الرسام السوداني صلاح المر يسترجع فوتوغرافيات والده
في معرضه “احتفالية القرد والحمار” الذي يستضيفه غاليري بيكاسو في القاهرة يقدم الفنان السوداني صلاح المر تجربة فنية تحمل بين طياتها روح الاستكشاف والمصالحة مع الذاكرة.
المعرض الذي يقام في مساحتي عرض منفصلتين يعيد صوغ العلاقة بين الفنون البصرية والذاكرة الشخصية والجماعية في قالب مبتكر. لا يتعامل الفنان صلاح المر هنا مع الفن كمنتج بصري وحسب، بل كوسيلة لاستدعاء الماضي وتفكيك رموزه، ثم إعادة صوغه في تجاوز للصورة المُباشرة. المعرض يفتح حواراً بين الصور الفوتوغرافية والرسم، ويعيد بناء فضاء طفولة الفنان عبر استوديو والده، ليمنحنا فرصة للتأمل في الزمن والمكان، وربما في ذواتنا.
في المساحة الأولى من المعرض، تتجلى رؤية المر في دمج عوالم الصورة الفوتوغرافية مع لوحاته المرسومة. في الأعمال المعروضة استخدم الفنان صوراً فوتوغرافية من أرشيف استوديو والده الراحل كقاعدة لإعادة صوغ هذا الماضي بعيون الحاضر. الصور الفوتوغرافية هنا ليست سوى نقطة انطلاق. فالمر، بأسلوبه في اختزال العناصر، يبتعد عن التوثيق الحرفي ليخلق عوالم جديدة تحفل بالاختزال والرمزية.
كل لوحة من اللوحات المعروضة تأتي بجانب صورتها الفوتوغرافية الأصلية، مما يتيح المقارنة بين المشهدين: الفوتوغرافي والمرسوم. في هذه اللوحات لا يلتزم الفنان إعادة إنتاج الصورة كما هي؛ بل يعيد تشكيلها وفقًا لخياله. هنا تبرز قوته كفنان قادر على إحياء المشهد من جديد، وإضفاء طابع شخصي عليه. الوجوه المرسومة تبدو مألوفة، لكنها مشبعة بروح جديدة تتجاوز التفاصيل الظاهرة في الصورة الأصلية. فإذا كانت الصورة الفوتوغرافية تعكس لحظة ساكنة ومحددة في الزمن، فإن اللوحة تمنحها امتداداً زمنياً وشعورياً أعمق. وتعبر تكوينات المر اللونية وخطوطه عن المشاعر والأحلام أكثر مما تعبر عن الحقائق البصرية. يمكن القول إننا أمام حوار بصري بين الماضي والحاضر، أو بين ما كان وما يمكن أن يكون.
المساحة الأخرى من العرض تمثل عودة حية إلى استوديو والد الفنان عبر تجهيز مفعم بالحنين. جانب من فضاء هذا التجهيز مُعد للتصوير، تماماً كما كان في الماضي، فيما الجزء الآخر يعرض أرشيفاً غنياً بالصور التي التقطها الوالد. هذه الصور، لأفراد وعائلات سودانية، ليست مجرد أرشيف بصري؛ بل هي شواهد على تحولات اجتماعية وثقافية. من خلال هذا الاستوديو، يدعونا الفنان صلاح المر لاستكشاف العلاقة بين الصورة كوثيقة والصورة كعمل فني. الصور العائلية التي تنتمي لحقب مختلفة تكشف عن وجوه مشبعة بالحنين والدفء، ولكنها أيضاً تثير في نفوسنا العديد من التساؤلات: هؤلاء الأشخاص من هم؟ وما هي قصصهم؟ وماذا بقي منهم بعد مرور الزمن؟
المصدر: صحيفة الراكوبة