إسماعيل عبدالله

إسماعيل عبد الله

لا يخفى على أحد عظم الجرم والخطيئة الكبرى التي ارتكبتها الدولة القديمة، والدماء التي أسالتها من رقاب واعناق السودانيين، فمنذ جثوم الطغمة المتاجرة بالدين على صدورهم لم يتذوقوا للعافية طعماً ولا للسلم أمن، وكما درج الواصفون لحقبة الظلام هذه أن أطلقوا عليها: العهد المبتدئ بضرب مسمار على رأس طبيب والمنتهى بإجلاس معلم على خازوق، ونعم الوصف البليغ الجيد والممتاز، أن اختصر تعريف عصر الدماء والأشلاء في كلمتين، وكمتصوفة نؤمن بأن الأرض حتماً ستمتلئ عدل بعد أن ملأها الزنادقة بالجور، وقد ذكر رفاق الأستاذ الشهيد محمود محمد طه أنه قدم لهم نصحه الصوفي الغارق في الروح، بأن طلب منهم أن لا يستسلموا للطاغية النميري، لأن البلاء والطاعون والطاغوت لا يرفع إلّا بقربان عظيم، يوازي عظمة رموز المجتمع من ساسة واقطاب طرق صوفية، وقادة مشهود لهم بالنزاهة والطهر والعفة وصدق السريرة، قدم لهم خارطة طريق الخلاص من الطاغوت، لكنه ما درى أنه الوحيد الذي اجتمعت فيه خصال القربان، فزال الطاغوت بعد أن أعدمه الطاغية، وهو ثابت وراسخ رسوخ الجبال الرواسي، في ذلك الوقت كان حسن الترابي يداهن والصادق المهدي يغازل وفليب عباس غبوش يجبن، هكذا تمضي سنن الله على الخلق، فما من جبروت خرج بإرادته تلبية لرغبة المسحوقين، وكل اشكال الطغيان ذهبت بتقديم الدم الغالي والنفيس للأطهار من أبناء الأمم.

نتفق أو نختلف حول قوات الدعم السريع، لكن بدا جلياً أنها سيف الله المسلول الموجه لضرب أعناق المفسدين، الذين دافعوا عن باطل تجار الدين ومكنوا لسلطانهم الجائر، ووضحت هذه الرسالة العميقة التي لا يستوعبها إلّا دعاة الحق والشرفاء ممن جعل الله في قلوبهم البصيرة لا البصر، فالمتابع من هؤلاء الأصفياء لحرب الندامة التي أشعلها الزنادقة والمسيلميون، يرى بكل جلاء الخزي والخزلان الذي رافق المتحركات العسكرية المعتدية على القوات الداعمة للحق والسريعة الانقضاض، فلا يمكن أن ينصر الله الحق بافتراء الكذب واهدار دم الناس، من أجل الحفاظ على المسروق من مدخرات الشعب، وهنا يحضرني مثل أهلنا المأثور الذي يخاطبون به من في أذنه وقر، حين لا يرى نور الحق الأبلج وينغمس في الباطل اللجلج، فيستفهمونه: كيف عرف الناس الله؟ بالعين أم بالعقل؟، وهذا هو حال المؤيدين لعدوان الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، الذين أصبح مثلهم كمثل الدجال الآتي آخر الزمان، والذي يقول كلمة أهل الحق ويمشي مشيتهم ويصلي صلاتهم، لكنه يفعل ما يستحي عن فعله إبليس، ونحن اليوم نرى الدجال رأي العين، حين يرفع الناجيان (الهالكان) عقيرتيهما بالصياح واحتيال كلمة الله، في تدجيل لا محالة موصل للدرك الأسفل من النار، كيف لا وهما قد ساقا قطيع مهووس منذ حرب جنوب البلاد الظالمة، بهذا الصراخ المسيء لأمة محمد (ص) التي ليس بها طعان ولا لعان ولا بذيء.

في معارك محور كردفان تجلت حكمة الرب في أن جعل أرضها المشهود لها بطي صفحات العدوان التركي، الذي لا يختلف عن عدوان خفافيش الظلام المدعومين من تركيا نفسها، مقبرة لعملاء الدفتردار مرتكب أبشع مجازر التطهير العرقي والإبادة الجماعية بحق السودانيين، فالقوم هم القوم كأنهم الترك والحق هو الحق واقف مع أحفاد المهدي وخليفته، لقد أعاد التاريخ نفسه يوم أمس، بأن صورت كاميرات الأشاوس ذات المشهد الذي حدث قبل قرن وأربعة عقود، أن لقي هكس باشا مصرعه في شيكان التي تبعد بضع كيلومترات من مدينة الأبيض حاضرة كردفان، مقتولاً بين جثث جنوده التي نهشتها حراب السودانيين المحاربين الأشداء الرافضين للظالمين القادمين على ظهور أبنائهم الخونة، لقد تكرر نفس السيناريو من جديد، وابحرت الباخرة عينها الحاملة للجواسيس على ظهرها وهم يلوحون بالأغلال، فأمس رأينا الحملة المدججة بكل ما هو جديد ومتطور من السلاح وناقلات الجند وأجهزة التشويش المزودة بالتكنلوجيا المتقدمة، لكن قلوب احفاد المقدوم مسلم المحجوبة من شر شيطان وكلاء الغزاة، اوقعتهم في شر اعمالهم بأن اصبحوا مثل الطير المهيض الجناح بأيدي أشبال، لا تخطئ اعينهم اخمص أصابع أقدام المعتدين وهم

يطئون أرض كردفان الغرّة، التي أقسمت أن لا يقيم بها فاسق زنديق متاجر بالدين، أو عميل أجير متآمر مع المتآمرين.

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.