اخبار السودان

السودان: تحويل انتصارات الجيش إلى مكاسب سلم أهلي

تتسارع التطورات العسكرية الميدانية بين الجيش السوداني الذي يحقق انتصارات نوعية متلاحقة، في مقابل قوات «الدعم السريع» التي تسجل سلسلة متعاقبة من انكسارات أو هزائم أو انسحابات تسفر عن خسارة مناطق واسعة، وتشمل هذه الحال معظم مناطق وسط العاصمة الخرطوم، إلى جانب ولاية الجزيرة في الوسط وشمال كردفان في الجنوب.
ومنذ مطلع شهر كانون الثاني/ يناير الماضي دخل الجيش مدينة ود مدني عاصمة الجزيرة، فأنهى بذلك نحو سنة من سيطرة «الدعم السريع» الأمر الذي اعتبره قائد هذه القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) مجرد «خسارة لجولة وليست خسارة لمعركة». وهذا توصيف مخادع وغير أمين يناقض أنساق الانهيار المتعددة في صفوف ميليشيات حميدتي، وفرار العديد من مقاتليه مع عائلاتهم، ومقتل قادة عسكريين بارزين في صفوفه، وغياب حميدتي نفسه عن المشهد العسكري والإعلامي.
هنالك أسباب كثيرة ومتشابكة خلف هذا التحول العسكري لصالح الجيش، وهو الأول من حيث النوع والاتساع منذ اندلاع القتال مع «الدعم السريع» في نيسان/ أبريل 2023 واستمراره حتى الساعة، لعل أبرزها ما حصل عليه الجيش مؤخراً من أسلحة متطورة في قطاع الطائرات المسيرة خصوصاً. جانب آخر شديد الأهمية هو أن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات حميدتي في مناطق سيطرتها قلبت الرأي العام الشعبي ضدها، ودفعت شرائح واسعة في صفوف الشباب خاصة إلى تنظيم شبكات المقاومة أو الالتحاق بالجيش السوداني.
وهذا العامل الهام تحديداً يتوجب أن يلقي بمسؤولية إضافية على رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في ملاقاة الإرادة الشعبية، والتعامل بإيجابية مع خارطة طريق تقدمت بها مؤخراً مجموعة قوى سياسية ومجتمعية وتقترح مرحلة أولى تأسيسية لاستكمال المهام العسكرية وتوطيد السلام، ومرحلة تالية انتقالية على مدى 4 سنوات تُبقي على مجلس السيادة ريثما تُستكمل ترتيبات الانتخابات. ضمن المقترحات أيضاً تسمية رئيس وزراء مدني يُكلّف بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة خارج القوى السياسية، وإنشاء مجلس تشريعي من 250 عضواً يمثلون الفعاليات السياسية والمجتمعية والنقابات.
وفي هذا الصدد لا يصحّ أن تُنسى حقيقة أنّ قسطاً غير قليل من أسباب هذه الحرب مردّه عواقب الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وأجهز بموجبه على تفاهمات تقاسم السلطة بين الجنرالات (وكان البرهان وحميدتي على رأسهم) والقوى المدنية، كما اقترن بحلّ مجلس الوزراء وفرض حالة الطوارئ واعتقال عدد من الساسة وتعطيل أجهزة الدولة.
بذلك فإن خارطة الطريق خطوة أولى مطلوبة وضرورية على طريق حقن دماء السودانيين، ويمكن لها أن تتيح لجنرالات السودان تحويل انتصارات الجيش الأخيرة إلى مكاسب ملموسة تخدم مساعي استعادة السلم الأهلي، والشروع في إنهاء حرب دامية وعبثية أسفرت عن أكثر من 20 ألف ضحية حسب إحصائيات الأمم المتحدة، وهذا رقم تدحضه أبحاث أكاديمية أمريكية ترفع الأعداد إلى 130 ألف قتيل، فضلاً عن 15 مليون نازح أو لاجئ أو مهجّر.

القدس

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *