تزداد ظاهرة التفلتات الأمنية والقتل خارج نطاق القانون بشكل مستمر، وكان آخرها مقتل شاب في منطقة الحتانة بمدينة أم درمان في وضح النهار. وعلى إثر الحادث، زار والي الخرطوم أحمد عثمان أسرة الضحية في العزاء، وتعهد بمحاربة العصابات الإجرامية في العاصمة.

الخرطوم: التغيير

تعيش ولاية الخرطوم في ظل حالة من انعدام الأمن بسبب التفلتات الأمنية التي يرتكبها بعض الجنود الذين يرتدون زي القوات المتحالفة مع الجيش السوداني، وذلك منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023. وتفاقمت هذه الظاهرة في ظل غياب القانون والمحاسبة، مما أدى إلى تزايد شكاوى المواطنين الذين يعانون من هذه الانتهاكات التي لم تجد السلطات لها حلاً حتى الآن.

ويشتكي المواطنون في عدة مناطق من الخرطوم حالة من الانفلات الأمني وانعدام الاستقرار، حيث تتعرض المحال التجارية والمنازل للسرقات من قبل مسلحين يستغلون حالة السيولة الأمنية وانتشار السلاح، الذي يهدد حياة السكان.

ازدياد ظاهرة التفلتات

تزداد ظاهرة التفلتات الأمنية والقتل خارج نطاق القانون بشكل مستمر، وكان آخرها مقتل شاب في منطقة الحتانة بمدينة أم درمان في وضح النهار. وعلى إثر الحادث، زار والي الخرطوم أحمد عثمان أسرة الضحية في العزاء، وتعهد بمحاربة العصابات الإجرامية في العاصمة من خلال تعزيز الانتشار الأمني وفتح مراكز الشرطة المجتمعية في الأحياء. ومع ذلك، سُجلت القضية ضد مجهول ولم يتم الكشف عن الجناة حتى الآن.

أسلحة ومخدرات

يقول المواطن محمد حسين (اسم مستعار) لـ (التغيير):  إن مناطق غرب الحارات بأم درمان أصبحت بؤرًا لتأجير الأسلحة وتوزيع المخدرات، وتجري فيها جرائم النهب والسلب بشكل علني.

وأشار إلى تعرض العديد من المنازل للسرقة ليلاً، وزيادة حالات إطلاق النار العشوائي بهدف ترويع الأهالي.

وأكد أن الناس لم يعودوا يشعرون بالأمان حتى داخل بيوتهم، حيث تُرتكب الجرائم أمام المنازل ويستهدف فيها الأطفال والنساء، وتُنتزع المجوهرات تحت تهديد السلاح.

بري والطائف

مدينة أم درمان ليست استثناء في منطقتي بري والطائف لقي مواطنين مصرعهم على يد قوات عسكرية تقاتل إلى جانب الجيش بحسب عضو بغرفة طوارئ بري.

وقال العضو الذي فضل حجب اسمه لدواع أمنية لـ (التغيير): إن منطقتي  بري اللاماب والرياض، شهدت مقتل شخصين على يد أفراد يرتدون زي القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، حيث تم استهدافهم ليلاً.

وأضاف: أفراد من القوة المشتركة كانوا في حالة سكر وقاموا بإيقاف شاب من منطقة بري اللاماب، وطلبوا منه تسليم هاتفه المحمول “الربيكا”، وعندما رفض أطلقوا عليه النار، والمنطقتين شرق الخرطوم تتعرضان لتجاوزات أمنية من قبل القوات النظامية والمشتركة، مما يجعل الخروج الليلي صعبًا للمواطنين بسبب هذه الانتهاكات.

ودعا عضو غرفة الطواريء السلطات في ولاية الخرطوم إلى التدخل الفوري لوقف الانتهاكات الأمنية التي تهدد أرواح المواطنين في مناطق شرق الخرطوم.

ظهور الفوضى

وظهرت الفوضى  بعد أن استعاد الجيش السوداني  السيطرة  الكاملة على ولاية الخرطوم في مارس الماضي، وإعلان خلو العاصمة من قوات الدعم السريع، الأمر الذي مهد لعودة آلاف المواطنين  إلى الخرطوم والاستقرار بها.

ودقت تنسيقية مقاومة كرري، في وقت سابق،  ناقوس الخطر  في مدينة أم درمان التي تشهد حالة نهب مؤسفة تقوم بها جهات نظامية محسوبة على الجيش. وقالت التنسيقة في بيان إن أم درمان تعيش تحت وطأة حملة نهب ممنهجة، يقودها بعض الجنود ومباحث الضرائب والسلطات المحلية، في ظل غياب القانون والمحاسبة.

وفي المقابل، قلل  مصدر باللجنة الأمنية بولاية الخرطوم، من انتشار حالة الابتزاز والنهب التي انتشر في ولاية الخرطوم. وقال المصدر،  لـ (التغيير)، إن بعض المجموعات ليس لها علاقة بالقوات النظامية وتقوم بارتداء زي القوات الرسمية، وتمارس ابتزاز ضد المواطنين والتجار، وسبق أن تم القبض على مجموعات منهم.

وأشار، إلى أن  اللجنة الأمنية  بتنسيق مع شرطة ولاية الخرطوم  وضعت خطة محكمة لتنفيذ أوامر الطوارئ والقبض على العصابات المنظمة التي تقوم بأعمال سرقة وابتزاز المواطنين.

وشدد المصدر على  أن الغرض من هذه الخطة  مكافحة الجريمة والقضاء عليها وإزالة الظواهر السلبية من المجتمع”.

وأوضح أن اللجنة الأمنية تقوم بحملات مكثفة لضبط حالات التفلتات الأمنية، بعد صدور قرار من رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان بإخلاء ولاية الخرطوم من القوات المقاتلة توطئة لعودة الحياة المدنية.

وكان  رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان أصدر في منتصف يوليو الجاري،   قرارًا يقضي بتفريغ العاصمة الخرطوم من جميع التشكيلات العسكرية والكيانات المسلحة خلال أسبوعين من تاريخ توقيع القرار.

ويأتي هذا القرار في وقت تتصاعد فيه شكاوى سكان العاصمة ومحلياتها المختلفة من تفاقم الوضع الأمني، في ظل استمرار وجود عناصر من الجيش وقوات مساندة له، إلى جانب مجموعات مسلحة “متفلتة” متهمة بارتكاب عمليات سرقة ونهب واسعة، مستغلين حالة الفراغ الأمني وضعف أداء الشرطة.

انتشار السلاح

إلى ذلك،  قال مصدر بالشرطة لـ (التغيير): إن الدولة تواجه تحديات في تغطية جميع المناطق بسبب انتشار السلاح، خاصة في أعقاب الحروب والكوارث والأزمات التي تخلق بيئة خصبة لأصحاب النفوس الضعيفة وأولئك الذين يستغلون الفراغ الأمني للقيام بأعمال عنف ومخالفة للقانون والقيم.

وأضاف: أن الشرطة بدأت تتحرك لملء الفراغات التي خلفتها المليشيا المتمردة بعد خروجها من المدن القرى، وأنها ستعمل على القضاء على الظواهر السلبية مثل انتحال صفة العسكريين وحمل السلاح واستخدامه لترويع الآمنين وقطع الطرقات مع عودة السلام.

وأكد أن هذه الظواهر ستزول مع انتهاء الحرب، ودعا المواطنين إلى المساعدة في استعادة الأمن من خلال الإبلاغ المباشر للشرطة وتشكيل نقاط حماية في المناطق السكنية لتقييد حركة المجرمين.

الانشغال بالمعارك

وبدوره، يرى الخبير الأمني علي الإمام، أن المتفلتين من الأجهزة الأمنية والعسكرية يستغلون الانشغال بالمعارك العسكرية ويقمون بارتكابهم العديد من التفلتات الأمنية السرقة والنهب.

وقال الإمام لـ (التغيير):  إن التجنيد في أوقات الحروب والنزاعات لا يخضع لمعايير التجنيد الطبيعية وإنما يعتمد على الراغبين في حمل السلاح والقتال دون النظر لأي اعتبارات أخرى، لذلك نجد أن العديد من المجرمين والمتفلتين وتجار المخدرات حملوا السلاح واعلموا إلى جانب طرفي الصراع تحت زريعة المشاركة في المعارك مع كل طرف ولكن الهدف الرئيسي لهم هو السرقة والنهب وترويج وتجارة المخدرات والخطف وغيرها من الجرائم.

وأشار إلى أن انتشار  الظاهرة لغياب الشرطة والأجهزة الأمنية عن أداء دورها الطبيعي في حفظ الأمن وانشغالها بالعمليات العسكرية، والتركيز على ضبط المشتبه في تعاونهم مع الدعم السريع قبل ضبط الأمن.

وأكد أن تعطل الأجهزة العدلية من نيابة وقضاء وتركيزها على الجرائم المتعلقة بالعمليات الحربية، مما خلق حالة من عدم الردع القانوني مما اغرى المتفلتين بالفوضى والنهب دون خوف من رادع او قانون.

ولفت الخبير الأمني، إلى أن أهم الأدوات لمعالجة هذه الظاهرة هي الإرادة السياسية، وتجريد المجرمين و المتفلتين من السلاح وابعادهم عن العمليات العسكرية واعتقال الذين يثبت ارتكابهم للجرائم”.

ودعا إلى ضرورة تفعيل عمل أقسام ومراكز الشرطة وتفريغها للعمل الأمني وتسييرها للدوريات الأمنية المشتركة مع الشرطة العسكرية، وتفعيل دور الاجهزة العدلية والقضائية من نيابات ومحاكم وتقديم المتفلتين للمحاكمات الناجزة والرادعة وفرض هيبة القانون والرهبة من العقاب

وكانت ولاية الخرطوم نشرت في وقت سابق، عشرات الارتكازات في شوارع أم درمان، بغرض السيطرة على التفلتات الأمنية  منذ سيطرة الجيش أحياء كثيرة بالمدينة، إلا أن هذه الارتكازات لم تساعد في إيقاف السرقة والابتزاز، حيث أصبحت بعض تلك الارتكازات أماكن للابتزاز والنهب والنهب ضد المدنيين.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.