السودان: الفارون من الحرب.. أهوال لن تُمحى من الذاكرة
فرضت حرب السودان على كثيرين واقعاً جديداً لم يكن يخطر لهم على بال، وتفرقوا في مدن البلاد وخارجها وفي ذاكرتهم قصص وأهوال لأيام لن يتمكنوا من محوها.
التغيير مدني: عبد الله برير
لا تزال الأيام التي عاشها الفارون من الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم، عصية على النسيان وشريط الأهوال التي عاشوها يمر بأذهانهم كلما أغمضوا أجفانهم.
وبالإضافة إلى ماضيهم القريب مع مرارة الحرب وذكريات القصف وقعقعة السلاح، وجد بعض النازحين القادمين من الخرطوم حاضراً لا يقل قساوة في ظل ظروف معيشية قاسية جراء الأوضاع المأساوية في دور الإيواء بولاية الجزيرة.
وحكى نازحان لـ«التغيير»، تفاصيل أهوال الأيام الصعبة التي عاشوها وسط الاشتباكات والقصف والسرقات والجوع وانعدام مصادر الدخل.
ظروف مختلفة
النازح «صديق مكي» قدِم من منطقة جبل أولياء جنوبي الخرطوم.. قال لـ«التغيير»، إن الفترة الأولى من الحرب كانت فيها المناوشات قليلة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني ولكنها كانت صعبة أيضاً.
وأضاف بأنه في الآونة الأخيرة سيطرت القوات المسلحة على المنطقة وقلت أعداد الدعم السريع ومع ذلك ظلت الأسلحة الثقيلة موجودة ونسمع أصواتها وأثرت فينا تأثيراً بالغاً ولم نكن نستطيع النوم ليلاً أو نهاراً.
ونبه صديق إلى أن ظروفاً مختلفة دفعتهم للنزوح وقال: «صمدنا هنالك كثيراً لكن ما جعلنا نفكر في النزوح هو عدم وجود مصدر دخل وانعدام الحركة بسبب الاشتباكات الدائرة وعدم توفر الأمن والمضايقات الموجودة في الشارع والاعتقالات التعسفية من الطرفين الذين يتهمان المواطنين بالعداوة ويلفقان التهم».
وأضاف: «خرجنا من بيوتنا بمآسٍ ووجدنا هنا في ود مدني المصاعب أكبر، جئنا مع أسرنا وأطفالنا من ظروف حرب إلى منطقة أخرى بحثاً عن الأمن وفعلاً وجدناها كذلك غير أننا فقدنا الإعاشة وبحثنا عن العمل ولم نجده ولم تتقدم لنا أي جهة أو منظمة خيرية بالمساعدات».
وتابع: «تلقينا عدداً من الوعود التي لم يتم تنفيذها وذهبت أدراج الرياح.. على الجهات الرسمية أن تهتم بنا كما أن نظرة المجتمع لنا سلبية ويعاملوننا كأننا نمتهن التسول وهم لا يعلمون حجم المعاناة التي نعيشها».
وزاد صديق في حديثه: «قدمت بعد شهر ونصف من الحرب.. المنطقة التي كنت أقطن بها لم أشاهد فيها بأم عيني إصابات أو وفيات بسبب الحرب، لكن عند تحركنا إلى ولاية الجزيرة شاهدت حجم الدمار الذي حاق بالبيوت والموسسات والمحلات التجارية».
وختم بالقول: «شعر أطفالي بالأسى والخوف الشديد أيام الحرب.. لم يخضع أبنائي للامتحانات مع نهاية العام الدراسي، مع لحظات القصف والاشتباكات يتملكهم الخوف الشديد ويصرخون ويهرعون للاختباء تحت الأسِرة، بالذات مع أصوات الأسلحة الثقيلة».
شهران قاسيان
اما «آدم جبر الدار» من منطقة الحاج يوسف شرق النيل، فقد جاء إلى ولاية الجزيرة بعد عيد الأضحى بثلاثة أسابيع.
وقال آدم لـ«التغيير»: «استطعت تحمل شهرين قاسيين من الحرب وكنت أتوقع أن تتوقف الحرب بصورة ما أو بأخرى وترجع الحياة لطبيعتها ولكن ذلك لم يحدث».
وأشار إلى أن استمرار المكوث في منطقة الاشتباكات أصبح شبه مستحيل بسبب فقدان العمل ومصدر الدخل، هذا بخلاف الوضع الأمني المعروف.
وأضاف: «لحسن الحظ لم نفقد أحداً من الأقارب أو الجيران بالإصابات أو الموت، لكن الحالة العامة لم تكن مطمئنة، المنطقة التي نسكن بها تخضغ بالسيطرة الكاملة لقوات الدعم السريع.. أصوات الذخيرة لم تنقطع من المنطقة».
وحكى جبر الدار عن الأوضاع في الأسواق قائلاً: «في سوق الوحدة يعبث المتمردون بأمن المواطن وإذا حكم (مزاج) أحدهم يطلق الرصاص عشوائياً في السوق بدون سبب وهو يحتسي كوب شاي وسط المواطنين، وإذا مر رتل عسكري من سياراتهم بمنطقة مزدحمة يعمدون إلى فك الاختناق بإطلاق النار».
وأضاف: «لا يمكن أن تعيش في أجواء وأوضاع مثل هذه لأنه يحتمل أن تصادفك طلقة طائشة وأنت في بيتك والحمد لله لم نفقد روحاً من المقربين».
وشرح آدم حجم المعاناة منذ نهاية شهر رمضان الذي كانوا يسخرون فيه جل طاقاتهم لتوفير الطعام والعيش على حالة تقشف لحفظ النفس وفي النهاية لم يستطيعوا الصمود هنالك أكثر من ذلك.
وتابع: «جئت مع أسرتي وزوجتي والوالد والوالدة وتركنا شخصاً واحداً في المنزل.. أخي الأصغر جاء إلى مدني قبلنا وعمل في الأعمال الحرة ليوفر لنا ثمن التذاكر».
وحول الأوضاع بالحزيرة يقول جبر الدار: «مع مجيئنا إلى مدني توقفت أصوات النيران وشعرنا بالأمن.. أتمنى أن تزول هذه الغمة وتتوقف أسئلة الأطفال عن مصير هذه الحرب العبثية التي لا دخل لهم فيها».
المصدر: صحيفة التغيير