اخبار السودان

السودان على أبواب حكومتين: واحدة في الخرطوم وأخرى في بورتسودان

وجدت قوات الدعم السريع نفسها مضطرة إلى تأييد تشكيل حكومة مدنية لإدارة شؤون الأراضي التي تسيطر عليها، وذلك بعد اليأس من الوصول إلى حل سياسي مع قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الذي يضع العراقيل باستمرار أمام مساعي التفاوض، ما يجعل السودان على أبواب حكومتين؛ واحدة في الخرطوم أو دارفور، حيث تسيطر قوات الدعم السريع، وأخرى في بورتسودان مقر البرهان حاليا.

ويحمّل محللون سياسيون سودانيون قائد الجيش مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من فوضى وتدمير وأزمات إنسانية واسعة بسبب غياب أي جدية للتفاوض وعرقلة المبادرات المختلفة التي سعت لجمع السودانيين ودفعهم إلى الحوار، سواء مسار جدة أو جنيف أو اللقاءات الأفريقية المختلفة.

وقالت قوات الدعم السريع إنها ستتعاون مع حكومة جديدة مقرر تشكيلها للإشراف على مناطق تخضع لسيطرتها، كي تستجيب بذلك لمبادرة سابقة من قوى مدنية وقبلية تطالب بتشكل حكومة تضم طيفا واسعا من السودانيين.

 

عادل سيد أحمد: خطوة الحكومة تجد دعما على الأرض لجهة المساحات التي تتواجد فيها قوات الدعم السريع

 

واتفقت مجموعة من السياسيين وزعماء جماعات مسلحة على تشكيل ما وصفوه بـ”حكومة سلام”، حسب قول أعضاء في المجموعة لرويترز هذا الأسبوع. وقالوا إنها ستكون بقيادة مدنية ومستقلة عن قوات الدعم السريع وستشكل لتحل محل الحكومة في بورتسودان، التي اتهموها بإطالة أمد الحرب.

وتخوض قوات الدعم السريع اشتباكات مع الجيش السوداني منذ أبريل من العام الماضي، وتسيطر الآن على مساحات واسعة من وسط السودان وغربه، بما في ذلك معظم أنحاء العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور.

ومن شأن تشكيل أي حكومة جديدة لإدارة تلك المناطق أن يمثل تحديا لحكومة الجيش التي أُجبرت على الخروج من الخرطوم العام الماضي وتباشر الآن عملها من بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.

وقال المحلل السوداني عادل سيد أحمد إن خطوة الحكومة مفهومة وتجد دعما على الأرض في سياق المساحات الكبيرة التي تتواجد فيها قوات الدعم السريع، فهي تسيطر على أربع ولايات في إقليم دارفور، وأماكن أخرى في الولاية الخامسة (شمال دارفور)، فضلا عن جزء كبير من الخرطوم، وولاية الجزيرة وهي ثانية كبرى مدن البلاد.

وأضاف لـ”العرب” أن حظوظ الاعتراف بحكومة الدعم السريع ليست كبيرة، من جانب الشعب السوداني والإقليم ودول عديدة في العالم، فهناك مؤشرات تقول إن هناك قوى كبيرة وجهات متعددة غير مستعدة للتضحية بالجيش في الوقت الراهن، خوفا من زيادة التشظي العسكري والميليشياوي في السودان، لكن وجود حكومة في بورتسودان وأخرى مضادة في دارفور أو الخرطوم يعني أن البلاد ستكون أمام سيناريو شبيه بما يحدث في ليبيا، والذي حال حتى الآن دون عودة الأمن والاستقرار فيها.

وأكد عادل سيد أحمد أن الحرب في السودان مقبلة على تطورات جديدة، خاصة أن هناك اتجاهين يسيران جنبا إلى جنب. الأول: وجود محاولات لإحياء مفاوضات جدة، تقوم بها حكومتا السعودية والولايات المتحدة حاليا. والثاني: تصاعد العمليات العسكرية، حيث يسعى كل طرف إلى توسيع دائرة سيطرته على الأرض، وهو ما سوف يحدد اتجاه رأس المؤشر الخاص بالبوصلة.

وكانت قيادات كبيرة في الجيش السوداني قد أشارت منذ أسابيع إلى تشكيل حكومة الأمر الواقع في بورتسودان وإدخال تعديلات عليها، وهو ما يمنح قوات الدعم السريع فرصة تدشين حكومتها الجديدة بالتزامن مع هذه الخطوة أو بعدها، والتي من المتوقع ألا تحدث بسبب عدم منح قوات الدعم السريع مبررات لتشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها.

 

عادل إبراهيم حمد: تشكيل حكومة موازية قد يضع بعض القوى الإقليمية والدولية في موقف حرج
عادل إبراهيم حمد: تشكيل حكومة موازية قد يضع بعض القوى الإقليمية والدولية في موقف حرج

 

وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن التلويح بتشكيل حكومة من قبل الدعم السريع قد يكون من باب المناورة للضغط على قيادة الجيش معنويا، وحث قوى خارجية على ممارسة ضغوط عليها أيضا، لأن التطورات ستدخل في طريق مسدود، ومعنى وجود حكومتين أن الصراع سيدخل طورا جديدا، ويتم التعامل معه بأدوات جديدة.

وأوضحت المصادر ذاتها أن تلويح قوات الدعم السريع بورقة الحكومة الآن يشير إلى عدم القدرة على السيطرة على كل السلطة في السودان أو تغييرها وتسليمها إلى حكومة مدنية، وهو الهدف الذي تحركت من أجله في البداية عندما أعلنت التصدي للجيش، ومنع الجناح الإسلامي فيه من العودة إلى السلطة مرة أخرى.

وأشار المحلل السياسي السوداني عادل إبراهيم حمد إلى أن قوات الدعم السريع تريد من وراء عزمها تشكيل حكومة تحت إشراف قيادتها العسكرية ممارسة أقصى ضغط سياسي على الجيش، بعد أن حققت تقدما نسبيا في بعض المناطق وتراهن على المزيد من التفوق عبر الأدوات العسكرية، وبعد أن شجعتها بعض الانتصارات على الاستمرار.

وذكر لـ”العرب” أن تشكيل حكومة موازية تشرف عليها قوات الدعم السريع قد يضع بعض القوى الإقليمية والدولية التي تعترف بمجلس السيادة السوداني وقيادة الجيش في موقف حرج، فإما أن تستمر هذه الجهات في اعترافها بحكومة الأمر الواقع وتقدم لها المزيد من الدعم السياسي أو تتراجع عن ذلك تدريجيا، وفي الحالتين سيدخل السودان مرحلة جديدة من التجاذبات التي تبعده عن التسوية المرجوة، لأن الدول التي تساوي في تعاملها بين الجيش وقوات الدعم السريع ربما يفرض عليها الاختيار بينهما، إذا أعلنت الثانية عن تشكيل حكومتها.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *