية هى نفسها لم تتغير وبشكل ثابت منذ سنوات طويلة ولذلك فإن المعلومات التى تبنى عليها الإدارة قراراتها تبدو انها معلومات يشوبها كثير من انعدام الدقة وتنحصر فى زوايا تخدم مصالح المجموعات المقربة من الإدارة الأمريكية داخل السودان أكثر من حماية مصالح الولايات المتحدة طويلة الأمد او مصالح السودانين بالطبع . هذه الوضعية تحرم صناع القرار هناك من الفهم الدقيق لما يحدث وبناء سياسات وتدخلات ذات أثر فعال. والنتيجة هى التخبط والفشل الذى نراه فى تدخلات أمريكا منذ بداية الحرب فى السودان.

وليس من المرجح ان تتمكن الإدارة الأمريكية من تحقيق تقدم حقيقي على الأرض خاصة فى جمع الطرفين المتحاربين او فى تنسيق اى اتفاق انسانى يحترمه الطرفان. وربما تكون هذه الفرصة أكثر قربا فى إطار تدخلات من دول مثل الصين او وروسيا. حيث أن لها علاقات متداخلة مع طرفي النزاع فيما يتعلق بتشبيكات مصالح التسليح وايضا تصدير الذهب والنفط الذى يقوم به الطرفين إلى هذه الدول. ولكن اى عملية تفاوض بقيادة الصين او روسيا ان حدثت فإنه ليس من المرجح ان يكون للقوى المدنية فيها اى دور، وهذا ما يخشاه الكثير من القوى السياسية. ومن ناحية أخرى فإن اقتراب الأطراف العسكرية من اى توافق تحت مظلات غير أمريكية سوف يضع السودان فى موقع حرج فى العلاقة مع المعسكر الغربى بشكل عام. كذلك فإن التقارب الاخير بين دول الخليج والولايات المتحدة نتيجة للوضع فى البحر الأحمر والعمليات العسكرية ضد الحوثيين وايران قد جعلت اى مسار بعيد عن الولايات المتحدة للتفاوض لن تقبل به دول الخليج المرتبطة بالوضع السودانى الان مثل الإمارات والسعودية.

 ولذلك فإن الأمل محدود فى إصلاح مرتقب فى توجهات الولايات المتحدة او فى فهم تعقيدات الوضع الراهن فى السودان الذى تجاوز مرحلة الانتقال الديمقراطي بمساحات شاسعة، حيث القضايا الرئيسية الان تتعلق بالحفاظ على ما تبقى من الدولة والنظر إلى إمكانية وقف إطلاق النار لاغراض انسانية وفتح مسارات امنة للمواطنين والإغاثة واما العملية السياسية او الحكم المدنى فهذه قضايا تحتاج إلى مسارات تفاوضية معقدة لأنها تشمل الان فاعلين أكثر وتشمل أيضا قضايا أكبر. التحول المدنى الديمقراطي لم يعد مجرد انتقال من حكم دكتاتوري إلى ديمقراطي، انه عملية سلام وإعادة بناء ثقة وعملية عدالة انتقالية واسعة تشكل الان جميع أنحاء السودان وليست محصورة على مناطق النزاع التاريخية فقط. ولذلك فإن عدم نظر السياسة الأمريكية للوضع السودانى بما يحمله من تحديات وعدم اعترافها باخطائها السابقة ايان الفترة الانتقالية وبعدها وعدم انفتاحها على خيارات تناسب الوضع الراهن واستعمال روشتات منتهية الصلاحية لمعالجة الوضع السودانى سوف يزيد من عمق الازمة ويطيل امدها ويكتب فشلا جديدا لامريكا المعسكر الغربى مثلما حدث فى ملفات اليمن وسوريا و أفغانستان ودول الساحل والصحراء مؤخرا.
[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *