السعودية تتخلى عن مساعي إبرام معاهدة دفاعية مع أميركا
تتضمن المناقشات التي تجري حالياً اتفاقاً محدوداً للتعاون العسكري بين واشنطن والرياض وتوسيع التدريبات والمناورات المشتركة لمواجهة التهديدات الإقليمية، وبخاصة من إيران.
يقول دبلوماسيون غربيون إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يزال حريصاً على التطبيع مع السعودية باعتباره إنجازاً تاريخياً وعلامة على زيادة القبول في العالم العربي، لكنها تبدو آمالاً بعيدة المنال وبخاصة أن الدولة الخليجية تخلت عن مساعيها إلى “إبرام معاهدة دفاعية مع أميركا مقابل تطبيع علاقاتها مع تل أبيب”.
ووفقاً لـ”رويترز” قال مسؤولان سعوديان وأربعة مسؤولين غربيين إن الرياض تخلت عن مساعيها إلى إبرام معاهدة دفاعية طموحة مع الولايات المتحدة مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتريد الآن اتفاقاً محدوداً للتعاون العسكري.
ونقلت الوكالة عن مصدرين سعوديين وثلاثة مصادر غربية أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جعل الاعتراف بإسرائيل مشروطاً باتخاذها خطوات ملموسة نحو إقامة دولة فلسطينية، مع تصاعد الغضب الشعبي في السعودية والشرق الأوسط بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل قطاع غزة.
وأضافوا أن نتنياهو يواجه معارضة ساحقة في الداخل لأية تنازلات للفلسطينيين بعد هجمات “حماس” خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ويعلم أن أية بادرة في اتجاه إقامة دولة من شأنها أن تؤدي إلى تفتيت ائتلافه الحاكم.
وأشارت المصادر إلى أن الرياض وواشنطن تأملان في إبرام اتفاق دفاعي أكثر تواضعاً قبل مغادرة الرئيس جو بايدن البيت الأبيض خلال يناير (كانون الثاني) 2025. وقالت إن المعاهدة الأميركية السعودية الكاملة ستحتاج إلى تصديق مجلس الشيوخ الأميركي عليها بغالبية الثلثين، وهو ما لن يكون ممكناً ما لم تعترف الرياض بإسرائيل.
ويتضمن الاتفاق الذي يجري مناقشته حالياً توسيع التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة لمواجهة التهديدات الإقليمية، وبخاصة من إيران. وقالت المصادر إن الاتفاق سيعزز الشراكات بين شركات الدفاع الأميركية والسعودية مع ضمانات لمنع التعاون مع الصين.
وسيعزز الاتفاق الاستثمارات السعودية في التقنيات المتقدمة، خصوصاً أنظمة التصدي للطائرات المسيرة. وستزيد الولايات المتحدة من وجودها في الرياض من خلال التدريبات والدعم اللوجيستي والأمن السيبراني، وقد تنشر كتيبة صواريخ باتريوت لتعزيز الدفاع الصاروخي والردع المتكامل. لكنها لن ترقى إلى معاهدة ملزمة للدفاع المشترك تلزم القوات الأميركية بحماية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم حال تعرضها لهجوم أجنبي.
يأتي ذلك خلال وقت تشهد فيه المنطقة وقفاً لإطلاق النار في الجزء الغربي الملتهب من الشرق الأوسط، الذي يشكل أطرافه إسرائيل وفلسطين ولبنان.
شرط “الدولة الفلسطينية”
وقال مسؤول سعودي بارز إن المعاهدة اكتملت بنسبة 95 في المئة، لكن الرياض اختارت مناقشة اتفاق بديل لأنه لا يمكن تنفيذه بغير تطبيع مع إسرائيل. وقال اثنان من المصادر إنه اعتماداً على الصيغة، يمكن الموافقة على اتفاق تعاون مصغر دون عرضه على الكونغرس قبل مغادرة بايدن منصبه. وهناك عقبات أخرى في المفاوضات الرامية للتوصل إلى معاهدة دفاع مشترك.
وقالت المصادر الستة إنه، على سبيل المثال، لم يتحقق تقدم في محادثات التعاون النووي المدني لأن السعودية رفضت التوقيع على ما يسمى اتفاق 123 مع الولايات المتحدة، لأنها تحرم الرياض من حق التخصيب النووي.
وكان الكاتب الأميركي توماس فريدمان نشر مقالاً خلال مايو (أيار الماضي) بصحيفة “نيويورك تايمز” قال فيه إن “مصادر سعودية وأميركية أخبرته بأن البلدين أنجزا 90 في المئة من معاهدة الدفاع المشترك بينهما”. وأكد أن “الجزء الآخر من الصفقة، والذي ينظر إليه على أنه حاسم لكسب الدعم في الكونغرس، هو أن تقوم السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل”، وهو جزء يصطدم بموقف صلب من السعوديين.
وأضاف فريدمان “لن يحدث ذلك إلا إذا وافقت إسرائيل على شروط الرياض بالخروج من غزة وتجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية، والشروع في مسار تراوح مدته ما بين ثلاثة وخمسة أعوام لإقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة”.
وذكر الكاتب الأميركي أنه “من الواضح للمسؤولين الأميركيين والسعوديين أنه مع انضمام نتنياهو إلى اليمين المتطرف للبقاء في السلطة، فمن غير المرجح أن يوافق على أي نوع من الدولة الفلسطينية التي من شأنها أن تدفع شركاءه إلى إطاحته ما لم يفرض بقاؤه السياسي خلاف ذلك، ونتيجة لذلك تدرس الولايات المتحدة والسعوديون وضع اللمسات الأخيرة على الصفقة وعرضها على الكونغرس بشرط أن تقوم الرياض بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، في اللحظة التي يكون فيها لدى تل أبيب حكومة مستعدة لتلبية شروط السعودية والولايات المتحدة”.
الموقف الثابت
تاريخياً، لم تعترف السعودية أبداً بإسرائيل ولم تنضم إلى “اتفاقات أبراهام” الموقعة عام 2020 برعاية أميركية بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، كما انتقدت مراراً وبأشد العبارات الهجمات الإسرائيلية على المدنيين في بيانات رسمية، وكذلك فعل ولي العهد بنفسه قبل استضافته قمة عربية إسلامية تمحورت حول الحرب في غزة.
وخلال السابع من فبراير (شباط) الماضي، قالت وزارة الخارجية السعودية إن الرياض أبلغت الإدارة الأميركية موقفها الثابت بأنه لن يكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يُعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، ووقف الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.
اندبندنت عربية
المصدر: صحيفة الراكوبة