بثينة تروس


بثينة تروس

لقد انتصرت قوات الدعم السريع واستولت على مدينتي الفاشر وبارا، لكنها مجدداً خسرت قلوب الشعب، وزادت نفوره، ونقمته عليها. وفي الطرف الاَخر، خسرت أيضاً قيادات الجيش التي لم تتعلم بعد، رغم مرور ما يقارب ثلاثة أعوام من الحرب، كيف تفصل بين خططها العسكرية الخاصة بالمعارك الدائرة، وبين مخططات قادة الكيزان، وضعف حكومة الأمل ببورتسودان، والمليشيات المستنفرة الجهادية، وإرضاء قياداتها الذين يرفضون إيقاف الحرب ويجارون أحلامهم المريضة المتوهمة في العودة إلى السلطة عبر الموت والدمار والتلاعب بالمفاوضات الدولية. أيضاً أكدت معارك الفاشر، انه لم تعد دعاوى الدعم السريع ومناصريه مقنعة للرأي العام. فكلما ارتكبت قواتهم وميليشياتهم جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، سارعوا إلى إنكارها متذرعين بأن الكيزان والفلول متنكرين بزي الدعم السريع هم من ارتكبوا الفظائع. هذه التبريرات لم تعد تنطلي على أحد، وجرائمهم موثقة بالصوت والصورة، على أيديهم أنفسهم، يشهدون بها أمام الله والناس. ولا يمكن لحجة سؤ الكيزان! أن تمحو بشاعة ما ارتكبوه أو ترفع عنهم مسؤوليتهم الأخلاقية والقانونية تجاه ما اقترفوه من قتل وتعذيب وسحل واغتصاب وإرهاب للمدنيين.
عبر قناة الجزيرة مباشر مع الإعلامي أحمد طه يحدّثنا المتحدث الرسمي باسم الدعم السريع، بزهو عن تحرير السودان، وقيام دولة الفيدرالية ونصرة المهمشين، وبالطبع ذلك حديث يكذبه الواقع وشهود العيان. فقد حشَت قيادات الدعم السريع أدمغة مقاتليها بشعارات براقة لا تمت إلى الواقع بصلة، مثل محاربة الفلول وتخليص الشعب من إرثهم، بينما أفعالهم تثبت أصل وعمق التشابه بينهم وبين خصومهم في النهج الدموي، وعدم الاخلاق والانتهازية السياسية، فالدعم السريع مارس علي رؤوس المهمشين كل ما ادعى محاربته من السلب والنهب والاغتصاب والتعذيب وقهر الرجال والنساء، حتى صارت ممارساته امتداداً لصورة الجنجويد القديمة التي ذاقت دارفور والفاشر مرارتها من قبل. وفي حصارها اثناء الحرب، مات الناس ومرضوا وجاعوا حتي اكلوا وأطفالهم علف الحيوانات وخشاش الأرض.
أما تصريح متحدث الدعم الفاتح القرشي عن مواصلة المعارك بحجة انهم المهمشين ومن اجل رفع التهميش عن كاهلهم، فليس سوى شعارات جوفاء. فالسودانيون جميعا، يعانون تهميشاً متراكماً يعلمه القاصي والداني منذ عقود بسبب أنظمة حكم احتكرت السلطة والثروة، تاركة المواطن البسيط فريسة للفقر وسوء الخدمات وغلاء المعيشة وانعدام التعليم والصحة، والمواصلات، والكهرباء، والماء. إن التهميش يا ناطق الدعم السريع، لا يختزل في إقليم دون آخر، بل هو نتيجة منظومة فساد واستبداد تشترك في مسئوليتها كل القوى المسلحة، والسياسية التي تداولت الحكم واخطرها عصابة الحركة الإسلامية، بما في ذلك حميدتي والدعم السريع، ولا يستثني قادة الحركات المسلحة في دارفور وعلى رأسهم قادتها من امثال مني مناوي، وجبريل أبراهيم وغيرهم كثر.. وأما دعاوى (الفيدرالية والعدالة) التي ترفعها حكومة تأسيس والمنحازون للدعم السريع، فهي لا تعدو كونها أوهاماً سياسية تسوق أعلامياً في زمن الحرب، لأنه لا يمكن الحديث عن فيدرالية وعدالة في ظل انتهاكات وجرائم فاضحة لحقوق الإنسان، وتمزيق للنسيج الاجتماعي، وتدمير شامل للبنية التحتية والاقتصادية. وفي تقديري لا مفاضلة بين قيادات الدعم السريع، وكبار ضباط الجيش الخانعين للكيزان، كانوا يتقاسمون الثروات المنهوبة ويتاجرون بموارد البلاد على حساب دماء الأبرياء. لا عقيدة وطنية تجمعهم سوى عقيدة السلطة والثروة والنهب المشترك وعليهم أجمعين أحكام قضائية بتهم الفساد.
كما ان عجز الموالين من المدنيين لطرف الدعم السريع عن أدانة تلك الجرائم، واختلاق الاعذار لتطفيفها، والتهوين من أمرها، لا يختلف كثيراً في السؤ عن خصومهم في جوهر الامر، فالجميع يمارس ذات الفهلوة السياسية وبيع الأوهام تحت لافتات براقة عن السلام والعدالة ورفع التهميش وحتي حرب الكرامة! وهكذا ما يسمى بـانتصارات الدعم السريع ليس سوى خسران مبين على كل الأصعدة، خسر الشعب المسكين أمنه، والبلاد وحدتها، والقيادات السياسية شرفها الأخلاقي، بينما ربح البلابسة تجار الحرب والموت، ولا خلاص للسودان العزيز الا بوقف الحرب ومحاسبة المجرمين، والا فسيظل في دوامة الدم والخراب.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.