صدى الوطن آدم أبكر عيسى
بينما يعاني السودان كما يعاني الدجاج في حرارة الشمس، تتردد أصداء الآمال في تحقيق السلام شيء يشبه الأمل في الحصول على كوب من الماء البارد في يوم صيفي حار. لكن، ومع كل ما يقترب من هذا الحلم، تصطدم تلك الآمال بتعقيدات وتضارب في الرؤى. تصريح نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، بأن “الحرب ستنتهي بمصالحات” يثير تساؤلات لا تُعد ولا تُحصى. هل تعني هذه المصالحات أن يلتقي الناس الذين يحملون البنادق في حلقة سمر، أم أنها تدعو لتعزيز العلاقات الاجتماعية وإعادة بناء النسيج الوطني الذي تمزق بأيدٍ عديدة؟
إذا كنا نتحدث عن السلام الاجتماعي، يظهر سؤال حائر على السطح: لماذا لا تتفضل الحكومة بطرح رؤية واضحة ومشروعة لتحقيق هذا السلام؟ قد يكون من الأفضل بدلاً من نزيف الدماء، الحفاظ على ما تبقى من سيادة الوطن، كما لو كنا نحاول إنقاذ بيت قديم بالجهر في ترميمه. رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يؤكد أن السلام يأتي من استعادة كرامة الإنسان وهزم التمرد. ومع ذلك، هناك تباين واضح في الآراء داخل السلطة، مما يجعل الطريق إلى الاستقرار أشبه بالسير عبر حقل من الألغام.
السودان يحتاج للمصالحات بشكل عاجل، وهي ليست مجرد شعارات تُقال في الاجتماعات، بل تستدعي حكماً سياسياً حكيمًا، يحمل رؤية واضحة تخدم مصالح الشعب وتعيد الطمأنينة للنفوس، كما يستعيد عمرة للبلاد. وكلمات الإعلام هنا لا تقل أهمية، فيجب أن تعلي من شأن السلام الاجتماعي، وأن تتجنب إلقاء اللوم على جماعات بكاملها بسبب خطأ أو تمرد أحد أفرادها، بل تدعو لتقبل بعضنا البعض.
وأكد نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، أن “السلاح: بين السيطرة والدمج” هو ضرورة ملحة لمستقبل السودان. نطمح جميعاً إلى توظيف ذلك السلاح لمصلحة الشعب، وليس لتفتيته. السيطرة على السلاح هي معركة ضرورية، تتطلب تشكيل لجان للترتيبات الأمنية في أقرب فرصة. والهدف هو دمج جميع القوات تحت مظلة الجيش السوداني، مع القيام بإصلاحات شاملة تضمن استيعاب الجميع في مؤسسة واحدة، كما يضم الفلاح كل محصوله في براميل واحدة. السلاح بحاجة لقيادة واضحة، سواء كانت تابعة للجيش أو للشرطة أو حتى لقوات الأمن، وهذه الرؤية العامة تتطلب منا إخلاصاً وتفانياً، مهما كانت أعداد القوات.
ورغم كل هذه الضغوط، يبقى التفكير في المستقبل أمراً لا مفر منه. جهود الحكومة مُنصبة حالياً على دحر التمرد وفك الحصار عن مدن مهمة مثل الفاشر وكادقلي، لكن الحرب لم تنته، كما أن تبسيط الأمور بإطلاق سراح الخرطوم لا يعني انتهاء الصراع. يجب أن نتذكر أن المناطق الأخرى تُعاني أيضاً، وأن معاناتها تؤثر على السودان بأسره. نحتاج لرؤية تتجاوز المعارك الحالية نحو إعادة بناء شامل وتحقيق سلام دائم، وكأنما نحاول زرع شجرة في أرض خصبة.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة