الرأي اليوم: رايتك شامخة يا تاج الدين
صلاح جلال
ذكر عبدالرحمن الكواكبى أن زوال دولة الإستبداد لايصيب المستبدين وحدهم بل يشمل الدمار الناس والديار لانها ترمى برمح أعمى فى زحام ، كما جاء في أمثال أهل الشام المثل القائل ( يوم أسود من قرن الخروب) بمعنى أن سواد قرن الخروب شبيه بسواد ساعات الليل الحالك الذي يعقبه صبحاً وفجرا وضاح أبلج وضوح المعنى بالتضاد ومن الحِكمة فى زمن الجنون توقع الأحسن والإستعداد للأسوأ حيث يطول أمد الحرب دون عملية تفاوض جاد لوقفها تختفي الخيارات المعقولة من الطاولة وتحل محلها الخيارات المكلفة، كل يوم يمضى تقل مساحة الحُسن والجمال وتتسع مساحات القبح والشر و الإجبار أمام أطراف النزاع ، ما يوضع على طاولة التفاوض اليوم لن تجده غداً بل تجد ما تفرضه واقعية الحال وضغوط الوسطاء.
رسالة للفريقين البرهان وحميدتى الخيارات صارت تضييق كل يوم والشعب صبره نفد من تحمل كلفة حرب الأنفس الشُح ، دماء وممتلكات وإنسداد أفق لا نرى فيها أى كرامة ولاعِزة للوطن ولا المواطن ..
غير دمي يسفك بعضاً .. من دمى وسيفى مغروس فى قلب أخى.
إسقاطات الحرب تتجلى فى جنينة السلطان تاج الدين حيث القتل على الهوية ، نترحم على روح والى غرب دارفور خميس عبدالله أبكر الذى كانت آخر كلماته لقناة الحدث أن قواتنا المسلحة فشلت فى حماية المدنيين وسط قتل عدد مهول من المواطنين تقدمهم الرجل الخلوق السلطان طارق بحر الدين سليل سلاطين دار أندوكة جبل يهوى من جبلٍ شاهق تصدى أجداده للمستعمر الفرنسى لولا بسالتهم لكانت دار مساليت خارج جغرافية السودان الحالى ، لقد حرروا حاكورة سلطنة دار مساليت ضرعابية تشهد كريندق الأولى والثانية ودورتى بقيادة تاج الدين فقد خلدها الشاعر محمد مفتاح الفيتورى فى قصيدته يا تاج الدين وعززها الشاعر عالم عباس سوميت بنات دارجيل ، لقد كانت مملكة دار مساليت أرض أمان وخير لكل سكانها من شتى القبائل والإثنيات لم تعرف الكره والتباغض قامت على العزة والكرامة والعدل ، حتى دار الزمن دورته فى عصر حكم الإنحطاط والعنصرية البغيضة وإسترخاص حرمات النفس والشرف والممتلكات.
بسبب هذه الحرب اللعينة فى الخرطوم كل مدن غرب السودان الآن شارفت على الإنهيار من ثقل تداعيات الأزمة الفاشر وزالنجى ونيالا والأبيض والجنينة التى أسلمت قيادها للحرب الأهلية والفوضى ، فى غياب تام للقوات المسلحة ، القوات المسلحة التى كانت من الممسكات الوطنية منذ عهد الفريق أحمد محمد وعبود والخواض ونميرى وأبوكدوك وعبدالماجد حامد خليل وفوزى الفاضل وفتحى أحمد على حافظت على الأمن فى المركز مع إنفلات بعض التخوم ، كانت تعز لا تهدد وتصون لا تبدد حتى وصلنا لعهد البرهان والعطا وحميدتى سيذكرهم تاريخ الجندية بمايستحقون من الأوصاف ، فى عهدهم أصبحت القوات المسلحة همها الأساسى حماية نفسها والتخندق داخل مقراتها ، وإصدار بيانات تحرير حوائط القيادة العامة وكبارى العاصمة المثلثة وإطلاق المدفعية وإسقاط القنابل الغبية على رؤوس السكان فى العاصمة الخرطوم ، وتُركت الأقاليم البعيدة لمواجهة مصيرها لذلك يستجير سكان الفيافى بالتاريخ ينتظرون تاج الدين وبحرالدين لحمايتهم وتحريرهم من المخاطر وقياداتهم مشغولين بتحرير مستشفى الدايات فى أمدرمان فى عصر التفاهة والإنحطاط .
مأساة الجنينة صورة مصغرة للأسوأ المتوقع لبقية المدن أعداد مهولة من النازحين واللاجئين عبروا الحدود إلى دولة تشاد ، والجثث ملقاة على قارعة الطرقات ، والسوق العامر منهوب ،ورائحة الموت تطارد الناس كالضباع الجائعة من يقتل من والمقتول يحمل جثته إلى حيث يموت ، ثلاثة ألف جريح بلا مشافى ومازال لدينا من يطلق على نفسه قائد عام وضباط رتب بنياشبن ومجلس سيادة وبعض وزراء، إذا كان للعزة والكرامة عنوان لسقطوا على سيوفهم من الفضيحة والإنكسار .
ختامة
كما صور لنا الفيتورى ملحمة تاج الدين فى قوله وبعض من تصرف الكاتب
يا ويل الحرب الملعونة
أكلت حتى الشوك المسود
لم تبق جداراً لم ينهد
هذا زمن الشدة يابحر الدين
هذا زمن الأحزان
سيموت كثيراً منا
وستشهد هذى الوديان
حُزناً لم تشهده من قبل ولا من بعد
(يا برهان) هذا ما سيكتبه التاريخ عن هذا العصر .
صلاح جلال
١٥ يونيو ٢٠٢٣م
المصدر: صحيفة التغيير