السودان ؛ الأسئلة المُحرَّمة!
محمد حسن مصطفى
هل كان لحرب السودان أن (لا) تقع؟
وقبل الإجابة نؤكد على أن نعم علَّي السؤال أعلاه لا فائدة منه ولا معنى له وقد حدث ما حدث وما زال يحدث والأهم منه هو سؤال : أن كيف يمكن لحرب السودان أن تقف؟ .
*
لكن في أحيان معرفة الأسباب والظروف تساعد في فهم الحقائق وتصور الإحتمالات والنتائج.
لتبقى الحقيقة أن أقدار الله لا محالة واقعة وعلينا الدعاء.
*
عودة إلى السؤال فالجواب : نعم.
إن كان تم لجم طموح قائد الدعم السريع وتنظيم أمر تلك القوات بعد نجاح الثورة مباشرة.
لتأتي مقولة أو الإتهام أن “الكيزان” هم من أشعلوا الحرب في محاولتهم المستمرة المُستميتة للعودة إلى السلطة وهذا احتمال وارد.
لكن إن كان فعلاً هو صحيح فلماذا أشعل الحرب الكيزان بين أتابعهم (العسكر)؟ .
أليس كان من الأسهل عليهم مع زعم أن قيادة الجيش خاضعة لهم كما أن الدعم السريع هو من صنعيتهم وقائده جندي تابع لهم أن يعلنوا إنقلاب العسكر وعلى مدنيِّ الوثيقة الإنتقالية وفقط! بلا حرب ولا يحزنون! .
إذا فكيف نعلل أن الحرب هي بين الجيش والدعم السريع؟! .
*
نعم هل الدعم هو من “تمرَّد” على صانعيه وشركائه في الجيش؟ وهل لتمرُّده ذاك سبب “وطني” كما يزعم قائده بإنحيازه للمدنيَّة! .
فلماذا من الأول شارك قادة الجيش ومن خلفهم ممن يعرفهم هو ووقف معهم في الإنقلاب على حكومة الشراكة وحمدوك (الأوَّلى)؟! .
هل أنَّبه الضمير وعرف الحق فاستيقظ؟ .
أم (حرَّشهُ) أحدهم وكبر الأمر في رأسه أو جهة ما وجهته أو أخضعته؟
أو فقط لأنه عرف الضعف في قيادة الجيش وأيقن من قدرته على هزيمتهم وانتزاع السلطة في السودان له وحده و إن سمح للمدنين مشاركته واقتسامها معه وإن في الشكل؟ .
*
ثم لماذا خرج قادة الجيش وانتفضوا فجأة من حالة الإنهزام المزمن والهوان وخضوعهم لقائد الدعم صديقهم؟ ولماذا في هذا التوقيت تحديداً؟! .
هل ضاق صدرهم أم استيقظت الكرامة والنخوة والغيرة على الشعب والأرض فيهم؟ أم تذكروا قسمهم وأنهم هم الجيش وتلك مجرّد عصابات من قطّاع الطرق كانت تابعة لهم! .
بل إن قلنا أنهم كانوا يعلمون نيّة (صبيهم) في انتزاع السلطة له ولمن خلفه منهم فلماذا لم يستعدُّوا العدَّة بإستخباراتهم وأمنهم فينقضوا عليه في هدوء وترتيب يشهد لهم بالخبرة والحنكة الأمنيَّة العسكرية؟! لماذا خرجوا علينا بأنهم أخذوا على خوانة وحين غرَّة؟! .
أليسوا هم أيضاً من أعلنوا بأن استخباراتهم كانت تراقب استعدادت الدعم السريع ومن سنوات؟! .
*
السيطرة على قوات الدعم السربع وطموحات قائدها كان واجب من صَنعَهم وأشرف عليهم ومنحهم الحصانة وتبَّعهم للجيش. وانتقل أمرها بعد سقوط نظام البشير “سيُّدها” إلى قيادة الجيش وحكومة الثورة ومجلس السيادة و السلطة الإنتقاليّة أو أي تسمية لتلك الشراكة (الفتنة) ما بعد الثورة.
وما كان ليتم ذاك إلا بتحرك وتصرف قادة الجيش وإن بمعزل عن المدنيين في السلطة حماية للشعب أولاً وأخراً من خطر تلك القوَّات هذا بإعترافات أكثر قيادات الجيش السابقة والاحقة.
وهذا ما لم يحدث بل أن قادة الجيش ببرهانهم دافعوا عنها ورفعوا من قدر صاحبها وملكوها مفاتيح البلاد والحكم وشؤون العباد! .
لا أحد منا يعلم حقيقة ما دار في أذهان مدنيي السلطة الإنتقالية في شراكتهم مع العسكر لكن ما نعرفه من تصريحاتهم أنهم حاولوا وأصروا على تقرير مصير تلك القوات ودمجها في الجيش مع غيرها ومثلها من الحركات المسلّحة.
فهل طموح حميدتي وعناده كان السبب الأساس أم هناك من حاول انتهاز هذا الطموح وتطويعه فيه لأغراض أن يُسيطر عن طريقه على السودان إن كان من الأحزاب عندنا أو الأفراد أو دول الجوار أو الأنظمة غيرها! .
ما حدث أن الحرب اشتعلت بين الجيش وقواته من الدعم السريع الأمر الذي كتب عنه الكثيرون أنه كان يتوقعه قادة الجيش وحاولوا تحاشيه بمجاملاتهم وتنازلاتهم المستمرة حد تركيع الجيش أمام دقلو! .
الخاسر في الحرب كان ومازال هو الشعب المُتضرِّر الأول والأخير منها وفيها بإستباحته دماً وعرضاً ومالاً وأرضاً.
*
إذا ضعف قيادات الجيش قبل البرهان في مواجهة خطر قواتهم من الدعم السريع وحسمه فوراً عند شعورهم بهم بسبب سيطرة عمر البشير أو غيره عليهم ثم شخص البرهان شريك وزميل إن لم يكن الأستاذ لقائد تلك المليشيات كان أهم الأسباب التي أوصلتنا لهذا المصير.
اما المدنيين من قوى الحرية والتغيير وحمدوك فلا يمكن تحميلهم مسئولية الحرب “المباشرة” وإن كان يحق محاسبتهم على عدم حنكتهم وقدرتهم على السيطرة على عقلية قادة الجيش والدعم السريع وتوجيهها إلى ما يخدم السودان والشعب ويحفظهم من الشر القابع في نفوس العسكر جميعهم.
نعم كان واجب عليهم أن “يُكافحوا” حتى لا تقع الحرب وهم بشهاداتهم أيضاً كانوا يرون شرارتها وقبل الشعب.
كان عليهم الوقوف بقوة أما العسكر وهم يمثلون الشعب ويبتعدوا عن الاعيب الكيد والحفر والوقيعة والفتنة بين الجانبين. نعم كان عليهم القوة والحكمة.
*
إذا وقعت الحرب ؛ فهل كان يمكن إيقافها في أيامها الأولى؟
ونكتب نعم ؛ إذا كان الجيش جاهز ليحسمها وفي وقتها.
لكن الجيش وليس القيادة كان (مُغيَّب).
القيادة التي أشغلت الجيش في تطبيق استراتيجة في الحرب غريبة في وضاعتها! أن تُدافع عن نفسك ومن مكانك! داخل قواعدك وحامياتك وسكناتك! وتستمر في الدفاع حتى السقوط أو الانسحاب أو انهزامك!
ثم أضافت لها خطة الاستعداد واعلان الجاهزية من داخل قيادة كل ولاية ثم ومع اقتراب الهجوم عليها الانسحاب منها وقبل اطلاق أي رصاصة! .
للتشغل نفسها وبعدها في كيفية استعادتها وبعد ما تمت الإستباحة!!! .
نعم كانت قيادة الجيش تتساهل في أمر واجبها من حماية شعبها قبل نفسها.
*
ثم جاءت تطالب (مليشياتها المتمرِّدة) بالخروج من منازل الناس والناس تشهد عليها أنها هي من سمحت لهم بالدخول إليها ومكنتها منها ومن أهلها!!
ثم ما زلتم قيادة الجيش تريدونها حرباً لمئة سنة؟!! .
*
واستمرت الحرب حتى يوم الناس هذا؛ فهل في الإمكان إيقافها؟ .
لنكتشف حقيقة أن دول الجوار والأقليم والدوليّة منقسمة فيما بينها في أمره السودان ولا يهمها الحقيقة أن شعبه هو ضحيَّة ترددها وذاك الإنقسام!
فالإمارات “أبو ظبي” ومن خلفها إسرائيل التي يشهد العالم على دعمها المباشر للدعم السريع ضد الجيش بل ويُعتقد أنَّها “المتحكم” الأساسي في قيادتها لم تتوقف وحتى اليوم عن ذاك الدعم رغم علمها بكل شيء بل و”حشرها” أنفها في كل لجان من إقليميّة ودوليّة تتعلق بالسودان ولا نفهم إن كانت لحماية التهمة عن نفسها أم دفاعاً عنها! .
ثم شاهدنا موقف “مصر السيسي” الضعيف في شأن السودان رغم الأهميّة الأزلية للسودان بالنسبة لمصر! ورغم أن الحرب قبل اشتعالها تم التعدي على جيش مصر في مروي رغم استضافة جيش السودان بقيادة البرهان لهم لكن مصر لم تتحوَّط ولم في الأمر ذاك تشك! وقتها كان تحرك الدعم السريع معلالاً بمنع تدخل مرتقب للجيش المصري ضدَّ قواته! وسكت الجيش معللاً أن تلك القوات كانت في تدريب مشترك معه؟ .
مصر أيضاً أهملت وضع غزة وقبلها النيل والسد وبعدها قناة سيناء والبحر الأحمر حتى وفجأة انتفضت متوجهة وفي وثبة إلى الصومال في محاولة ما للإنتفاخ أمام طوفان أثيوبيا في علاقتها الأزليّة مع إسرائيل والمُتربصّة ومنذ تكوينها بمصر الدولة والشعب.
*
حتى الحبشة نفسها فنظام “آبى أحمد” يجعل المتابع له في شأن علاقته بالسودان يتعجَّب! فأثيوبيا كانت واقفة مع الثورة السودانيّة ومنذ انطلاقتها ودافعت عنها وحتى يوم انتصرت واختلف المدنيين مع العسكر في شراكتهم جاء أحمد هنا “كفاعل وسيط خير” مُصلحاً الحال حتى توصل الجميع إلى (وثيقتهم الأولى)! .
نفس النظام التي مازالت تطاله الإتهامات في شراكة له وإن اقتصاديّة واستثماريّة مع قيادة الدعم السريع! تلك القوات التي اعتزرت قيادتها عن مشاركة الجيش في استعادة أراضيه المغتصبة من أثيوبيا! .
ثم يختلف البرهان مع الحبشة ليأتي من جديد أحمد يزوره وفي مقره بورتسودان كأول رئيس لدولة يُكرم البرهان بزيارة رسميَّة وبعد الحرب! .
*
وهكذا تشابكت مصالح الدول حول السودان ليتضح أن شعب السودان يواجه الحرب لا ناصر له وحافظ إلا الرحمن ربه.
*
إذا فكيف ستقف الحرب وبعد الكلام أعلاه وغيره كله؟
بإنتصار الجيش أو انهزامه أولاً . مما قد يفتح المجال لأسئلة أخرى عن مصير كل من انتمى لتلك القوات أو ساندها وأيدها من الشعب إذا ما انتصر وقد يصل إلى أمر مستقبل السودان نفسه في حالة انهزامه.
أو بإتمام الصلح بين الطرفين مع إشكاليّة ستواجه الأطراف كلها حتى المحكمين بينهما في كيفيّة محاسبة والقصاص والعقوبة من كل من أجرم بينهما وارتكب كل أنواع الجرائم ضد الشعب . وأولهم القيادات فيهما! .
أو بالتدخل الإقليمي أو الدولي في السودان وما يفتحه من أبواب للمجهول عن مستقبل وحدة السودان!.
اللهم فرَّج هم السودان وشعبه وأصلح أمره.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة