السودانيون يواجهون ثلاثية الكوليرا والسيول والصراع
الكوليرا تفشّت في بعض الولايات السودانية بشكل كبير، حسب ما يقول مصدر طبي من مستشفى كسلا، مع قلقه من انهيار أنظمة الرعاية الصحية والبيئية وعدم قدرتها على التصدي لهذا الوباء في ظل الصراع المسلح وشح التمويل الحكومي والدولي.
يعبر المصدر الطبي عن قلقه من الكوليرا، كونها وباءً لا يمكن التحكم فيه في ظل استمرار السيول والفيضانات والأمطار الغزيرة، وانخفاض التدابير اللازمة للوقاية، سواء من المجتمعات الغارقة في الفقر والنزوح أو الأجهزة الحكومية التي لا تزال تعاني للعودة إلى الحد الأدنى من الخدمات الصحية والبيئية، عقب تدهور أوضاعها خلال الحرب التي تدخل شهرها الـ16.
في بعض المستشفيات الحكومية، سيما في الولايات التي نزح إليها ملايين الأشخاص، لا تتوفر نقالات المرضى أو حتى سرير تنويم. في مثل هذه الأحوال، قد لا تكون مكافحة الكوليرا أولوية، أو أن الأجهزة الحكومية غير مستعدة بعد للبدء في محاربة الوباء. يشير المصدر الطبي في حديث مع “الترا سودان” مشترطًا حجب اسمه لتجنب المساءلة.
عودة مبكرة للكوليرا
أحصت البيانات الرسمية الصادرة من وزارة الصحة 300 إصابة بالكوليرا، حسب نشرة غرفة طوارئ الخريف. السبب الأساسي لعودة الكوليرا مبكرًا هذا العام هو انهيار صحة البيئة، ارتفاع عدد النازحين، وتراجع التمويل الحكومي للأجهزة المعنية بالمكافحة الوقائية، في نظر الخبيرة في مجال البيئة ناهد عثمان.
تعتقد ناهد عثمان أن الكوليرا هي وباء الأوطان التي تعاني من الحروب والصراعات المسلحة، لأن الدولة عادة لا تكترث للوقاية المبكرة. فكان المطلوب مثلًا، وخاصة مع تحذيرات الطقس من فيضانات وسيول وأمطار غزيرة، فتح قنوات التصريف وتجفيف المستنقعات ورش المبيدات.
خبيرة في مجال البيئة: البرامج الحكومية لمكافحة الوبائيات تحتاج إلى التمويل العاجل
وترى أن البرامج الحكومية لمكافحة الوبائيات تحتاج إلى التمويل العاجل، سواء من وكالات الأمم المتحدة أو الحكومة. وقالت إن التوعية وسط المجتمع تراجعت نتيجة انشغال الناس بالمعيشة والسكن أو النزوح أو تدبير شؤون الحياة القاسية في السودان.
وتقول إن وزارة الصحة الاتحادية مطالبة بإنشاء غرفة تدخل سريع، وتخصيص التمويل المالي، والعمل على نظافة الأسواق، وإلزام المطاعم وعمال الأطعمة والمقاهي بالتدابير الصحية اليومية وتفعيل أنظمة المراقبة.
أسباب تفشي الكوليرا
مرض الكوليرا، حسب تعريف منظمة الصحة العالمية، هي عدوى معوية حادة تنتشر عن طريق الطعام والماء الملوثين ببراز يحتوي على بكتيريا ضمات الكوليرا. وترتبط هذه العدوى ارتباطًا وثيقًا بنقص المياه المأمونة والمرافق الصحية الكافية، بسبب التخلف والفقر والنزاعات. ويساهم تغير المناخ أيضًا في هذا الارتفاع، إذ تؤدي الظواهر المناخية المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف والأعاصير إلى ظهور فاشيات جديدة وتفاقم الفاشيات القائمة.
ويقول قصي عبد الله، المتطوع الإنساني، لـ”الترا سودان” إن الوضع الذي سبق الكوليرا أعطى مؤشرات أن الخريف لن يمر مرور الكرام دون أن تطل الوبائيات مجددًا. وقال إن وزارة الصحة الاتحادية كانت قد أنهت برامج متواضعة لمكافحة الكوليرا مطلع هذا العام، ومع الفيضانات وتراكم المياه في الأسواق والأحياء خلال آب/أغسطس الجاري، عادت الفاشيات مرة أخرى لتصيب مئات المواطنين خلال أسبوعين فقط.
متطوع: فاشيات الكوليرا هدأت قليلًا ثم عاودت الهجوم عندما وجدت بيئتها الخصبة
وأضاف: “هذا يعني أن فاشيات الكوليرا هدأت قليلًا ثم عاودت الهجوم عندما وجدت بيئتها الخصبة. لأن النزوح يؤدي إلى حياة تشرد جزئية أو كلية حتى في مراكز اللجوء، غمرت المياه معظم المساكن بما في ذلك المراحيض. وفي بعض الأحيان، لا تجد مسافة فاصلة بين المياه المتدفقة في الشوارع وبين مياه المراحيض”.
وتابع قصي عبد الله: “التحركات الحكومية عادة تكون بعد وقوع الكارثة. وفي حالة الدول التي تخوض الصراعات المسلحة، لا يمكن إلقاء اللوم فقط على الدولة، لأنها عادة تكون منشغلة بالصراع والتسليح. في ذات الوقت، الوبائيات لا تترك لك خيارات أو بعض الوقت”.
وأردف: “حتى لا نتباكى بينما الوبائيات تنتشر بين المواطنين، يجب أن تتحرك منظمات الصحة العالمية وتعمل على التنسيق مع غرف الطوارئ والمتطوعين لمكافحة الفاشيات في المياه المتجمعة في الأسواق والأحياء ونشر التوعية في المجتمع”.
مدن تحت ركام النفايات
بينما ينحسر وباء الكوليرا في القرى النائية، التي عادةً يعيش سكانها بمعزل عن الأسواق المكتظة بالناس أو برك المياه، ترتفع معدلات الوباء في المدن والأسواق الكبيرة نتيجة تدهور صحة البيئة وانتشار الذباب.
في بورتسودان، العاصمة المؤقتة للحكومة المدعومة من الجيش، من الصعب على المواطنين ترك الأطعمة أو المشروبات دون تغطيتها ولو لبضعة ثوانٍ لتجنب الذباب.
شهدت بورتسودان هذا العام أمطارًا بمعدلات عالية، ووسط تراجع عمليات تصريف المياه من الشوارع، فإنها تحولت إلى مواقع حيوية لتوالد البعوض وانتشار الذباب مع النفايات المتراكمة.
مواطن مقيم في بورتسودان: دوريات عمال نظافة الشوارع شحيحة للغاية
أحمد تاج الدين، الذي يقيم في بورتسودان، يحدثنا عن الوضع البيئي في المدينة التي تطل على ساحل البحر الأحمر، ويقول إن دوريات عمال نظافة الشوارع شحيحة للغاية، فهم يشكون من نقص الأجور وارتفاع الأسعار، بالتالي ليس هناك دوافع كبيرة للعمل بجدية.
والأسبوع الماضي، ومع تصاعد شكاوى المواطنين وتذمرهم على شبكات التواصل الاجتماعي من انتشار الذباب، قالت الحكومة المحلية في بورتسودان إنها صممت عربات جديدة لنقل النفايات.
أجهزة حكومية تقليدية
تقول الخبيرة في مجال صحة البيئة ناهد عثمان إن تركيبة الأجهزة الحكومية تقليدية، حتى إذا توفر التمويل فإن الدوافع لدى العاملين ليست كبيرة. كما أن غالبية الأجهزة الحكومية المختصة في مكافحة الوبائيات والأمراض لم تواكب تطور التكنولوجيا، ولا يحصل العمال على التدريب والتأهيل، ولا على الأجور العادلة.
وتشدد على أهمية حصول العمال في مجال صحة البيئة والمحليات العاملة في مكافحة الوبائيات ومكاتب الصحة العامة على التدريب والتأهيل، والتوظيف على أساس الكفاءة والتخصص بفتح الفرص لخريجي كليات صحة البيئة والصحة العامة.
وتابعت عثمان: “عندما توظف الحكومة الشبان والفتيات من خريجي كليات الصحة العامة وتمنحهم أجورًا مجزية، فإنها تستثمر في القطاع الصحي والبيئي وتوفر موارد تصل لعشرات الملايين من الدولارات، تصرفها الدولة مضطرة لمكافحة الوبائيات”.
وتقول ناهد عثمان إن المحليات “البلديات” تضم الكوادر المؤهلة لكنها تتعرض إلى الإهمال وتدني الأجور وانخفاض الرغبة في العمل والإحباط العام، وينبغي تحفيزهم باستمرار.
وقالت إن الحل الإسعافي لمكافحة الكوليرا يتطلب عزل المناطق التي انتشرت فيها، ونظافة المياه، وردم البرك، وتشديد الرقابة الصحية على الأطعمة والمياه.
الترا سودان
المصدر: صحيفة الراكوبة