حوار: التغيير
معركة البيانات التي دارت مؤخرا بين الأمين العام لحزب الأمة القومي “الواثق البرير”، ونائب رئيس مجلس الحل والعقد بهيئة شؤون الأنصار “عبد الرحمن الصادق المهدي” لم تكن الحدث الأول المثير للتساؤل عما يدور داخل مؤسسات الحزب.
سبقت هذه المشادات الكلامية إقالات متبادلة بين رئيس الحزب المكلف وعدد من منسوبي مؤسسة الرئاسة، الرئيس المكلف فضل الله برمة ناصر انحاز إلى تحالف تأسيس الذي يضم قوات الدعم السريع ويعمل على تشكيل حكومة في مناطق سيطرته، فيما انحاز السيد محمد عبد الله الدومة للجيش، بينما انضم عدد من القيادات بالحزب إلى التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود).
(التغيير) أجرت حوارا مع مساعد رئيس الحزب المكلف صديق الصادق المهدي، والذي يشغل ايضا منصب الأمين العام بتحالف (صمود)، لمعرفة ما يدور خلف الكواليس من خلافات والسبل التنظيمية المتاحة لحلها، وكان السؤال الأهم: هل يمضي الحزب نحو الانشقاق الرأسي؟..
جنرالات في المعاش يشدون أطراف الحزب “شرقا وغربا”
* معركة كلامية بين الأمين العام للحزب الواثق البرير وبين السيد عبد الرحمن الصادق تم توصيفها بأنها خلافات “أسرية”، ما هي حقيقة الأمر؟
مدخل مهم، قبل الإجابة المباشرة على السؤال:
لا نريد أن نشغل الناس ونزحمهم بالخلافات والتباينات الحزبية، (فالعليهم مكفيهم) وأزيد، لكن القضايا المثارة تتعلق بالممارسة المؤسسية في حزب الأمة وهي عريقة وراسخة.
ما يدور في أحزابنا الوطنية بصورة عامة، وضبط الممارسة المؤسسية التنظيمية داخلها يهمنا لارتباطه بالحكم المدني والحكم الرشيد والتداول السلمي للسلطة والمحاسبة والمساءلة، وهذا مهم للسمو على الروابط الأولية التفكيكية من عشائرية واسرية وجهوية، للروابط الأعلى المدنية القومية التسبيكية.
ذكرت في مطلع العام الجاري أن حزب الأمة يتعرض لعملية شد من أطرافه “شرقا وغربا” بأيدي جنرالات في المعاش ستصمد المؤسسات ويعود للحزب تماسكه عندما تروق “الكتاحة”!
لكن “الأسرة” بعيدة من هذه التباينات، أما الاختلاف في وجهات النظر موجود في حزب الأمة منذ القدم ووجوده طبيعي في أي مكون مدني سياسي لكن ظروف الحرب زادت من حدة الاستقطاب وحدة المواقف. بالنظر للمرجعيات المؤسسية؛ الواثق هو الأمين العام للحزب، بينما عبد الرحمن وجوده داخل مؤسسات الحزب تاريخي، وهو الآن خارجها “باختياره”.
* لكن هناك ما يدعم وجود طابع أسري في الخلاف لما حملته البيانات من الطرفين لملاسنات حول التسلق واستغلال النسب والعلاقات!
ما شملته البيانات من اتهامات حول تسلق العلاقات الأسرية يطعن في قرارات مؤسسات وأجهزة الحزب، الأمين العام “الواثق البرير” تم ترشيحه وانتخابه بإجراءات الهيئة المركزية التي اختارته بأغلبية لم تكن مسبوقة في تاريخ الهيئات المركزية في حزب الأمة وإن كان هناك نقد يجب أن يحصر في الأشخاص ولا يتعداها لقرارات الحزب، والتشكيك في المؤسسات وأجهزة الحزب التنظيمية.
وجود “عبد الرحمن الصادق” داخل مؤسسات الحزب تاريخي وهو الآن خارجها “باختياره”
* لأي درجة هذا التراشق أثر على العلاقات داخل أسرة الإمام؟
ظرف الحرب الحالي رفع من وتيرة الاستقطاب وحدة التباينات في بيوت كثيرة لا اتحدث عن بيتنا فقط، لكننا معنيون بالسعي الدؤوب للفصل بين العلاقات الأسرية والإجراءات المؤسسية التي يحكمها الدستور واللوائح.
* بدأت البيانات في الصدور بعد انتشار فيديو دخول السيد عبد الرحمن لدار الأمة رفقة عساكر، ما هو وضع الدار من ناحية الملكية والإشراف؟
الإجراء الذي قام به عبد الرحمن حال اقتصاره لإخلاء الدار كان سيكون طبيعياً، لكن الإشكال الحقيقي هو أنه جاء بتكليف وتسليم لأستاذ الدومة بوصفه رئيسا مكلفا للحزب وهو أمر لم يحدث في أي من مؤسسات الحزب المعنية بذلك.
دار الأمة ملكيتها تعود لشركة الصديقية وترتبط مع حزب الأمة بعقد إيجار قائم، تم توقيعه بين شخصي عندما كنت مكلفا بإدارة الشركة وقتها مع الأمين العام للحزب الواثق البرير.
* هل أنتم على استعداد للتنازل عن الدار بكل رمزيتها الوطنية والتاريخية لصالح شق في حزب الأمة يدعي الأحقية بالرئاسة بعيداً عن المؤسسات، وفق ما ذكرت؟
دار الأمة لاستخدام حزب الأمة وتخضع في الإشراف للأمانة العامة. حتى الآن الاختلاف في مؤسسة الرئاسة فقط وسيتم حله عبر الإجراءات الحزبية والتنظيمية، ونتمنى ألا ينزلق الحزب لمنازعات وانشقاقات.
* هناك دعوة لاجتماع الهيئة المركزية بحسب تصريحات إعلامية للفريق صديق في حال انعقادها هل نعتبره تقنيناً لوضع انفصالي كامل داخل حزب الأمة؟
الدعوة الحالية لعقد اجتماع الهيئة المركزية خارج سياقها لأنها جاءت من خارج نطاق التوافق وقرارات مؤسسات الحزب المعنية والمسؤولة عن وضع برنامج وأجندة الهيئة المركزية. والوضع الصحيح هو أن يتم الترتيب لاجتماع الهيئة المركزية بقرار من مجلس التنسيق الذي ينقله بدوره للمكتب السياسي وبعد ذلك يقوم رئيس الهيئة المركزية بتوجيه الدعوة لكل عضويتها لحضور الاجتماع.
تجاوز الدعوة الحالية للمؤسسات هو ما سيقود إلى وضع انقسامي، وهو أمر خطير. عمليا هناك صعوبة لقيام اجتماع الهيئة المركزية في الظرف الحالي، فاذا صعب التئام اجتماع المكتب السياسي على الأرض وعضويته 150 شخص فكيف يمكن أن تنعقد الهيئة المركزية بكامل عضويتها البالغة 800 شخص؟ وهل سيكون من الممكن مشاركة الأعضاء من مختلف أرجاء البلاد؟ وهل سيتمكن الأعضاء بالخارج من المشاركة؟
* هل الاتجاه نحو الانقسام يشعرك بالخوف؟
هو أمر مزعج بدون شك لكن الأولوية الآن للمهام الوطنية الكبرى ومصلحة الوطن العليا المتمثلة في السلام وإيقاف الحرب والحفاظ على وحدة أرض وشعب السودان، ومصدر الإنزعاج يأتي من أن حزب الأمة هو أحد ممسكات الوحدة بما له من ميزات وانتشار في مختلف ربوع البلاد، وعضويته التي تشمل مختلف الإثنيات والقبائل والفئات المجتمعية، لذلك عليه ألا ينساق خلف دعاوى التقسيم المجتمعي ودعاوى خطاب الكراهية والمحافظة على النسيج الاجتماعي والوطني.
* مع وجود رئيسين لحزب الأمة، السيد فضل الله برمة والسيد محمد عبد الله الدومة، الا تعترف بأن الحزب أمام حالة انشقاق كاملة؟
الحزب عبر توافق أجهزته المختلفة، مؤسسة الرئاسة ومجلس التنسيق والمكتب السياسي سبق أن كلف اللواء معاش فضل الله برمة ناصر بمهمة الرئاسة. وبينما استاذ الدومة كلفته فقط مجموعة محدودة في مؤسسة الرئاسة. المكتب السياسي والأمين العام والهيئة المركزية لا خلاف حولهم وهي مؤسسات منتخبة ولديها شرعية، وكذلك المؤتمر العام كأعلى سلطة في الحزب لا خلاف حوله.
* مقاطعة: لكن كل رئيس لديه موالين من داخل أجهزة الحزب المنتخبة والعضوية؟
طبعا هذا انعكاس لقضية أخرى وهي ليست خاصة بالحزب فقط، وهي الانقسام الجهوي الذي يدفع البلاد نحو التقسيم وتكوين الحكومات الموازية وعليه لابد من المحافظة على وحدة الحزب والتعامل بحذر شديد قبل الانسياق خلف كل ما يفتت الحزب والأهم هو تحقيق السلام ووحدة البلاد قبل أي شيء.
فضل الله برمة هو الرئيس الشرعي لحزب الأمة
* من هو الرئيس الحالي بحسب الدستور والمؤسسية؟
الرئيس القائم المكلف هو اللواء فضل الله برمة ناصر، وانضمامه لتحالف تأسيس بدون العودة لأجهزة الحزب أمر يتم بحثه داخل أجهزة الحزب، وهناك حادثة سابقة مشابهة بعد انقلاب 25 اكتوبر 2021 حيث شارك الرئيس المكلف في اتفاق نوفمبر، وعندما عرض على المكتب السياسي رفضه والتزم هو بقرار المؤسسات وقتها.
* ما هي الآلية المتاحة الآن لمعالجة التباينات في مؤسسة الرئاسة؟
في هذا الظرف المخرج الوحيد أمام حزب الأمة للمحافظة على تماسكه ووضعه هو انعقاد المكتب السياسي، والآن هناك لجنة مكونة من قيادات المكتب السياسي، برئاسة الرئيس وعضوية نائبه ومقرر المكتب السياسي ورؤساء لجان المكتب السياسي، تبحث إمكانية عقد الاجتماع في أقرب فرصة.
* قبولكم باستمرار فضل الله برمة على رئاسة الحزب يوحي بتماهيكم مع الدعم السريع وتحالف تأسيس..!
غض النظر عن رأينا في تحالف تأسيس؛ عندما يقوم الرئيس المكلف بخطوة دون مرجعية قرارات الحزب هذه مشكلة يتم علاجها عبر عرضها على أجهزة الحزب التي تقرر قبولها أو رفضها. ولا يبرر ذلك إصدار قرارات فردية والقضايا الحزبية المؤسسية لا تقاس بالقبول والرفض الشخصي.
تحالف تأسيس من جهة ثانية مكون من مجموعات لديها وجود على الأرض وفي حالة أي حديث عن السلام ووحدة السودان يجب أن يكون هناك تفاهمات معه لإجراء ترتيبات تحافظ على البلاد، رغم اختلافنا الأساسي معه لاتجاهه لتكوين حكومة موازية ما يؤسس لواقع تقسيم البلاد وهو مؤشر خطير.
* على الرغم من المفاصلة التي حدثت داخل (تقدم) بين المجموعة التي انضمت لتحالف (تأسيس) وبينكم في (صمود) لكن مازالت تهمة كونكم الجناح السياسي للدعم السريع تلتصق بكم، لماذا؟
الآلة الإعلامية تحركها أجندة حزبية سياسية تنافسية وهو السبب الذي نرى الهجوم على القوى المدنية أكبر من اتهام الدعم السريع نفسه! بعد انفصال الجماعة التي انضمت لتأسيس أصبح الموقف المدني واضحاً وليست هناك أي شبهة انضمام لأي معسكر يحمل بندقية لكن المنافسة السياسية هل التي تقف خلف الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة.
“مجزرة” الإقالات المتبادلة داخل حزب الأمة “مؤسفة”
* الحرب الكلامية التي حدثت مؤخرا سبقتها حزمة إقالات متبادلة شوشت على الجميع، ماهية الوضع التنظيمي والدستوري داخل حزب الأمة القومي؟
“المجزرة” التي حدثت في أجهزة حزب الأمة بالإقالات المتبادلة مؤسفة، لكن من واقع الإجراء المؤسسي هناك ضوابط وإجراءات تنظيمية داخل الحزب. هناك وضع اعتيادي وآخر استثنائي فرضه انتقال الحبيب أولا واندلاع الحرب ثانيا.
في الوضع الاعتيادي الرئيس المنتخب هو المنتخب من المؤتمر العام وآخر رئيس منتخب هو الحبيب الإمام عليه الرحمة، حدد له الدستور صلاحيات إلى جانب صلاحيات تنفيذية وهو رمز السيادة في الحزب لكن القرار السياسي مكانه المكتب السياسي.
أما في الظرف الاستئنائي الذي نعيشه حاليا فقد سكت الدستور عن الكيفية التي تتم بموجبها اختيار من يقوم بمهام الرئاسة وهي مشكلة لابد من معالجتها في الدستور القادم.
* مقاطعة: هل صلاحيات الرئيس المكلف غير واضحة؟
الصلاحيات في الدستور مخصصة لشخص نال ثقة المؤتمر العام أكبر مرجعية في الحزب، تم اختياره عبر 4 آلاف مشارك، والذي حدث أنه بعد انتقال الحبيب بشهرين اجتمعت مؤسسة الرئاسة واختارت من بين عضويتها اللواء معاش فضل الله برمة رئيسا مكلفا.
*… لماذا وقع عليه الاختيار من دون الأعضاء الآخرين؟
الرئيس المنتخب في فترات غيابه كان يكلفه بمهام الرئاسة وهو أولهم تعيينا، ولو أن التراتبية غير متفق عليها، التكليف تم من مؤسسة الرئاسة وعرض على مجلس التنسيق الذي يضم (أعضاء مؤسسة الرئاسة والأمين العام ونائبته ورئيس المكتب السياسي ونائبه ومقرره ورئيس هيئة الضبط والرقابة ورئيس الهيئة المركزية ومقررتها) وهكذا تم إجازة تكليف اللواء برمة ناصر بعد نقاش مستفيض من المكتب السياسي قدم فيه اللواء فضل الله ما يشبه خطاب الترشيح ثم ناقش المكتب السياسي مؤهلاته وقبوله لدى أطراف عديدة داخل الحزب.
قرار التكليف شمل ممارسته لمهامه وصلاحياته عبر مؤسسة الرئاسة وبالتوافق مع كافة الأجهزة وهي قيود وضعت للتكليف، وكانت مدته لعام ستنتهي بانعقاد المؤتمر العام ونسبة لاندلاع الحرب تعطل قيام المؤتمر العام.
والحرب أثرت على تعميق المشاكل وسط قيادات الحزب وكان يؤخذ على الرئيس المكلف اتخاذه قرارات بدون العودة لمؤسسة الرئاسة، ولكنه ليس السبب الوحيد لجهة أن عدد من النواب والمساعدين مضوا في طريق مخالف لتوجهات الحزب وبادر بعضهم بالذهاب لبورتسودان بدون وجود قرار من الحزب.
المصدر: صحيفة التغيير