اخبار السودان

«الدعم السريع» وحلفاؤها يضعون «دستوراً انتقالياً» للسودان: علمانية لامركزية وجيش جديد

وقّعت قوات «الدعم السريع» والمجموعات المسلحة والسياسية الموالية لها، أمس الثلاثاء، في العاصمة الكينية نيروبي، وثيقة «دستور انتقالي» نصت على علمانية لامركزية، وتكوين جيش جديد، وفترة انتقالية مكونة من جزأين، الأول ينتهي بنهاية الحرب، والثاني يستمر بعدها لـ10 سنوات.
وفي 22 فبراير/ شباط الماضي وقعت قيادة «الدعم السريع» وحلفاؤها ميثاقا سياسيا قالت إنه يمهد لتشكيل حكومة في مناطق سيطرتها خلال شهر.
وتعد «الحركة الشعبية» جناح عبد العزيز الحلو، التي تسيطر على نطاق واسع من منطقة جبال النوبة جنوب البلاد، أبرز الموقعين على الدستور المعلن، بالإضافة إلى حركتي جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي برئاسة الهادي إدريس وتجمع قوى تحرير السودان بزعامة الطاهر حجر.
ومن السياسيين، انضم للتحالف الجديد رئيس حزب «الأمة القومي» المكلف فضل الله برمة والقيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي إبراهيم الميرغني.

مضمون «الدستور الانتقالي»

ونص دستور تحالف «الدعم السريع» والموالين لها على إلغاء الوثيقة الدستورية الانتقالية لسنة 2019، والتي وقعت عليها الأطراف العسكرية والمدنية بعد إطاحة الثورة الشعبية بنظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير.
وألغى جميع القوانين والقرارات والمراسيم السابقة.
وأقر دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية، ذات هوية»سودانوية» تقوم على فصل الدين عن الدولة وفصل الهويات الثقافية والعرقية والجهوية عن الدولة، والتأكيد على أن المواطنة المتساوية هي الأساس في الحقوق والواجبات.
وبشأن نظام الحكم في السودان، فهو حسب «الدستور الانتقالي» يقوم على اللامركزية السياسية، والإدارية، والقانونية، والمالية. كما أن تأسيس الدولة السودانية يقوم على «الوحدة الطوعية والإرادة الحرة لشعوبها واحترام التنوع والتعدد العرقي والديني والثقافي والمساواة بين جميع الأفراد والشعوب في الحقوق والواجبات» في إشارة إلى حق تقرير المصير الذي تطالب به الحركة الشعبية شمال، جناح عبد العزيز الحلو.
ونص الدستور على أن تتكون الفترة الانتقالية من مرحلتين: «الفترة ما قبل الانتقالية التأسيسية، وتبدأ من تاريخ سريان هذا الدستور وتستمر حتى الإعلان الرسمي عن إنهاء الحروب ومن ثم تبدأ الفترة الانتقالية التأسيسية، فور الإعلان الرسمي عن إنهاء الحروب وتمتد لـ(10) سنوات.

مهام الحكومة

وحدد عددا من المهام لما سمّاها «حكومة السلام الانتقالية» تتضمن: «إيقاف وإنهاء الحروب وإحلال السلام العادل المستدام وتهيئة المناخ لإطلاق عملية سياسية شاملة لتحقيق الأمن والاستقرار والعدالة والتنمية بالإضافة إلى تعزيز دعائم الوحدة الوطنية الطوعية وإحلال التعايش السلمي ومحاربة خطاب الكراهية، مجابهة الكارثة الانسانية، حماية المدنيين، تأسيس وبناء مؤسسات الدولة».
وشملت المهام التي نصت عليها الوثيقة «حماية الحقوق الدستورية لجميع المواطنين من دون تمييز، تهيئة الظروف المناسبة لعودة النازحين واللاجئين، العمل على بناء وإعمار ما دمرته الحرب وحشد الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لتوفير الموارد اللازمة».
وفيما يتعلق بمستويات الحكم، نص الدستور على ثلاثة مستويات للحكم وهي المستوى الاتحادي والمستوى الإقليمي والحكم المحلي، حيث منح الدستور مستويات الحكم المختلفة اختصاصات وسلطات حصرية ومشتركة وموارد يحددها القانون، كما جوز لكلِ إقليم اختيار الاسم المناسب لمستوى الحكم المحلي.
وحدد ثمانية أقاليم للسودان وهي: «إقليم الخرطوم، الإقليم الشرقي، الإقليم الشمالي، إقليم دارفور، الإقليم الأوسط، إقليم كردفان، إقليم جنوب كردفان وجبال النوبة، إقليم الفونج الجديد» حيث يكون لكل إقليم دستور يراعي خصوصيته، دون المساس بطبيعة الدولة المنصوص عليها في هذا الدستور.

محللون لـ«القدس العربي»: الخطوة قفزة في الظلام ومحاولة لتعزيز الموقف التفاوضي

وتتكون هياكل السلطة وفق الدستور من الهيئة التشريعية التأسيسية وهي سلطة تشريعية مستقلة تتكون من مجلسي الأقاليم والنواب، حيث يتكون مجلس الأقاليم من (24) عضواً، ويتكون مجلس النواب من 177 عضواً.
ونص على تشكيل مجلس رئاسي يكون بمثابة السلطة السيادية لجمهورية السودان حسب الدستور المعلن ورمز وحدتها الطوعية، ويتكون المجلس الرئاسي من 15 عضواً يختارهم «تحالف السودان التأسيسي» تحالف الدعم السريع والمجموعات المسلحة والسياسية الموالية لها، ويكون من ضمن أعضاء المجلس الرئاسي حكام الأقاليم بحكم مناصبهم، ينوبون عن رئيس المجلس عن أقاليمهم.
وتتمثل اختصاصات المجلس الرئاسي في تعيين وإقالة رئيس مجلس الوزراء، واعتماد تعيين الوزراء، تعيين المجلس العدلي المؤقت من قانونيين وقضاة سابقين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، اعتماد تعيين رئيس القضاء ونوابه، اعتماد تعيين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، اعتماد النائب العام ومساعديه، تعيين المراجع العام.
ونص على اعتماد تعيين سفراء السودان في الخارج واعتماد السفراء الأجانب في السودان وإعلان حالة الطوارئ بتوصية من مجلس الوزراء واعتماد إعلان الحرب بناءً على قرار من مجلس الوزراء بعد مصادقة الهيئة التشريعية التأسيسية عليه.
وفيما يتصل بتكوين مجلس الوزراء، أقر الدستور أن يتم تكوينه دون محاصصة حزبية، من أشخاص مؤهلين وملتزمين بالدستور وميثاق السودان التأسيسي، ويتكون من رئيس وزراء تختاره القوى الموقعة على ميثاق السودان التأسيسي بالتشاور فيما بينهم، على أن لا يتجاوز عدد وزراء الحكومة 16 وزيراً يختارهم رئيس الوزراء بالتشاور مع كل أطراف ميثاق السودان التأسيسي خلال فترة لا تتجاوز 30 يوماً من تاريخ تعيينه.
وبشأن الأجهزة النظامية فقد نص الدستور على أن تقوم حكومة السلام الانتقالية التأسيسية بالخطوات الضرورية لتأسيس «جيش وطني جديد موحَّد، مهني وقومي، بعقيدة عسكرية جديدة، على أن يعكس في تكوينه التعدُّد والتنوُّع لكافة الشعوب السودانية ويخضع منذ أول يوم من تأسيسه للرقابة والسيطرة المدنيتين، ويعكس في تكوينه كافة أقاليم السودان على أساس التوزيع السكاني العادل، ويكون مستقلاً عن أي ولاء أيديولوجي أو انتماء سياسي أو حزبي أو جهوي أو قبلي، ويقتصر دوره على حماية البلاد وأراضيها وسيادتها الوطنية، والشعوب السودانية وحماية النظام العلماني الديمقراطي، وضمان احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وحماية النظام الدَّستوري، دون تدخُّل في الشأن السياسي أو الاقتصادي».
ويتكون الجيش الجديد من «قوات الدعم السريع والجيش الشعبي لتحرير السودان وحركات الكفاح الُمسلَّح الموقعة على ميثاق السودان التأسيسي نواةً للجيش الوطني الجديدة».
وأقر الدستور بحل الميليشيات التابعة للمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وجميع الميليشيات الأخرى اعتباراً من تاريخ إجازة وسريان هذا الدستور
وأقر أيضا «تأسيس قوات شرطة وجهاز أمن ومخابرات مهني مستقل، لا يخضع لأي ولاء أيديولوجي أو سياسي أو حزبي أو جهوي أو قبلي، ويعكس في تشكيلاته التوازن السكاني بين كافة أقاليم السودان، ويقتصر دوره على جمع وتحليل المعلومات لحماية أمن السودان الداخلي والخارجي وتقديمها للجهات المختصة، وصون النظام الديمقراطي، وضمان حقوق الإنسان وسيادة حكم القانون، في إطار الشفافية والمساءلة واحترام الدستور».
ورأى المحلل السياسي آمين مجذوب، في حديثه لـ»القدس العربي» أن الدعم السريع، لا يحتكم على أرض حيوية مستقرة فيها شعب ينتمي إليه، وبالتالي فإن مسألة أنه يصدر دستورا أو أي لوائح لتكوين حكومة موازية قفزة في الظلام.
وأشار إلى أن تكوين حكومة أو دولة يحتاج إلى شعب راض بهذه الحكومة وإلى موارد وإلى حدود، مضيفا: «الآن لا توجد أراض ولا شعب ولا موارد ولا حدود «.
ولفت إلى أن الدعم السريع إذا أراد أن يقيم دولة خارج المناطق التي تم إخراجه منها «مناطق الوسط والعاصمة» فإنه يحتاج إلى عشرات السنين» معتبرا خطوة الدعم السريع وإعلانها «دستورا» موقفا تفاوضيا تسعى الدعم السريع بالمشاركة مع المجموعات المتحالفة معه الى تعزيز موقفها التفاوضي في حالة الدخول في مباحثات مع الحكومة السودانية أو مع القوات المسلحة في المستقبل.
واستبعد أن تؤسس قوات الدعم حكومة، خاصة في مناطق سيطرتها في إقليم دارفور، مشيرا إلى أن ذلك أمر غير منطقي ولا يستقيم خاصة في مناطق دارفور حيث توجد مجموعة من القبائل كلها لديها عداء سافر مع «الدعم».
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين «مصعب محمد علي» فقال لـ» القدس العربي» إن تشكيل الدعم السريع والأطراف المتحالفة معها لحكومة في مناطق سيطرتها يمكن أن يقرأ في سياق تعزيز موقف الدعم السريع في أي عملية تفاوض مقبلة، وأنها بهذه الخطوة قد تحاول الحفاظ على وجودها ضمن المعادلات السياسية.
ورأى أن تكوين الدعم السريع لحكومة يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الانقسام السياسي في السودان وبالتالي انقسام الدولة إلى حكومتين تتنازع حول الشرعية، واحدة في الغرب وأخرى في الشرق. واستبعد أن تجد الخطوة قبولا دولياً كافيا، مشيرا إلى أنه قبل إعلانها رفضتها عدة دول إقليمية وجوار للسودان، وبالتالي فإن نجاح حكومة موازية مرتبط بالاعتراف الخارجي لها، وهذا غير ممكن في الوقت الحالي.
ولفت إلى أن أطراف الاتفاق بينها اختلافات كبيرة، مشيرا إلى أن هدفهم الأساسي هو إيجاد شرعية تمكنهم من الحصول على دعم عسكري وسياسي. وأضاف: «إذا لم يحدث ذلك أعتقد أن التحالف لن يستمر طويلاً».
وحذر من أن الخطوة في مجملها خطيرة من ناحية أنها يمكن تؤدي مستقبلاً الى انقسام البلاد سياسيا وتزيد من تعميق الأزمة واستمرارها بالإضافة لاستمرار الحرب لفترة زمنية طويلة.

القدس العربي

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *