
السلام أولاً… لا إعمار بلا نهاية للحرب
بقلم: صفاء الزين
في خضمّ الضجيج الذي يملأ المشهدين السياسي والإعلامي، تبرز حقيقة لا يمكن تجاوزها: لا إعمار بلا سلام، فكل حديثٍ عن مشاريع ترميم أو جهود إعادة بناء في ظل استمرار الحرب وغياب الحلّ السياسي، لا يعدو أن يكون ذرًّا للرماد في العيون، ومحاولةً لتجميل واقعٍ متصدّع لا يمكن إصلاحه بالطلاء أو البيانات المنمّقة.
السلام ليس ترفًا، ولا شعارًا عاطفيًا، بل شرط وجودي لأي نهضةٍ حقيقية. إذ لا يمكن أن تُقام بنيةٌ تحتية على أرضٍ تهتزّ تحت أصوات المدافع، ولا أن تُبنى ثقةٌ مجتمعية في ظلّ انعدام الأمان واستمرار نزيف الدماء. إن وقف الحرب وقفًا تامًا عبر مفاوضاتٍ جادّة وشجاعة هو المدخل الوحيد لأي عملية إعمار ذات معنى، ولا بد أن تحظى تلك المفاوضات برعايةٍ دوليةٍ مسؤولة من القوى القادرة على ضمان تنفيذ الاتفاقات ومتابعة مسار السلام، لا كوسيطٍ محايد فحسب، بل كشريكٍ يتحمّل نصيبه من مسؤولية إعادة البناء.
أما ما يجري اليوم من محاولاتٍ لتجميل الواقع أو تصوير الأوضاع وكأنها تتجه نحو الاستقرار، بينما الحقيقة تقول إن النار ما زالت مشتعلة تحت الرماد، فهو شكلٌ آخر من أشكال الفساد المعلن، فكل دينارٍ يُنفق على مشاريع شكلية في ظلّ استمرار الحرب هو إهدارٌ للموارد، وتكريسٌ للوهم، ومشاركةٌ في تضليل الناس بشعاراتٍ لا تصمد أمام الحقيقة.
ولكي يكون الحديث عن الإعمار ذا معنى، فلا بد من رؤيةٍ استراتيجية تتجاوز الشعارات إلى خطة وطنية متكاملة لإعادة البناء. هذه الخطة يجب أن تبدأ من إصلاح مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، ووضع آلية للعدالة الانتقالية تضمن عدم إفلات الجناة من العقاب، وتستعيد ثقة المواطنين في القانون. كما يجب أن تقوم على توزيعٍ عادل للموارد، ومشاركة حقيقية للمجتمعات المحلية، خصوصًا في المناطق التي أنهكتها الحرب.
إن الإعمار ليس مجرد إعادة ما تهدّم من البنية التحتية، بل هو إعادة بناء الإنسان والثقة والهوية الوطنية، على أسس من الشفافية والمساءلة والمواطنة المتساوية. ومن دون هذه الرؤية الجامعة، سيظل أي حديث عن التنمية مجرّد واجهة سياسية بلا عمق.
إن مستقبل أي وطنٍ لا يُبنى بالحجارة والإسمنت فقط، بل بالثقة المتبادلة وبقرارٍ شجاع يضع نهايةً للحرب. فالإعمار الحقيقي يبدأ حين تتوقف المدافع ويُفتح باب الحوار، لأن السلام هو الطريق الوحيد نحو البناء الدائم والاستقرار الحقيقي.
المصدر: صحيفة التغيير