الحزب الشيوعي.. عام من العزلة
بعد أيام من صدور بيان مشترك جمع كل من حزب الأمة القومي، حزب البعث الأصل والحزب الشيوعي، وفي وقت استبشر فيه البعض بخروج الحزب الشيوعي من عزلته غير الجيدة سياسياً، تناقلت الاسافير البيان(المعتاد) من المكتب السياسي بالتملص من البيان الثلاثي المشار إليه، واصفاً أعضاء الحزب اللذين شاركوا في الإجتماعات مع حزبي الأمة و البعث بغير المفوضين، وهو سلوك درج عليه الحزب الشيوعي في السنوات الأخيرة منذ ان قرر بمحض إرادته ان يكون عائقا أمام الانتقال (لأشياء في نفسه) واضعاً خطه السياسي في خدمة أجندة أعداء الانتقال دون أن يبالي.
عقب إسقاط البشير وتدشين الفترة الانتقالية بدأ الحزب الشيوعي في وضع المتاريس أمام عملية الانتقال وعمل على النيل من وحدة القوى المدنية الحاضنة للفترة الانتقالية، إذ قام منسوبوا الحزب بالتورط في اختطاف واجهة الثورة (تجمع المهنيين السودانيين) والتسبب في تقسيمه إلى معسكرين، و واصل الحزب مساعيه ضد القوى المدنية بالإنسحاب من تحالف الإجماع الوطني ومن قوى الحرية والتغيير، وبدأ الحزب نشيطاً في معارضة حكومة الثورة من موقعه الجديد، مستخدماً أدوات متنوعة في مشروع إسقاط حكومة عبد الله حمدوك في تناغم تام مع أهداف الإسلاميين والعسكر في ذات الوقت، ووصلت درجة الفجور في معاداة حكومة الثورة وحاضنتها السياسية مرحلة أن قرر الحزب الشيوعي رفض التعامل والاجتماعات مع التحالفات وهو يقصد بذلك رفض التعامل مع الحرية والتغيير والإجماع الوطني باعتبارهما التحالفان القائمان.
وعندما وصل التوتر بين المكون المدني والعسكري زروته، وبدأ واضحاً ان العسكر في طريقهم للإنقلاب أصدر الحزب الشيوعي بياناً قال فيه انه لا يدعم أي من المعسكرين قبل أيام من إنقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، وعلى سبيل مكافأة الحزب على دوره في خدمة أجندة الانقلاب غض الانقلابيون البصر عن الحزب الشيوعي، ولم يتم إعتقال أي من قادته أو التضييق عليهم.
بعد الإنقلاب رفض الحزب الشيوعي التنسيق مع قوى الحرية والتغيير لمواجهة الانقلاب، وظل يهاجم الحرية والتغيير بدلاً عن الانقلاب، إلى ان اندلعت الحرب اللعينة، إذ قرر الحزب الشيوعي إعتزال العمل السياسي بصورة عملية، ورغم إعلان الموقف ضد الحرب، إلا انه رفض العمل مع القوى المدنية في معسكر (لا للحرب) ولم تعد له سيرة واضحة إلا في بعض البيانات الخجولة، لذلك أعتبر البعض ان البيان الثلاثي هو إعلان شيوعي بالخروج من البيدروم، غير انه سرعان ما أطاح بذلك الإعتبار مؤكداً استمراره داخل البيدروم ورافضاً العمل السياسي.
سألنا الصحفي عثمان فضل الله عن سر إختفاء الحزب الشيوعي فقال انه لم يختف، لأنه حزب كبير وفاعل وهو الحزب الوحيد الذي قام بفعل جماهيري مناهض للحرب من خلال تنفيذ وقفة احتجاجية ضد الحرب بمدينة عطبرة، ولكن عثمان يعتقد ان: (مايؤخذ على الحزب الشيوعي و وجد الاحتفاء من قوى الظلام هو موقفه السالب من الجهد المدني والذي ينظر إليه الكثيرون على انه مِعول إضعاف لقوى الثورة أن لم يكن هدم، وهو بالمنطق موقف داعم لتلك القوى التي أشعلت الحرب وتريد بها القضاء على ثورة ديسمبر وإرثها، وبالتالي موقف الحزب الشيوعي كان برداً وسلاما عليهم وهو يحقق لهم هدفهم بأكثر مما يفعلون هم إذ انه لايمكن لأحد أن يشكك في مايقوله الحزب عن القوى المدنية، التي تعمل الآلة الكيزانية على شيطنة كل ما تقوم به وعندما يسندها حزب مثل الحزب الشيوعي فذاك مالم تكن تحلم به، والواضح أن موقفهم من الحزب الآن موقف تكتيكي وسيتفرغون له بمجرد أن يتحقق هدفهم في الإنتهاء من القوى السياسية والمدنية الأخرى، لذا المنطق يقول ان على الحزب الشيوعي تقديم الإستراتيجي على التكتيكي).
طرحنا السؤال نفسه على حسام حيدر الصحفي والأمين العام السابق لمجلس الصحافة والمطبوعات فقال ان موقف الحزب الشيوعي الحالي متسق مع مواقفه منذ العام ٢٠٢٠م، وان الحزب الشيوعي ظل في موقف رد الفعل مما اضعف فاعليته وانه أصبح الآن مجرد صدى للأحداث، وهو ما يتفق معه فيه صلاح أحمد المحلل السياسي بالقول: (في تقديري الحزب الشيوعى يعاني من أزمة داخلية عميقة أفقدته التوازن والإستقامة وهو في أضعف حالة منذ تأسيسه).
منصة مجد
المصدر: صحيفة الراكوبة