السودانيون في مصر !
من المزاعم الغريبة التي تروج لها الحكومة المصرية منذ ما قبل اندلاع الحرب في السودان وصارت الان العبارة المفضلة على ألسنة العديد من المصريين ان تعداد السودانيين في مصر يبلغ ٥ مليون سوداني، بينما في حقيقة الامر ان عددهم لا يتجاوز المليون ونصف المليون نفس باى حال من الاحول (٧٠٠ الف كانوا يقيمون قبل الحرب بشكل غير دائم) و٧٠٠ الف (سافروا) الى مصر بعد الحرب (باموالهم)، بينما لا يتجاوز عدد اللاجئين ١٠٠ الف حسب التعريف الرسمي لكلمة لاجئ وتقديرات مفوضية شؤون اللاجئين الا اذا كانت الحكومة المصرية تعتبر النوبة المصريين مواطنين سودانيين وفي هذه الحالة يمكن الادعاء بان تعداد السودانيين يبلغ ٥ مليون مواطن.
وحتى لو افترضنا ان عدد السودانيين في مصر يبلغ ٥ مليون، فان مصر هى المستفيد الاول، ويكفي اعتراف رئيس اتحاد الشركات العقارية في حوار تلفزيوني قبل بضعة اسابيع وهو في غاية السعادة بان جملة الاستثمارات السودانية في المجال العقاري تبلغ (٢٠ مليار دولار ) يعود لها الفضل في انقاذ القطاع العقاري المصري من الكساد والانهيار، قائلا انهم يعدون العدة لاقامة منتدى خاص خلال شهر مارس يبحثون فيه افضل السبل للاستفادة من وجود السودانيين في مصر وما جلبوه معهم من اموال ضخمة.
فضلا عن ذلك ينفق السودانيون مئات الملايين من الدولارات كل شهر في المعيشة وانعاش الاسواق المصرية من المبالغ التي جلبوها معهم او التي يرسلها لهم ابناؤهم العاملون في الخارج.
كما تستفيد مصر من المبالغ التي تدفعها الامم المتحدة لها مقابل استضافتها للسودانيين، والمبالغ التي تتحصلها مصر بالعملة الصعبة من السودانيين كرسوم اقامة وغيرها.
يحدث ذلك بينما لم يكن المصريون الذين كانوا يعيشون في السودان قبل اندلاع الحرب يدفعون اى رسوم، وكانوا يدخلون السودان بدون الحاجة الى تاشيرة دخول، ويفتحون المتاجر بدون الحاجة الى وجود شريك سوداني او استخدام عمالة سودانية عكس القوانين المصرية التي تلزم السودانيين والاجانب الذين يرغبون في ممارسة النشاط التجاري والاستثماري في مصر بضرورة بوجود شريك مصري واستخدام عمالة مصرية وتسديد مبالغ ضخمة كرسوم حكومية مقابل السماح لهم بالعمل في مصر.
فائدة اخرى جنتها مصر من اندلاع الحرب في السودان هى ان السودان اصبح السوق الاول للسلع المصرية، خاصة الغذائية بسبب اغلاق معظم المصانع في السودان، وهى تدخل بلا رقيب ولا حسيب وتجني منها مصر الكثير من العملة الصعبة، بالاضافة الى حصول مصر على الكثير من المنتجات الزراعية السودانية والثروة الحيوانية الضخمة مقابل مبالغ ضئيلة بالعملة المحلية السودانية يدفعونها للتجار السودانيين.
رغم كل ذلك يواجه السودانيون كل يوم تعسفا من السلطات المصرية والتضييق عليهم لدرجة انهم اصبحوا عرضة للتفتيش ومصادرة اموالهم من العملة الصعبة بدون اى مسوغ قانونى او توجيه تهمة الاتجار غير المشروع في العملة الصعبة لهم اذا رفضوا التخلي عنها حتى لو اثبتوا حيازتهم لها بشكل قانوني، والغريب في الامر ان السلطات المصرية تفرض عليهم دفع رسوم الاقامة بالعملة الصعبة التي يضطرون لشرائها من السوق السوداء باكثر من ضعف قيمتها الرسمية لانعدام وجودها في المنافذ الرسمية ثم تحويلها في البنوك والصرافات الى العملة المصرية بالقيمة الرسمية واظهار ايصال التحويل لسلطات وزارة الداخلية لتسديد رسوم الاقامة، اى انها ترغمهم على التعامل مع السوق الاسود وانعاش التجارة غير المشروعة للعملة، ثم تطاردهم في الشوارع وتصادر ما تجده بجوزتهم من العملة الصعبة بتهمة الاتجار غير المشروع فيها حتى لو اثبتوا انهم حصلوا عليها بالطرق القانونية او اتوا بها معهم من خارج مصر!
واقع أليم يعيشه ويعاني منه السودانيون في مصر رغم المكاسب الضخمة التي تجنيها مصر من وجودهم (كبديل للسياح الاجانب الذين عزفوا عن السياحة في مصر منذ عام ٢٠١١، وتوقفوا تماما بعد غزو اسرائيل لغزة في اكتوبر الماضي)، ورغم الاموال الضخمة بالعملة الصعبة التي ينفقونها في مصر، ورغم اتفاقية الحريات الاربعة التي شطبتها مصر بجرة قلم بعد اندلاع الحرب في السودان واصبح على المواطن السوداني الانتظار شهورا طويلة او دفع رشاوي ضخمة بالعملة الصعبة للحصول على تاشيرة الدخول لمصر ثم مكابدة المشاق ودفع رسوم باهظة للحصول على الاقامة وغيرها من الاجراءات التعسفية الاخرى التي تتنافى وتتعارض مع اتفاقية الحريات الاربعة بين الدولتين، بدون ان يجرؤ مسؤول سوداني واحد على الاحتجاج لدى السلطات المصرية عن ما يتعرض له المواطنون السودانيون في مصر !
الايام دول وستجد مصر نفسها يوما في حاجة الى السودان وسترى كيف سيفتح لها السودانيون قلوبهم واذرعتهم وبيوتهم ويتقاسمون معها المسكن واللحاف واللقمة بلا من ولا اذى ولا رسوم ولا تكشيرة دخول.
المصدر: صحيفة الراكوبة