السودان.. ما هي المآلات المتوقعة بعد اكتمال سحب “يونيتامس”؟
اكملت بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال السياسي، يوم الخميس، انسحابها من السودان بعد 44 شهرا من تكليفها بمهمتها التي واجهت مصاعب كبيرة، مما فتح باب الجدل مجددا حول أسباب ومآلات إنهاء مهام البعثة في وقت تعيش فيه البلاد حربا كارثية أدت إلى مقتل نحو 14 الف شخص وتشريد أكثر من 10 ملايين.
وفي حين رأى مسؤولون ومراقبون تحدثوا لموقع “سكاي نيوز عرببة” إن إنهاء مهمة البعثة كان أمرا طبيعيا إذ لم تعد لوجودها فائدة بعد اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل، قال آخرون إن من الحرب زادت من ضرورة وجود جهة أممية تعمل على حماية المدنيين ورصد الانتهاكات التي يتعرضون لها.
أسباب معارضة البعثة
منذ تكليفها في يونيو 2020 بدعم الانتقال السياسي والمدني في السودان، واجهت البعثة معارضة كبيرة من عناصر نظام المؤتمر الوطني “الإخوان” الذي حكم السودان منذ 1989 قبل الإطاحة به في أبريل 2019.
وتزايدت تلك المعارضة أكثر بعد الدور الذي لعبته في التوصل لاتفاق في الخامس من ديسمبر 2022 بين المدنيين والجيش عرف باسم “الاتفاق الإطاري” والذي تضمن بنودا تنهي الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 والذي اطاح بحكومة عبدالله حمدوك المدنية.
ووصف إنوسنت باليمبا زاهندا مسؤول مكتب حماية المدنيين في “يونيتامس”، المطالب بإنهاء مهمة البعثة بأنها محاولة لوقف توثيق الانتهاكات التي ستكون أدلة لمحاكمة أطراف القتال.
ويتفق الهادي إدريس عضو مجلس السيادة الذي أقاله البرهان في أعقاب اندلاع الحرب مع رؤية زاهندا، ويقول لموقع سكاي نيوز عربية: “عناصر النظام السابق يخشون المراقبة الدولية لأنهم ارتكبوا جرائم كبرى لاسيما فى دارفور، علاوة على ذلك ظلوا يخططون بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر لحرب شاملة؛ بالتالي يعتقدون بأن و جود البعثة ربما توثق الانتهاكات و الجرائم التي يمكن ان تشكل دليل لإدانتهم دوليا”.
ووفقا لوزير الخارجية الأسبق السفير إبراهيم طه أيوب، فإن الاعتراض على وجود البعثة يأتي من المخاوف المتعلقة بطبيعة مهمتها والتي تتعارض مع رغبات عناصر النظام السابق والداعمين لاستمرار الحكم العسكري.
ويوضح أيوب في حديث لموقع سكاي نيوز عربية: “طلب رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بتشكيل البعثة تضمن تقديم المساعدة في شتى المجالات القانونية والسياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية والثقافية وغيرها وعلى رأسها بالطبع قضية التحول الديمقراطي في البلاد، وكان ذلك أمرا مرفوضا من العسكريين وعناصر النظام السابق، وهو ما يفسر محاولات وضع الكوابح أمام استقدام البعثة من الأساس والعمل بعد ذلك على إفشالها”.
المآلات المتوقعة
يرجح المختصون أن تكون عملية إنهاء مهمة البعثة تمهيد لوضع آلية أممية جديدة لديها قدرة التدخل لوقف الحرب الحالية.
وكان قرار إنهاء بعثة “يونيتامس” الصادر من مجلس الأمن الدولي في ديسمبر 2023، قد حمل إشارات قوية على احتمالية انتقال مجلس الأمن لآلية أكثر فاعلية تختلف في طبيعتها عن طبيعة مهمة “يونيتامس” التي كانت تركز أكثر على الجوانب السياسية، إذ نص على التزام مجلس الأمن الدولي بسيادة ووحدة واستقلال وسلامة أراضي السودان، وعبر عن القلق من استمرار العنف وتدهور الأوضاع الإنسانية وخصوصا القانون الإنساني الدولي وانتهاكات حقوق الإنسان وتأثيراتها العميقة على المدنيين.
وحول الجهة التي يمكن أن تعمل على ملء الفراغ الناجم عن غياب البعثة الأممية، يقول السفير طه أيوب إن الإجابة تعتمد فى الأساس على ما ستسفر عنه حالة الحرب المستعرة حاليا والتى من الصعب التكهن بنهاياتها المحتملة.
ويوضح “إذا جاءت نتائج الحرب وفق رغبات القوى المتحاربة فسيتطلب الأمر تدخلا من نوع آخر. أما اذا انتهت الحرب كما يتمنى السودانيون فسوف نرى “يونيتامس” أخرى بثوب وقيادة جديدة تأخذ في اعتبارها إعطاء البلاد الفرصة في التنمية والترقي”.
وفي ذات السياق، يقول بكري الجاك استاذ السياسات في الجامعة الأميركية إن وجود البعثة انتفى أصلا بعد اندلاع الحرب، إذ أن طبيعة عملها كانت تتضمن مهام مدنية وسياسية.
ويضيف لموقع سكاي نيوز عرببة: “لا تمتلك البعثة قوات عسكرية، لذلك لا تستطيع فعل الكثير لوقف الحرب الحالية”.
يشير محمد خليفة صديق أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية والباحث بمركز الدراسات الأفريقية وعضو الجمعية العربية للعلوم السياسية بالقاهرة، إلى أن اكتمال انسحاب “يونتامس” لا يعني خروج الأمم المتحدة من البلاد.
ويوضح في حديث لموقع سكاي نيوز عربية: “سيحاول المبعوث الأممي رمطان لعمامرة القيام بما لم تقم به البعثة في السابق، واعتقد أنه جدير بملء الفراغ لمعرفته الواسعة بالملف السوداني”.
لكن بالنسبة للخبير الأممي أحمد التجاني سيد أحمد التجاني، فإن إنهاء مهمة بعثة “يونيتامس” يشير إلى الذهاب إلى البند السابع.
ويقول لموقع سكاي نيوز عربية: “يونيتامس أتت حسب طلب حكومة حمدوك لتطبيق الفصل السادس للأمم المتحدة الذي يهدف الى عمل أخصائيي الأمم المتحدة مع الحكومة الشرعية لتحقيق الحكم الرشيد، و لدفع و إنماء المؤسسات الحكومية، و لتسيير دورة الاقتصاد والإصلاح الاجتماعي و السياسي، لكن المعترضون على هذه المهام والمطالبون بخروج البعثة كانوا لا يدرون أنهم يجرون البلاد نحو تطبيق الفصل السابع الذي لا يتطلب موافقة الحكومة، ويمكن أن يتضمن إنزال قوات، وحظر طيران، ومنع حمل السلاح لإيجاد مناخ لسلامة المواطنين”.
حقائق
يعود تاريخ “يونيتامس” إلى يوليو 2020، عندما أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 2524 الذي قضى بتشكيل البعثة برئاسة الدبلوماسي الألماني فولكر بيرتس. وتضمنت مهامها دعم الانتقال السياسي في السودان وحماية المدنيين.
في خضم انخراط البعثة في العملية السياسية التي هدفت لإنهاء الأزمة السودانية التي نشبت عقب الانقلاب، نظمت مجموعات موالية لتنظيم الإخوان عدة مسيرات تطالب بإنهاء مهمة البعثة متهمة اياها بالتدخل في الشأن السوداني.
في ديسمبر 2023، أعلن مجلس الأمن الدولي إنهاء مهمو بعثة يونيتامس في السودان معربا عن الجزع إزاء استمرار العنف والوضع الإنساني، وانتهاكات القانون الإنساني الدولي والتجاوزات الجسيمة لحقوق الإنسان.
يرى مراقبون أن انسحاب بعثة “يونيتامس” يفتح الباب أمام توسيع مهام الأمم المتحدة في السودان والعودة مجددا للبند السابع الذي ظل السودان موضوعا فيه لأكثر من 15 عاما قبل أن يعود للبند السادس بعد تشكيل البعثة في 2020.
سكاي نيوز
المصدر: صحيفة الراكوبة