الدفاع بالبصل السودانية , اخبار السودان
الدفاع بالبصل
د. عادل العفيف مختار
أصوم وأصوم وأفطر على بصلة
هذا المثل الشعبي الذائع الصيت يدل على الصبر الطويل على الحالة الصعبة بأمل إصلاح الحال، فيحصل غير المتوقع.
الأمثال الشعبية تمثل خلاصة وعصارة التجارب البشرية، رغم عدم قناعتي ببعض منها، إلا أنه وسط الكم الهائل منها تجد أمثالاً حكيمة كل الحكمة، كما أنك تجد البعض منها عديمة القيمة، وهذه تقع تحت مسمى الأمثال السالبة من شاكلة (دار أبوك كان خربت شيل ليك منها شلية). مثل يمثل قمة الأنانية وانعدام المسؤولية تماماً، وهذا ما نشاهده اليوم متجسداً في صورة النهب في وضح النهار.
عوداً للمثل أعلاه فهو تعبير عن خيبة الأمل بعد طول انتظار، وقد عبر عن ذلك صديقي الشاعر المبدع (محمد عثمان أبو شعب) في أغنيته التي صدح بها الفنان ميرغني النجار المسماة (ست الجمال) عندما قال: (وصبراً يطول يبقى ذل).
على كل طول الصبر المفروض يتبعه تعويض أو هكذا تعارف الناس. تجد البنت وقد تقدم بها العمر فضاعت فرص فرض الشروط، فالمتوفر لها الآن إما كهلاً أو متزوج، فتردد في استياء المثل أعلاه. لكن الرجل البصلة هذا هو المتاح حالياً، وربما لا يتاح غداً.
ما دعاني لاستدعاء هذا المثل الشعبي هو رؤيتي لجنود الجيش وهم يقاتلون ويحشون جيبوبهم بالبصل كوجبة غذائية تساعد في تقوية البصر وفي ارتفاع مستوى مضادات الأكسدة، أو كما قيل. إنه لشئ محزن حقاً أن تستحوذ شركات الجيش على 82% من ميزانية الدولة، وتترك جنودها يقاتلون بالبصل، إنه حقاً (القتال بالبصل).
من حق الفرد أن يتساءل أين تذهب هذه النسبة المهولة من الدخل القومي، لقد حرمتم منها التعليم والصحة، فلماذا تحرموا منها جنودكم الذين تتم هذه الاستثمارات باسمهم. أين هذه الأموال الطائلة وجنودكم تنطق وجوههم بؤساً وعليهم غبرة ترهقها قترة. ملابسهم العسكرية مهترئة تنطق بؤساً بل هي البؤس نفسه.
كنت أيام الطلب الجامعي أن رأيت سيارات الجيش الهندي وهي تنقل أطفال الجنود من وإلى مدارسهم، فسألت صديقاً لماذا يقدمون لهم كل ذلك؟ أجاب لأنهم يقدمون دمائهم بالمقابل، أفلا تستحق الدماء ذلك؟ كانت إجابة كافية لم تحوجني أن أسأل بعدها. لكن جنودنا هؤلاء ما الذي يجعلهم يقدمون دماءهم مقابل البصل؟
إنه الجهل ولا شئ غيره، الجهل بحقوقهم التي سلبها قادتهم التجار اللصوص، إنهم تجار الدم وما أبشعها من تجارة تلك. رجعت بي الذاكرة ونحن ندرس الشاعر الإنجليزي (ماثيو ارنولد) وهو يقول في قصيدته (في شاطئ دوفر) الجنود الجهلاء يقتتلون ليلاً، تذكرت ذلك البروفسور خريج (أيوا) وهو يقول إن وصف الجهل جاء لأنهم لا يدركون لماذا يقاتلون، لكن يقيني الذي لا يساوره شك لو أن (ماثيو ارنولد) عاش حتى رأى جنود الجيش السوداني يقاتلون ويأكلون البصل لأضاف بيتاً آخر أو نصاً إلى القصيدة بحيث تكون الجنود الجهلاء الجائعون يتقاتلون ليلاً.
السؤال هو أين تذهب استثمارات الجيش؟ الإجابة هي أنها تجوب بنوك العالم في حسابات الجنرالات الشخصية، طالما أن هؤلاء القادة الأقزام تخلقوا بأخلاق حاضنتهم الإسلاموية فلا عجب فمن شابه أباه فما ظلم، لكم الله يا جنود بلادي، حفظكم الله وحفظ مزارع البصل من الزوال.
إنه زمن الدفاع بالبصل.
المصدر: صحيفة التغيير