معظم العائدين يعودون إلى أماكن تفتقر إلى أساسيات ومقومات الحياة، حيث الخدمات شبه معدومة، مضيفا: “لهذا قررنا أن نعود إلى الخرطوم من أجل المساعدة في مشاريع إعادة الخدمات الأساسية سواء للمجتمعات المضيفة التي بقيت أثناء الصراع، أو العائدين”..

التغيير: وكالات

“جاءت برفقة ابنتها التي تبلغ من العمر 7 سنوات وقالت لي إنها فقدت كل ما تملكه على وجه الأرض، لكنها لا تطلب أي إعانة بل تريد فرصة عمل تستطيع أن تعيل بها ابنتها”، هذا ما قاله لنا رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في السودان محمد رفعت عن لقائه إحدى النازحات بعد إعادة افتتاح مكتب المنظمة في العاصمة السودانية الخرطوم هذا الأسبوع.

من خلال ما شاهده وعبر لقاءاته مع المواطنين السودانيين الذين يعانون تبعات صراع أدى إلى نزوح الملايين، ودمار واسع، ومجاعة تفشت في عدة مناطق، قال رفعت إن “الشعب السوداني مستعد لبناء حياة كريمة وهو قادر على بناء هذه الحياة. كل ما يحتاجه هو فرصة للبداية”.

رفعت كان يتحدث إلى أخبار الأمم المتحدة من الخرطوم، قائلا إن إعادة افتتاح مكتب المنظمة الدولية للهجرة هناك “يقدم أملا لكثير من السودانيين في عودة آمنة من أماكن النزوح، لاسيما أن أعداد النازحين من الخرطوم تمثل ثلث إجمالي النازحين في السودان”.

وقال رفعت إن الشعب السوداني قادر على العودة لبناء حياته بقليل من الإحساس بالأمان.

لكنه نبه إلى أن معظم العائدين يعودون إلى أماكن تفتقر إلى أساسيات ومقومات الحياة، حيث الخدمات شبه معدومة، مضيفا: “لهذا قررنا أن نعود إلى الخرطوم من أجل المساعدة في مشاريع إعادة الخدمات الأساسية سواء للمجتمعات المضيفة التي بقيت أثناء الصراع، أو العائدين”.

مشاريع تعيد الأمل

مشاريع عدة تعكف عليها المنظمة في السودان “تساعد في إعادة الأمل واستعادة القدرة البنائية للمجتمع، وقدرته على الإنتاج، وأن يكفل نفسه”، بحسب ما قاله لنا رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في السودان.

ومن الأمثلة على ذلك، مشروع بالتعاون مع البنك الأفريقي للتنمية يركز على المجتمعات الصغيرة وإعادة إعمارها، ويتمركز تحديدا حول إعداد أحد المستشفيات التي تقدم خدمات متكاملة.

وقال رفعت: “نتبنى المجتمع المحيط الذي يخدمه المستشفى من حيث توفير خدمات المياه، إضافة إلى الرعاية الصحية طبعا، فضلا عن تقديم فرص عمل وتعليم مهني يساعد الأمهات والآباء والشباب الراغبين في إيجاد فرص عمل على بداية حياتهم من جديد”.

وأكد أن مشاريع كهذه تستقبلها المجتمعات والحكومة والجهات المختلفة في السودان بترحاب شديد، مضيفا أن ما يطلبه متخذو القرار في السودان بشكل أساسي هو القدرة على إعادة الخدمات والقدرة الإنتاجية للمجتمع السوداني، وانخراطه في أنشطة إيجابية.

الاختيار الصعب ونقص التمويل

لكن تقديم مزيد من المساعدة وتمويل مشاريع كهذه يواجه عقبة ضعف التمويل وقلته، حيث أوضح المسؤول الأممي أن ما تم توفيره من التمويل الذي طلبوه بداية العام البالغ 250 مليون دولار هو 10% فقط.

وأفاد بأن المنظمة تلقت هذا العام تمويلا يركز على الجانب الإغاثي أكثر منه الجانب المتعلق بسبل العيش الذي يساعد على إيجاد فرص عمل للمجتمع أو زيادة قدرة المجتمع على الإنتاج.

وقال رفعت إن ضعف التمويل هذا “يخلق تحديا لوكالات الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة للاختيار ما بين تقديم الخدمة لشخص يعاني، أو آخر على حافة الموت”، وخاصة في مناطق مثل دارفور وكردفان التي يمثل تقديم الخدمة فيها جزءا كبيرا من أولويات الوكالات الأممية.

وأشار أيضا إلى أن عمل المنظمة الدولية للهجرة يركز على تقديم المساعدات غير الغذائية والمأوى، لهذا فهي تقدم المساعدة لأماكن في أمس الحاجة إليها مثل تلك المتأثرة بالأمطار والفيضانات.

الفيضانات وتغير المناخ في السودان

تلك الآثار المترتبة على موسم الأمطار والفيضانات، تدل على مدى تأثر السودان بالتغير المناخي، كما قال لنا رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة.

وقال رفعت: “شهدنا في العام الماضي أكثر من 124 حادث فيضان أو غرق لأماكن الكثير منها لم يكن يتأثر بالفيضانات في الأعوام الماضية. منها على سبيل المثال الولايات الشمالية التي تضررت بشدة العام الماضي. أحصينا في 2024 وحده 200 ألف حالة نزوح داخل السودان بسبب التغير المناخي والفيضانات”.

وتحدث عن الانهيار الأرضي المدمر الذي ضرب قرية تارسين في ولاية جنوب دارفور، مشيرا إلى أنه لم يتم التأكد بعد من الأعداد النهائية للمتضررين بسبب صعوبة الوصول للمنطقة.

لكن المنظمة التي لديها برنامج قوي لتتبع وإحصاء حركات النزوح رصدت في مناطق أخرى مثل القضارف نزوح 3000 شخص مطلع الشهر بسبب الفيضانات.

ونبه إلى أنه كان من الممكن الإعداد بشكل أفضل لموسم الفيضانات، “لو توقفت الحرب، وتمت صيانة البنية التحتية”.

صمود وبحث عن الأمان

وفي خضم كل هذا، ما يبحث عنه كل سوداني وسودانية هو “الأمان”، بحسب ما قاله المسؤول الأممي. أمان افتقدته أسرة أب سوداني التقاه رفعت أثناء زيارته للحدود الشمالية للسودان، وكان برفقته زوجته وبنات أربع وولد واحد، كانوا يعيشون في الخرطوم التي عاد إليها الأب بعد 20 عاما من الاغتراب في إحدى الدول الخليجية، واستثمر كل ما جناه في بيت ومتجر صغير. لكن الحرب دفعتهم للنزوح إلى ولاية الجزيرة ثم ولايات أخرى لينتهي بهم المطاف في مدرسة تحولت لمركز للإيواء على الحدود.

وقال رفعت: “كان مشهد أسرة تعيش حياة طبيعية جدا حولتها الحرب إلى أسرة لا تمتلك أي شيء على وجه الأرض، هذا أكثر ما أثر في”. طلب منه الأب المساعدة في توفير إنارة في مكان النزوح لأن بناته كن يتضررن من الليل عند الخروج لجلب الماء أو استخدام دورات المياه.

ومضى رفعت قائلا: “رأيت في عينيه هو وزوجته كل معاني الصمود، ورغبة في بناء حياة أسرتهما وإصرارهما على أن تسير بناتهما ثلاثة كيلومترات يوميا لاستكمال امتحانات الثانوية العامة”.

مهمة ليست مستحيلة

ومن أجل تحقيق الأمان المنشود، دعا رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة المجتمع الدولي إلى التكاتف من أجل إحلال السلام، مضيفا: “المهمة صعبة، ولكن ليست مستحيلة”.

وطالب كذلك بالسماح لمنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية بالوجود في جميع أراضي السودان، وفي جميع أماكن الاحتياج بغض النظر عن الجهة المسيطرة على منطقة النزاع، محذرا من أن صعوبات الوصول إلى بعض الأماكن تفضي إلى فقدان الأرواح.

وشدد كذلك على ضرورة توفير التمويل الكافي، مشيرا إلى أن هناك احتياجا كبيرا للأماكن الأكثر تضررا في دارفور وكردفان. وأكد أن الوكالات الأممية مستعدة للوجود في تلك الأماكن في حال توافر الدعم المالي الكافي.

أخبار الأمم المتحدة

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.