الدعم السريع وإهانة الأسرى هل نجرؤ على تنظيف الجرح كاملا!
رشا عوض
إذلال الأسرى والعبث بكرامتهم وتوثيق ذلك أمام الكاميرات (قول باع، الصفع والركل والشتم فضلا عن الجرائم البشعة التي تتم داخل معتقلات استخبارات الدعم السريع) كل ذلك هو جريمة حرب وفعل يفتقر إلى المروءة تماما، إذ ليس في إهانة الأسير أي بطولة فهو شخص أعزل منزوع السلاح، ولذلك فإن ما نشهده من إهانات للأسرى مدان بلا مواربة!
ملف الأسرى في حروب السودان منذ حرب الجنوب قبل الانفصال، مرورا بحروب جبال النوبة ودارفور وجنوب النيل الأزرق وصولا إلى حرب 15 أبريل 2023 اللعينة التي نتمناها آخر حروبنا، هو ملف حافل بمشاهد مروعة ومخجلة من القتل والتعذيب تقف شاهدا على فساد منظومتنا العسكرية: جيش ودعم سريع وآمن واستخبارات.
كانت أكبر صفعة لمهنية وقومية الجيش السوداني عندما سلم زعيم الحركة الشعبية جون قرنق أسرى الجيش السوداني للصليب الأحمر بعد توقيع اتفاقية نيفاشا فيما فشل الجيش في أن يسلم أسيرا واحدا في حرب استمرت لثلاثة وعشرين عاما! لأنه ببساطة كان يقتل الأسرى! وكانت منهجيته في التعامل مع الأسرى هي مقولة أحمد هارون التي نقلها التلفزيون الرسمي: (اكلو ني ما تجيبو حي وما تعمل لينا عبء إداري)
وقد رأينا كيف كان التعامل مع أسرى حركة العدل والمساواة بعد عملية الذراع الطويل وبعضهم دون الثامنة عشرة!
“خور أب عفن” في جنوب كردفان يشهد على القتل والتعذيب الذي تعرض له مئات أو آلاف المواطنين ليس فقط من الأسرى، بل مجرد المشتبه في تعاونهم مع الحركة الشعبية!
وفي هذه الحرب رأينا الأسرى يتم ذبحهم وسلخهم ونزع أحشائهم بعد قتلهم، ورأينا رؤوس المدنيين تقطع ويتم التلويح بها وكل ذلك بواسطة منسوبي الجيش!
طبعا سيتكالب “البلابسة” على هذا المقال مرددين محفوظاتهم: أنتم لا تدينون الدعم السريع إلا بشرط ان يكون ذلك مقرونا بإدانة الجيش!
وردي هو : نعم بالحيييييل! فأنا لست ممن ترهبهم أبواق الضلال والنفاق الكيزاني فيخضعون لابتزازها، ولست من خفاف العقول الذين تنطلي عليهم أباطيل المثقفين النافعين الذين يحاولون إغراقنا في شبر ماء المفاضلة بين الجيش والدعم السريع عبر تضخيم الفرق بينهما لصالح الجيش على أسس واهية لا تصمد أمام أي نقاش عقلاني! منها على سبيل المثال هذا جيش نظامي عمره مائة عام، وفي الحفاظ عليه حفاظ على الدولة إلى آخر الترهات!
أهم معيار لتقييم الجيش من وجهة نظري هو نوع علاقته بالمواطنين ومدى احترامه لمدنية وديمقراطية الدولة، جيوش النازية والفاشية كانت أكثر نظامية بما لا يقاس من جيشنا فهل هي جديرة بالاحترام؟ وبالمناسبة معايير النظام والنظامية لو اختزلناها في وجود سيستم قيادي وإداري صارم، فإن عصابات المافيا لها نصيب وافر من الدقة في التنظيم فهل المافيا مؤسسة خيرة!
بعيدا عن ذلك كله، فإن نظامية الجيش تبددت وتم نسفها نسفا تحت معاول الهدم الكيزاني لدرجة أن قيادات بمستوى رئيس هيئة الأركان في الجيش تخضع لتحقيقات أبلة سناء نيابة عن حزب سياسي أرعن! أما الحفاظ على الدولة فلا أدري كيف حافظ جيشنا الهمام على الدولة؟ حتى لو بصمنا بالعشرة على سردية الكيزان ومثقفيهم النافعين بأن الخطر الماحق على الدولة السودانية هو الدعم السريع، فهذا يعني ضمنا أن الجيش أكثر تهديدا للدولة؛ لأنه هو المصنع الذي أنتج الدعم السريع! ألم يخرج من رحمه! ألم يؤد الخلل البنيوي في الجيش إلى فشله في حسم الحروب الأهلية، فتحول إلى مصنع لإنتاج المليشيات وحتى في أثناء هذه الحرب ما زال الجيش يتوكأ على المليشيات، ومنها البراء بن مالك ومليشيات مالك عقار وجبريل ومناوي وتمبور وفرفور وقنبور والحبل على الجرار! فما هو المنطق في الاعتماد على جيش كهذا في تخليص البلاد من المليشيات؟!
إن مسؤولية الكاتب كما أفهمها هي إضاءة كل الزوايا المعتمة في الشأن العام، لا تسليط الضوء بصورة انتقائية على زوايا بعينها والتعامي عن أخرى! فحتى يكون الناس على بصيرة من أمرهم يجب إضاءة الملعب كاملا!
أعاهدكم قرائي وقارئاتي أنني لن أكتب أنصاف الحقائق؛ لأن أنصاف الحقائق في سياقات معينة تكون من أسوأ وأخطر الأكاذيب!
ولن نخرج من أزمتنا هذه إذا رسمنا خارطة طريقنا نحو المستقبل بأنصاف الحقائق!
عنوان أزمتنا الوطنية هو فساد المنظومة العسكرية والأمنية بأكملها، تلك المنظومة التي مارست القتل والتعذيب والإذلال ضد المواطن السوداني، واستنزفت الثروة القومية، وعندما ضربها فيروس الكيزان تضاعفت وحشيتها أضعافا مضاعفة كما أصبحت بطبيعتها البنيوية مهددا وخطرا ماحقا على وجود الدولة السودانية.
المصدر: صحيفة التغيير