الرهان على جدوى العمل الجماهيري في مواجهة الإحباط ودعاوى الحرب في السودان

د. محمد عبدالله
في ظل الأوضاع الكارثية التي يعيشها السودان، يتعاظم السؤال حول جدوى الرهان على العمل الجماهيري كوسيلة فاعلة لمواجهة موجات الإحباط المتصاعدة، ودعاوى الحرب التي مزّقت النسيج الوطني، وهددت بقاء الدولة والمجتمع. فهل بمقدور الجماهير أن تلعب دورًا في وقف النزيف، وترميم الوعي، وبناء مستقبل مختلف؟ .
أولاً : العمل الجماهيري كأداة لمواجهة الإحباط
لقد خلق استمرار الحرب، وتعدد مراكز السلطة، والانهيار الاقتصادي، حالة من اليأس وفقدان الأمل في أي مخرج قريب من النفق المظلم. غير أن العمل الجماهيري، بوصفه تعبيرًا مباشرًا عن وعي الناس ومصالحهم، يمكن أن يكون أداة لإعادة بناء الثقة في الذات والقدرة على التغيير.
تتمثل أهمية العمل الجماهيري في أنه يُخرج الفرد من دائرة العجز إلى الفعل، ومن الانكفاء إلى التفاعل. فمبادرات الإغاثة، والتكافل المجتمعي، وتنظيم حملات الوعي، ليست فقط أنشطة إنسانية، بل أعمال سياسية بامتياز تعيد الاعتبار للإنسان كفاعل في مصيره.
ثانيًا : التصدي لدعاوى الحرب وخطابات الكراهية
في ظل الانقسام السياسي والعسكري، يتسع المجال أمام دعاوى الحرب، وتنتشر خطابات الكراهية التي تستثمر في الانتماءات العرقية والجهوية والدينية، من أجل تجييش الجماهير لمعارك عبثية. وهنا يظهر الدور المحوري للعمل الجماهيري في تفكيك هذا الخطاب، وكشف دوافعه الحقيقية، التي غالبًا ما تخدم مصالح ضيقة للنخب المتصارعة.
المبادرات الجماهيرية يمكن أن تسهم في نشر ثقافة السلام، وتحفيز النقاشات المجتمعية حول التعايش، والضغط على الأطراف المتحاربة من خلال رفض شعبي واسع لأي استمرارية للحرب.
ثالثًا : التحديات التي تواجه العمل الجماهيري
لا يمكن الحديث عن العمل الجماهيري بمعزل عن الإكراهات التي تعيقه، وعلى رأسها القمع الأمني، وحالة الانقسام المجتمعي، وضعف الموارد. كما أن الاستقطاب السياسي قد أدى إلى تفتيت البنى الاجتماعية التي كانت في السابق تشكل حاضنة طبيعية للعمل الجماهيري.
لكن رغم هذه التحديات، يبقى الأمل معقودًا على طاقات الشباب، وعلى الحراك الشعبي الذي برهن في محطات سابقة، كالثورة السودانية في ديسمبر، على قدرته على صناعة التحول.
رابعًا : آفاق الرهان
الرهان على العمل الجماهيري ليس مجرد خيار تكتيكي، بل هو ضرورة تاريخية، إذا أُحسن تنظيمه وتطوير أدواته. إنه السبيل لبناء مشروع وطني جامع، ينهض من رحم معاناة الناس، ويعبّر عن تطلعاتهم، بعيدًا عن صفقات النخب ومراكز القوة التقليدية.
إن السودان، وهو يمرّ بأخطر مراحل تاريخه الحديث، يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى صوت الجماهير الواعي، القادر على أن يقول: “لا للحرب”، “نعم للسلام”، “نعم لبناء دولة المواطنة”.
“ليست الحرب قدَرنا، بل السلام الذي نصنعه بأيدينا. وإن صوت الجماهير، حين يتكلم بصدق، أقوى من كل المدافع. فليكن رهاننا على الوعي، والعمل، والتضامن، لا على البنادق والدماء“.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة