السودان في ظل ضعف موقفه العسكري، يرى في التعاون مع إريتريا وسيلة لتعزيز قدراته على حماية السواحل، لكن هذا التعاون قد يكون مكلفًا سياسيًا على المدى الطويل وفق خبراء.

تقرير: التغيير

“عاش الرئيس أسياس” عبارة رددها رئيس الوزراء السوداني د. كامل إدريس ثلاث مرات خلال زيارته مؤخراً للعاصمة الإريترية أسمرا، وهو تصرف قوبل بالكثير من الاستهجان والانتقادات اللاذعة وصلت لدرجة التهكم على شخصية المسؤول السوداني الرفيع، لكنها أشارت من جانب آخر إلى تعويل كبير على العلاقات بين البلدين والتي توصف بالعمق خاصة في شقها الشعبي، سيما في ظل الحرب الجارية وضعف السند الإقليمي والدولي لكل منهما.

على الصعيد الرسمي تبدو العلاقات بين بورتسودان وأسمرا في أفضل حالاتها على كل الأصعدة الدبلوماسية والاقتصادية التجارية والأمنية، خاصة بعد اندلاع الحرب وتنامي التهديدات في المنطقة، إذ كشفت معلومات صحفية عن وجود معسكرات تدريب لمليشيات تابعة للجيش السوداني الذي يخوض حرباً ضد قوات الدعم السريع على الأراضي الإريترية.

تنسيق ومشاريع مشتركة

عقب لقائه رئيس الوزراء السوداني، أكد الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، أن موقف بلاده من القضايا الحيوية المتعلقة بالسودان ثابت ومبدئي، ويرتكز على دعمه القاطع لوحدة السودان وكرامته.

فيما وصف إدريس زيارته للعاصمة الإرترية أسمرا بأنها “تاريخية” ومثمرة على كافة الأصعدة، وأشار إلى أن الجانبين اتفقا على أهمية استمرار التنسيق في جميع المحافل الإقليمية والدولية، وكذلك على عودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي.

وكشف إدريس عن اتفاق الجانبين على إطلاق مشاريع مشتركة، تشمل إنشاء مصايد أسماك رئيسية في البحر الأحمر ومصافٍ للذهب والنفط، بالإضافة إلى مشاريع استثمارية في قطاع التعدين بجانب تفعيل اللجان الثنائية، بما فيها اللجنة السياسية، وإنشاء لجنة اقتصادية جديدة تُعنى بمتابعة وتنفيذ جميع المشاريع المشتركة.

كما اتفقا على تعزيز التنسيق الأمني والتعاون الاستخباراتي بين البلدين.

تعاون أمني

الصحفي الإريتري عثمان الهاشمي، أكد أن موقف إريتريا من الحرب في السودان كان واضحاً بالوقوف مع الشعب السوداني ضد التمرد المدعوم خارجياً، فخرجت القيادة الإريترية لتؤكد دعمها الكامل لوحدة السودان واستقراره، معلنةً أن أمن السودان من أمن إريتريا، وأن مصير البلدين واحد لا يتجزأ.

وكانت إريتريا أرسلت منتصف يونيو 2024م سفناً بحرية حربية إلى السواحل السودانية في إطار التعاون المشترك بين البلدين.

وأضاف الهاشمي: هذا الموقف لم يكن غريبًا على إريتريا، فقد ربطتها بالسودان علاقات تمتد إلى ما قبل الاستقلال، عندما كان السودان ملاذًا للمناضلين الإريتريين، وداعمًا قويًا لقضيتهم في مراحل الكفاح التحرري ضد الاستعمار الإثيوبي حسب تعبيره.

ووصف الهاشمي زيارة رئيس الوزراء كامل إدريس بأنها  تؤسس لمرحلة جديدة ونقطة تحول في مسار العلاقات الثنائية، ورسالة واضحة للعالم بأن السودان وإريتريا ماضيان في بناء شراكة حقيقية قائمة على التعاون، لا على التنافس أو المصالح الضيقة.

شريك مهم

وقال الهاشمي إريتريا، بما تملكه من موقع استراتيجي على البحر الأحمر، يمكن أن تكون شريكًا اقتصاديًا وتجاريًا مهمًا للسودان، لا سيما في مجالات الموانئ والتجارة الحدودية والطاقة والزراعة.

واضاف بأن التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين يُعد ضرورة لحماية حدودهما المشتركة من التهديدات العابرة.

تدريب مليشيات الجيش

وكان تقرير نشرته (التغيير)، كشف عن وجود عدد من معسكرات تدريب لمليشيات تتبع للجيش السوداني داخل الأراضي الإريترية منها معسكر في منطقة “ربدا” بالقرب من معسكر “ساوا” وهو خاص بقوات الجبهة الشعبية المتحدة بقيادة الأمين داؤود، إلى جانب معسكر مجاور به قوات يشرف عليها “سليمان علي بيتاي”.

بالإضافة إلى معسكر ثالث خاص بقوات تحرير شرق السودان يقودها إبراهيم دنيا ومعسكر رابع في “لكوييب” القريبة من “همشكوريب” السودانية خاص بتدريب القوات التي يشرف عليها الشيخ سليمان علي بيتاي.

مواجهة التهديدات

من جانبه، أكد أستاذ العلاقات الدولية د. محمد أحمد عثمان لـ(التغيير)، أن وتيرة التعاون والتقارب السوداني الإريتري زادت مؤخراً عقب تهديد إثيوبيا بالاستيلاء على ميناء عصب الإريتري وما دار من حرب كلامية بين الطرفين.

وأشار إلى أن إريتريا تعيش شبه عزله إقليمية ودولية ولذلك تعول على السودان باعتباره متنفس لها في حالة حدوث نزاع مع جارتها إثيوبيا.

وفي المقابل، يعول السودان على استمرار الدور الإريتري الداعم لاستقرار شرق السودان بعد أن رفض الرئيس أسياسي أفورقي كل العروض التي قدمتها إحدى الدول الخليجية للتعاون معهم، ولفت إلى أن أسمرا رفضت العرض لخوفها من دخول الإثيوبيين لموانئها بواسطة تلك الدولة بحسب عثمان.

قضية المعارضين

وقال محمد أحمد عثمان، إن أسمرا والخرطوم أيضاً لديهما تخوفات من استضافة المعارضة لكليهما، وهنالك تجارب متعددة ساهمت في تدهور العلاقات خاصة وأن البلدين يضمان لاجئين لذلك يسعيان لطي تلك الصفحة، ولفت إلى ذلك يعتمد على المصالح والمتغيرات على الأرض.

ووفقاً لموقع أفريكا انتلجنس استضافت إريتريا في بداية مايو 4 طائرات تابعة للجيش وطائرة البرهان الرئاسية في مطار أسمرا، لحمايتها من هجمات مُسيّرات للدعـم السريع على بورتسودان.

ووصف عثمان الجارة مصر بأنها تمثل الضلع الثالث للتحالف كنوع من الضغط على إثيوبيا في ملف المياه وسد النهضة.

وأشار إلى أن إريتريا تسعى لتعزيز نفوذها على هذا الممر الحيوي، واستغلال الأوضاع السودانية لتوسيع نفوذها البحري.

ولفت إلى أن السودان في ظل ضعف موقفه العسكري، يرى في التعاون مع إريتريا وسيلة لتعزيز قدراته على حماية السواحل، لكن هذا التعاون قد يكون مكلفًا سياسيًا على المدى الطويل.

ورأى عثمان أن هذا التحالف لا يقتصر على أبعاد عسكرية بحتة، بل يتجاوز ذلك إلى استهداف مباشر للمعارضة الإريترية في الأراضي السودانية بتعزيز قبضته الأمنية على المعارضين الإريتريين الفارين إلى السودان، وقد يسعى أسياس أفورقي إلى إقناع السودان بتسليم معارضين إريتريين مقيمين في مخيمات شرق السودان، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب أو حماية الأمن القومي.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.