الحل الداخلي هو البديل للتسوية التي تعيد إنتاج الحرب
تاج السر عثمان بابو
1
اشرنا سابقا الى مقابلة البرهان لمستشار الرئيس الأمريكي ترامب في سويسرا، وما نتج عنها من تغييرات في الجيش وجهاز الأمن والنيابة العامة، تمهيدا لفترة قادمة تجرى فيها تسوية ولوقف إطلاق النار، علما بأن التسوية تتم في ظروف يشتد فيها صراع المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب، بهدف نيل نصيبها من أراضي وثروات البلاد، والحصول على موطئ قدم على ساحل البحر الأحمر، مع ضمان مصالح الولايات المتحدة في المعادن، وإزاحة المنافسين لها كما في روسيا والصين، وإبعاد الإرهابيين من السودان والمنطقة، اضافة لتصريح عقار نائب البرهان الأخير الذي أشار الى الاتجاه للسلام، وتصريح د. كامل إدريس بعد اول اجتماع لمجلس الوزراء حول الدعوة للحوار السوداني السوداني الشامل الذي لا يستثنى أحدا، والعمل على تحقيق السلام، وإعادة الإعمار. الخ.
يتم ذلك في ظروف معقدة تتطلب وقف الحرب والحل الشامل والعادل وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، بدلا من التسوية الجزئية بإعادة الشراكة مع العسكر والدعم السريع والمليشيات، والإفلات من العقاب، مما يعيد إنتاج الأزمة والحرب مرة أخرى، ويتم الاستمرار في الحلقة الجهنمية للانقلابات العسكرية.
2
كما أوضحنا في دراسة سابقة عن تجارب فشل الفترات الانتقالية السابقة، ودخول البلاد في الحلقة الجهنمية ( ديمقراطية انقلاب ديمقراطية.. انقلاب ..) حتى أخذت فترة الانقلابات العسكرية حوالي ٥٧ سنة من عمر الاستقلال البالغ أكثر من ٦٩ عاما ، كما حدث في:
فترة الديمقراطية الأولى بعد الاستقلال (1956 _ 1958) التي انتهت بانقلاب ١٧ نوفمبر ١٩٥٨ العسكري، الذي استمر لفترة ست سنوات، وتمت الإطاحة به بثورة شعبية في أكتوبر ١٩٦٤.
فترة الديمقراطية الثانية (19641969) بعد ثورة اكتوبر 1964 التي قوضها انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩، الذي استمر لمدة ١٦ عاما، أطاحت به انتفاضة مارس ابريل ١٩٨٥.
فترة الديمقراطية الثالثة (1985 1989) التي جاءت بعد انتفاضة مارس أبريل ١٩٨٥ ، و اطاح بها انقلاب الإسلاميون في ٣٠ يونيو ١٩٨٩، الذي استمر ٣٠ عاما.
فترة اتفاقية نيفاشا ( 2005 ٢٠١١) التي لم يتم تنفيذ مهامها بتحقيق الوحدة الجاذبة وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والتنمية المتوازنة، وانتهت بفصل الجنوب.
الفترة الانتقالية بعد ثورة ديسمبر 2018 (٢٠١٩ ٢٠٢١) التي قطع الطريق أمامها انقلاب اللجنة الأمنية في 11 ابريل 2019 الذي تحور إلى سلسلة انقلابات كما في مجزرة فض الاعتصام ، الانقلاب على الوثيقة الدستورية “المعيبة” ، حتى انتهت بانقلاب 25 اكتوبر الذي نفذته اللجنة الأمنية مع الكيزان وحركات اتفاق جوبا الذي قضي على الوثيقة الدستورية,وقاد للحرب اللعينة الجارية حاليا بهدف تصفية ثورة ديسمبر، ومواصلة نهب ثروات البلاد بدعم من المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب.كما يحاول عبثا قادة انقلاب ٢٥ أكتوبر الذي وجدا رفضا واسعا داخليا وخارجيا، وفشل حتى في تكوين حكومة، تسويق نفسه بواجهة مدنية كما في تعيين د. كامل إدريس رئيس للوزراء، لكن سرعان ما انكشف قناعهم بتدخل العسكر في تعيين وزيري الدفاع والداخلية، والإبقاء على لمحاصصات ومناصب اتفاق جوبا، إضافة لتكوين حكومة موازية لحكومة بورتسودان في نيالا، مما يهدد بتقسيم البلاد، ويطيل أمد الحرب، علما بأنه بدون وقف الحرب واستعادة مسار الثورة، لا يمكن إعادة الإعمار واستقرار خدمات التعليم والصحة والدواء وخدمات المياه والكهرباء والانترنت والاتصالات، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية، وضمان عودة النازحين لمنازلهم و لمدنهم وقراهم وحواكيرهم.
3
الشاهد أنه لم يتم الاستفادة من التجارب الماضية في قيام نظام ديمقراطي مستقر، هذا يرجع إلى عدة عوامل منها:
السياسات والمصالح الطبقية لقادة الأحزاب التقليدية والرأسمالية الطفيلية الإسلاموية والعسكرية والجديدة، والدوائر الخارجية التي تدخلت في الشؤون الداخلية لخدمة مصالحها لنهب موارد البلاد الاقتصادية، وفصل الجنوب، والسير في طريق التنمية الرأسمالية الذي كرّس التبعية والتبادل غير المتكافئ ، والتنمية غير المتوازنة، مما كرّس الفقر والتخلف.
الانقلابات العسكرية التي قوضت التجارب الديمقراطية الثلاث،مما أدي لاستمرار الحلقة الجهنمية.
4
هذا الواقع المزري يتطلب الخروج من المسار القديم للحلقة الجهنمية والتبعية ورفض التسوية والشراكة مع طرفي الحرب التي تعيد إنتاج الأزمة، وضرورة الحل الجذري بترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، وهذا يتطلب:
التقييم التاقد لتجاربنا السابقة بهدف عدم تكرارها، وترسيخ الديمقراطية، ومعالجة أخطاء الديمقراطية بالمزيد من الديمقراطية لا الانقلاب عليها. وانتزاع الحكم المدني. الديمقراطي ، واستدامة الديمقراطية، وقيام المؤتمر الدستوري فالذي يتم فيه الاتفاق على شكل الحكم ودستور ديمقراطي وقانون انتخابات يفضي لانتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية، وانجاز مهام الثورة ، ومن المهم الوقوف سدا منيعا حتى لا تتكرر مآسي فشل التجارب الثلاثة، ونبقى مثل أل بوربون الذين عادوا بعد انتكاسة الثورة الفرنسية للسياسات السابقة نفسها التي أدت للأزمة “لم ينسوا شيئا، ولم يتعلموا شيئا”، وذهبت ريحهم بشكل اوسع من السابق..
المصدر: صحيفة التغيير