في أول مقابلة إعلامية له منذ سنوات، قال أحمد هارون، رئيس حزب المؤتمر الوطني السابق وأحد أربعة سودانيين مطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية، لرويترز إنه يتوقع أن يظل الجيش في السياسة بعد الحرب، وأن الانتخابات قد توفر طريقًا للعودة إلى السلطة لحزبه والحركة الإسلامية المرتبطة به.

التغيير ـــ وكالات

تسببت أكثر من عامين من الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في موجات من القتل العرقي والمجاعة والنزوح الهائل، وجذبت قوى أجنبية، مما خلق ما وصفته الأمم المتحدة بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم.

بينما تظل قوات الدعم السريع متمركزة في معاقلها الغربية في دارفور وأجزاء من الجنوب، ولا توجد مؤشرات على توقف القتال، حقق الجيش مكاسب كبيرة في الأشهر الأخيرة، وهي مكاسب يقول عناصر إسلاميون إنهم ساعدوا في تحقيقها.

قادة الجيش وموالون للنظام السابق قلّلوا من علاقتهم مع بعضهم البعض، خشية من عدم شعبية الرئيس المعزول عمر البشير وحلفائه من المؤتمر الوطني. لكن المكاسب الأخيرة للجيش سمحت للحركة الإسلامية بالتفكير في العودة إلى الساحة الوطنية، بحسب شهادات من سبعة أعضاء في الحركة الإسلامية وستة مصادر عسكرية وحكومية.

ينحدر المؤتمر الوطني من الحركة الإسلامية السودانية، التي كانت مهيمنة في عهد البشير في التسعينيات عندما استضافت أسامة بن لادن، لكنها تخلت منذ فترة طويلة عن الأيديولوجيا المتشددة لصالح جمع السلطة والثروة.

يمكن أن تؤدي عودة هذه الحركة إلى إجهاض الانتفاضة المؤيدة للديمقراطية في السودان التي بدأت أواخر 2018، بينما تزيد تعقيد علاقات البلاد مع الأطراف الإقليمية المتوجسة من النفوذ الإسلامي بما في ذلك توتير العلاقة مع الإمارات العربية المتحدة.

وفي مؤشر على هذا التوجه، تم تعيين العديد من الإسلاميين وحلفائهم منذ الشهر الماضي في حكومة كامل إدريس، رئيس الوزراء التكنوقراطي الذي عينه الجيش في مايو.

ردًا على طلب من رويترز للتعليق، قال ممثل لقيادة الجيش السوداني:
“قد يرغب بعض القادة الإسلاميين في استخدام الحرب للعودة إلى السلطة، لكننا نقول بشكل قاطع إن الجيش لا يتحالف أو ينسق مع أي حزب سياسي، ولا يسمح لأي حزب بالتدخل”.

 الجيش في السياسة

قال هارون، في حديثه لرويترز ليلاً من مخبأ دون كهرباء في شمال السودان، إن المؤتمر الوطني يتصوّر هيكل حكم هجين يحتفظ فيه الجيش بالسيادة “حتى تتم إزالة جميع التهديدات”، بينما تجلب الانتخابات مدنيين لإدارة الحكومة.

قال هارون، وهو حليف للبشير فرّ من السجن مع بداية الصراع، في المقابلة التي أجريت أواخر أبريل:
“لقد اتخذنا قرارًا استراتيجيًا بعدم العودة إلى السلطة إلا عبر صناديق الاقتراع بعد الحرب”.

وأضاف: “النموذج الغربي غير عملي في السودان. يجب علينا تطوير نموذج لدور الجيش في السياسة نظرًا للانعدام الأمني والطمع الخارجي، لأن هذه لن تكون أول ولا آخر حرب في البلاد”.

اقترح ضابط كبير في الجيش أن فترة انتقالية يديرها الجيش وحده قبل الانتخابات “لن تكون قصيرة”.

هارون، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بجرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور في أوائل 2000 وهي تهم يرفضها ويعتبرها سياسية اقترح إجراء استفتاء لاختيار أي ضابط في الجيش يقود البلاد.

بدأ إحياء الفصائل الإسلامية قبل اندلاع الحرب في أبريل 2023، خلال فترة بدأت فيها عملية الانتقال نحو الحكم المدني بالانحراف عن مسارها.

غَرَسَت تلك الفصائل جذورًا عميقة في أجهزة الدولة السودانية والجيش خلال العقود الثلاثة لحكم البشير. وعندما نفذ القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان انقلابًا بعد عامين من الإطاحة بالبشير، استند إلى دعمهم.

شاركت قوات الدعم السريع في الانقلاب لكنها ظلت متشككة تجاه الإسلاميين، وعندما بدأت هي والجيش في حماية مصالحهم قُبيل الانتقال المخطط، تفجّرت التوترات إلى حرب شاملة.

استولت قوات الدعم السريع بسرعة على معظم العاصمة الخرطوم وحققت مكاسب أخرى، قبل أن يبدأ الجيش في استعادة الأرض، موسعًا سيطرته على شرق ووسط السودان.

 مقاتلون

تشير وثيقة لحزب المؤتمر الوطني، حصلت عليها رويترز من مسؤول إسلامي رفيع، إلى دور كبير لشبكات الإسلاميين منذ بداية الحرب.

في الوثيقة، يذكر عناصر الحزب أنهم ساهموا مباشرة بنحو 2000 إلى 3000 مقاتل في الحرب إلى جانب الجيش خلال السنة الأولى للنزاع.

كما يدّعون أنهم درّبوا مئات الآلاف من المدنيين الذين استجابوا لنداء التعبئة العامة من الجيش، انضم منهم أكثر من 70 ألفًا للعمليات مما عزز بشكل كبير القوات البرية المنهكة للجيش، بحسب ثلاثة مصادر عسكرية.

تُقدّر هذه المصادر عدد المقاتلين المرتبطين مباشرة بالمؤتمر الوطني بنحو 5000، يخدم معظمهم في وحدات “قوات خاصة” نفذت بعض أكبر المكاسب للجيش، خصوصًا في الخرطوم.

يخدم مقاتلون آخرون من الإسلاميين في وحدة نخبوية أعيد تشكيلها تتبع جهاز المخابرات العامة، وفقًا لمقاتلين إسلاميين ومصادر عسكرية.

قالت مصادر الجيش وهارون إن الفصائل الإسلامية لا تسيطر على الجيش. كما قال هارون إنه يشكك في صحة الوثيقة التي اطلعت عليها رويترز وادعاءات وجود آلاف المقاتلين المرتبطين بالمؤتمر الوطني، دون الخوض في التفاصيل.

لكنه أقر أن: “ليس سرًا أننا نؤيد الجيش استجابةً لنداء القائد العام، ومن أجل بقائنا”.

أكد البرهان مرارًا أنه لن يسمح بعودة المؤتمر الوطني المحظور إلى السلطة، لكنه مكّن من عودة موظفين إسلاميين إلى مناصب حكومية رفيعة مثل وزيري الخارجية وشؤون مجلس الوزراء.

من جهته، قال محمد مختار، مستشار قيادة قوات الدعم السريع:
“الإسلاميون هم من أشعلوا هذه الحرب من أجل العودة إلى السلطة، وهم من يديرونها”.

قال ضابطان مطلعان إن البرهان يحاول الموازنة بين رغبته في عدم تسليم النفوذ لسياسيين، وحاجته للدعم العسكري والبيروقراطي والمالي من الشبكة الإسلامية.

 الحلفاء الأجانب

لطالما درّبت الحركة الإسلامية السودانية أعضاءها عسكريًا، بما في ذلك من خلال ما كان يُعرف في عهد البشير بـ”قوات الدفاع الشعبي”.

خلال الحرب، ظهرت وحدات إسلامية شبه مستقلة، أبرزها لواء البراء بن مالك، الذي سُمي على اسم شخصية إسلامية مبكرة.

قال مهندس عمره 37 عامًا يُدعى أويس غانم، وهو أحد قادة اللواء، لرويترز إنه أصيب ثلاث مرات أثناء مشاركته في معارك مهمة لفك الحصار عن قواعد الجيش في العاصمة في وقت سابق هذا العام.

وقال إن اللواء، بتوجيه من الجيش، يحصل على أسلحة خفيفة ومدفعية وطائرات مسيّرة.

قال غانم: “نحن لا نقاتل من أجل عودة الإسلاميين للسلطة، بل لصد عدوان قوات الدعم السريع”، وأضاف: “لكن بعد مشاركة الإسلاميين في الحرب، أتوقع أن يعودوا عبر الانتخابات”.

وقد اتهمت منظمات حقوقية هذا اللواء بارتكاب عمليات قتل خارج القانون في مناطق من الخرطوم استعادها الجيش مؤخرًا، وهي اتهامات نفاها غانم.

قال قادة في الجيش إن هذا اللواء وغيره سيتم دمجهم في الجيش بعد الحرب، لتجنب تكرار ما حدث مع قوات الدعم السريع، التي أنشأتها القوات المسلحة لمكافحة التمرد في دارفور في عهد البشير.

تقول مصادر عسكرية إنه خلال الحرب، استخدم قادة إسلاميون بارزون علاقاتهم الطويلة مع دول مثل إيران، قطر، وتركيا لمساعدة الجيش في تأمين الأسلحة. قال هارون إنه لا يستطيع تأكيد أو نفي ذلك.

وأي تقارب إضافي مع هذه الدول، وتوسع نفوذ الإسلاميين داخل السودان، قد يُعقّد العلاقات مع الولايات المتحدة، ويزيد من عداء الإمارات التي ساعدت الجيش وقوات الدعم السريع على الإطاحة بالبشير، وسعت لتقليص نفوذ الإسلام السياسي عالميًا.

قطع الجيش العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات هذا العام، متهمًا إياها بأنها أكبر داعم لقوات الدعم السريع، وهي تهمة تنفيها الدولة الخليجية.

لم ترد وزارات خارجية إيران وتركيا والإمارات، ولا المكتب الإعلامي الدولي القطري على طلبات للتعليق.

رويترز ــ خالد عبد العزيز

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.