الزيلعي ومحاصرة الفكر الاستاليني السودانية , اخبار السودان
زين العابدين صالح عبد الرحمن
مرة ثانية كل الشكر للأستاذ صديق الزيلعي ” اليساري الحر” في خوض الممنوع داخل الحزب الشيوعي السوداني، الذي كان يجب أن يكون قد تجاوز محطات عديدة في مسيرته نحو الديمقراطية، و تكون التجربة قد أهلت كادره و دفعته للإنتاج المعرفي و ملء المكتبة السياسية و الثقافية بعشرات من الإصدارات الفكرية و الفلسفية و في كل ضروب الإبداع المرتبطة بحركة التطور العالمي في ضروب المعرفة. أن إقدام الزيلعي أن يفتح بابا للحوار الفكري في نقد ” المركزية الديمقراطية و الديمقراطية المركزية” هي خطوة جريئة و ذات تكلفة معنوية عالية، لأنها تشكل تحديا للقوى الاستالينية المحافظة و التي تريد أن تكون كل المنافذ مغلقة لكي لا تسمح بمرور رياح التغيير. فالخوض في الحوار الفكري و فتح العديد من الملفات التي تحتاج لجهد ذهني تتخوف منها العديد من القيادات التي طال مكوثها في قمة القيادة في كل الأحزاب السياسية و خاصة التقليدية، لأنه سوف يفضح قدراتها. و أيضا قدرات العديد من الكوادر التي لا تعرف في السياسة غير الهتاف و الصياح. أن الزيلعي قد فتح الباب متحديا ردات الفعل ليس من قبل القيادات الاستالينية وحدها و أيضا من قبل الطابور الخامس الذي يدعمها.
في هذا المقال سوف اتعرض بالنقد لبعض الفقرات التي كانت قد وردت في مقال الزيلعي بعنوان (اطروحات أنصار المركزية الديمقراطية وأراء رافضيها 3 4) و في هذا المقال تكمن خلاف الرؤية. يقول المقال (تتركز اطروحات دعاة المركزية الديمقراطية في انها انسب الاشكال لتنظيم الأحزاب الثورية، والسبب الأساسي؛ ان تلك الأحزاب معادية، في معظم الحالات، للأنظمة القائمة مما يعرضها للحظر والمطاردة وكافة اشكال القمع. كما ان أجهزة السلطات تستخدم كل الأساليب المتنوعة والحيل الماكرة لاختراق تلك الأحزاب وتدميرها من الداخل بخرق الصراعات) أن لينين الذي جاء ب ” المركزية الديمقراطية” في فترة تاريخية كان محتاج فيها أن يحافظ على الحزب. السؤال: لماذا لم تتغير هذه المركزية بعد تغير الوضع السياسي الاجتماعي و أصبح الحزب الشيوعي السوفيتي هو القابض على زمام الأمر، و هو الذي تتخوف منه القوى السياسية الأخرى. هذا يؤكد أن الماركسية ليس لها علاقة بالديمقراطية وسيلتها الصراع الطبقي الذي يفضي إلي ديكتاتورية البوليتاريا.
يقول مقال الزيلعي (أهم سمات المركزية الديمقراطية هي وجود مركز واحد قوى تلتزم كل العضوية بتنفيذ قراراته ويكون مسئولا عن كل ما يتعلق بالتنظيم. من ناحية اخري يملك الأعضاء حق انتخاب القيادات ومحاسبتها في الاجتماعات الدورية. كما لهم كامل الحق في مناقشة كافة المسائل الحزبية، كبيرها وصغيرها، عندما تعرض للنقاش وان يتم ذلك بحرية تامة) هذا حديث لا يصدقه الواقع، و قد كشفته الحرب الدائرة الآن بصورة كبيرة، حيث غاب الحزب و لا يسمع له أي رأي يمكن الجدل فيه، بل الذي يزور “القروبات العديدة” تجد الشيوعيين يكتفون فقط برفع المقالات و البوسترات التي يجدونها في بعض القروبات الأخرى، و حتى في النقاش لا يقدمون رؤية خوفا من القيادة. و ينتقد الزيلعي السبب الذي أدى لذلك ” المركزية الديمقراطية” حيث يقول في ذات المقال (هذا الشكل التنظيمي وليد زمن وظروف تخطاها الزمن والوعي العام والخاص وصارت تشكل قيدا ثقيلا مكبلا لكل خطوات تطوير وتجديد الحزب ويصبح للجهاز الحزبي (أعضاء القيادة المركزية والكادر المتفرغ) السلطة المطلقة على كل ممارسات الحزب” هنا يصل لعين الحقيقة. أن القيادات الاستالينية هي السبب. و لماذا استالينية لآن استالين كان أكثر القيادات التي استفادت من ” المركزية الديمقراطية” و استطاع ان يوظفها التوظيف الذي يردع به كل المخالفين له في الرأي، كان عدو الديمقراطية بحق و حقيقة من خلال تصفيته لخصومه.
في محطة أخرى في مقال الزيلعي يقول (كتب التجاني الطيب، أحد أشد المدافعين عن المركزية الديمقراطية حماسا، مؤكدا ان المركزية هي المبدأ الأساسي لوحدة وتماسك المجموعات: “عبر مسار التطور كان المبدأ الأساسي لوحدة الجماعات وتماسكها هو المركزية التي تطورت من شكلها البسيط ممثلا في زعيم العائلة والعشيرة الى اشكالها المعقدة ممثلة في الملكيات والامبراطوريات التي تحكم مجموعات بشرية كبيرة ومتنوعة) أن مقولة الطيب جاءت بعد ما أصبح الرجل واحد من القيادات التاريخية المحافظة، التي لا ترغب في التغيير و تفتح منافذ الحوار. و لكن لنرى ذات التجاني الطيب ماذا قال عن الحرية داخل الحزب و نقده لغياب الديمقراطية في بداية طريقه السياسي (كتب تاج السر عثمان بابو مقالا بعنوان “تجربة الصراع الفكري في الحزب الشيوعي السوداني، الفترة من1951 2007” يقول بابو ( أن التيجاني الطيب قد أشار في مقال صدر في مجلة الشيوعي، العدد 150، الي ضيق العمل القيادي وغياب الديمقراطية في الحزب ككل ، وكانت العلاقة بين اللجنة المركزية والمستويات التنظيمية الأولي تنحصر في اصدار القرارات وتنفيذها ولم يكن في الحسبان مناقشة قرارات ل.م ناهيك عن انتقادها وتم اخفاء دور الحزب المستقل، وضعف صلات الحزب بالطبقة العاملة والجماهير الثورية ، سيادة الجمود في دراسة النظرية الماركسية) هنا يتبين الموقف بين شخصية التجاني في تطورها التاريخي عندما كانت في مرحلة الشباب تطالب بالحرية و الديمقراطية، و عندما تقدم بها العمر و اصبحت محافظة تخاف من الأثنين الحرية و الديمقراطية، الأمر الذي جعلها تتمسك بالمركزية الديمقراطية.
أن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلي عصف ذهني من قبل الزملاء (فكيف يتم القبول بثبات مبدأ واحد، بلا تغير، لأكثر من قرن من الزمان في ظل تحولات عاصفة وسريعة اعادت تشكيل العالم في أكثر من وجهة. والشيء الثاني ان قانون الصراع يشمل الأحزاب والأفكار، ولكن المسالة الهامة والأساسية، بعد الاعتراف بذلك الصراع، كيف يتم ادارته والمناهج المستخدمة في ذلك؟) أن المركزية قد أصابت الحزب بحالة من الجمود لا يستطيع الخروج منها إلا إذا شارك كل الزملاء في الحوار الفكري الذي فتحه الزيلعي، و هو الذي سوف يتحمل ردة فعله. و أن حجة التخوف من النظم الديكتاتورية و تقويضها للحزب، أو تحدث فيه أختراقا هي تخوفات تؤسس لطبيعة المنطقة و ثقافتها و أيضا مصطلحات الصراع الطبقي و الثورية التي لا تتلاءم مع الديمقراطية و ليس المجتمعات الديمقراطية تستخدمها، لآن الديمقراطية لها أليات مخالفة تماما.
أن المركزية الديمقراطية لا تمنع الحوار المفتوح بين عضوية الحزب فقط، بل سوف تخلق الجمود الفكري في العضوية، لأنهم لا يستطيعون أن ينهلوا من مصادر أخرى للفكر، و لا يستطيعون أن يفتحوا به بما قراءه حوارا داخل المؤسسة الحزبية حتى لا يتعرضوا للإتهام بالشللية و التحريفية و خلق التكتل. فالكل ينتظر أن القيادة وحدها تفكر له، لذلك يقول الزيلعي في هذه المحطة في المقال (فالقضية المركزية واضحة وضوح الشمس ولا يمكن لعضو حزب او فرع حزب ان يبادر بفتح حوار فكري لأنه عليه فقط ان يرفع مقترحات للمركز بذلك، ولا يحق له الاتصال بأعضاء اخرين، او فروع اخري، والا يسمي ذلك تكتلا ويقع تحت طائلة سيف اللائحة البتار. وانظر لتجربة المناقشة العامة حول قضايا العصر وما انتهت اليه الا يصح وصفها بالفيل الذي تمخض فولد فأرا!) تجرأ الزيلعي بالقول على القيادات الاستالينية، و ينتظر ردة فعلها، فالخوف لا يصنع حضارة و مجتمع ديمقراطي، فالزملاء مقيدين بالائحة و المركزية الديمقراطية. “يطلعوا من نقرة يقعوا في دحريرة” فالقوى الحزبية التي تتعثر داخل مؤسستها الحرية و تنقص مواعينها الديمقراطية لا يمكن الرهان عليها أنها سوف تصنع ديمقراطية. مرة أخرى أشكر الأستاذ صديق الزيلعي على هذه الجرأة التي يتخوف منها أغلبية الزملاء، حتى أنهم لا يستطيعون قراءة ما كتب الزيلعي، لذلك لا يجدون لهم طريقا للحوار معه، حتى لا يتم إتهامهم بالخروج على اللائحة. نسأل الله حسن البصيرة.
المصدر: صحيفة التغيير