تاج السر عثمان بابو

(1)

يتابع المراقبون اجتماع الرباعية الهادف لوقف إطلاق النار في السودان، والوصول لتسوية سياسية لحل الأزمة في البلاد، مع التحسب لخطر النسوية الهشة التي تعيد إنتاج الأزمة والحرب مرة أخرى.

الأزمة الراهنة تعمقت بعد انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد في ١١ أبريل ٢٠١٩ الذي قطع الطريق أمام الثورة، وجاءت مجزرة فض الاعتصام لتزيد الأزمة عمقا، وتم الرد عليها بموكب 30 يونيو الذي كان هادرا، أكد أن جذوة الثورة متقدة ، وجاء انقلاب 25 أكتوبر لاستكمال تصفية الثورة الذي وجد مقاومة كبيرة، وقاد للحرب اللعينة الجارية حاليا، و لا بديل غير تسليم السلطة للمدنيين، والسير بالثورة حتى تحقيق أهدافها في:

وقف الحرب واسترداد الثورة، وضمان وصول الاغاثة للمتضررين، وعودة النازحين لمنازلهم وقراهم ومدنهم، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وتوفير خدمات الكهرباء والمياه والانترنت والتعليم والصحة والدواء، الخ.

قيام الدولة المدنية الديمقراطية التي تكرّس حكم القانون واستقلال السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وقومية الخدمة المدنية والنظامية ، وتفكيك دولة التمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة ، والانتقال من الشمولية لدولة الوطن الديمقراطية.

المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.

حل كل المليشيات وجيوش الحركات وفقا للترتيبات الأمنية الانتقالية، وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، واستبدالها بقوانين ديمقراطية، بما فيها قانون النقابات الذي يؤكد وحدة و ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، وحل جهاز الأمن ليصبح لجمع المعلومات وتحليلها ورفعها.

عقد المؤتمر الدستوري الذي يقرر شكل الحكم في السودان، والذي ينتج عنه دستور ديمقراطي دائم بمشاركة الجميع ، يكفل الحقوق والحريات الديمقراطية، والمساواة الفعلية بين المرأة والرجل، والحقوق الثقافية والدينية واللغوية للأقليات القومية.

رفض قيام قواعد عسكرية في السودان، وقيام علاقات دولية متوازنة لمصلحة شعب السودان تعزز السيادة الوطنية.

تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية ، وانجاز برنامج اسعافي لتأهيل المشاريع الزراعية والصناعية ، وتقوية الصادر ، والعملة المحلية ، وتوفير فرص عمل للعاطلين.

انجاز قانون انتخابات ديمقراطي يضمن قيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.

(2)

القضايا أعلاه، لا يمكن أن تحققها تسوية هشة تقوم على الشراكة مع العسكر والدعم السريع والمليشيات، وتتيح الإفلات من العقاب، مما يعيد إنتاج الأزمة والحرب مرة أخرى. كما حدث في التوقيع على الوثيقة الدستورية التي كرست الشراكة مع العسكر والدعم السريع والمليشيات، وقننت الدعم السريع دستوريا، وكانت النتيجة خرق متكرر لها حتى القضاء عليها بانقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، الذي قاد للحرب الجارية حاليا بهدف تصفية الثورة، والتمكين للمحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب لنهب ثروات البلاد، وإيجاد موطئ قدم لها على ساحل البحر الأحمر.

اتفاق الوثيقة الدستورية جاء بتدخل خارجي من دول الترويكا والاتحاد الأوروبي، والمحاور الإقليمية ، في محاولة لفرض ”الهبوط الناعم” الذي يعيد إنتاج السياسات القمعية والاقتصادية والخارجية التي تفرط في سيادة البلاد ونهب مواردها، والمزيد من افقار الجماهير الكادحة، وقطع الطريق أمام التحول الديمقراطي العميق في البلاد.

كما تم تغييب شعب السودان عن تفاصيل الاتفاق الذي كرّس هيمنة العسكر علي السلطة ، وتراجع عن الاتفاق السابق حول المجلس التشريعي، والابقاء علي القوانين المقيدة للحريات ، والترتيبات الأمنية لتصفية المليشيات ، وحل جهاز الأمن ليصبح لجمع المعلومات وتحليلها ورفعها، وعدم تكوين لجنة التحقيق الدولية في مجزرة 3 يونيو ، وعدم محاسبة مرتكبي جرائم الابادة الجماعية والاغتصاب في دارفور والمنطقتين..الخ.

بالتالي هناك خطورة من الاتفاق الهش الذي في حالة انهياره ، يؤدي إلي إعادة إنتاج الأزمة ، والحرب الأهلية ، خاصة وأن بالبلاد مليشيات وحركات مسلحة تكاثرت وتناسلت ، ربما يؤدي ذلك للمزيد من تمزيق وحدة البلاد، خاصة بعد تكوين حكومة موازية غير شرعية لحكومة بورتسودان غير الشرعية ، وما تجربة الاتفاق الهش في نيفاشا ببعيدة عن الأذهان ، وكانت نتائجها فصل الجنوب وإعادة إنتاج الحرب بشكل أعمق من السابق، وتدهور أوضاع البلاد الاقتصادية والمعيشية ، حتى انفجرت ثورة ديسمبر ضد تلك الأوضاع. مما يتطلب تصحيح هذه الأوضاع ، ومواصلة النضال والتصعيد الجماهيري حتى انتزاع الحكم المدني الديمقراطي.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.