الحركة الإسلامية.. التي لا يعرفها خصومها وأعداؤها..! «3»
وائل محجوب
• لقد مثلت ثورة ديسمبر ٢٠١٨م ابريل ٢٠١٩م، زلزالا سياسيا لنظام الإنقاذ، بعد ثلاثة عقود من الحكم العضوض والمدجج بالمليشيات والكتائب الجهادية، وهزيمة ماحقة لتخطيط وعمل متصل بدأ منذ ستينات القرن الماضي للهيمنة على الدولة بالإنقلاب، ولتدابير عملت على إختراقها وبسط الهيمنة عليها، من خلال خلايا تنتمي للحركة الإسلامية وتأتمر بأمرها.
• لقد مرغت ثورة ديسمبر أنف الحركة الإسلامية بالأرض، وهزمت كل تدابيرها الأمنية والعسكرية، وحطمت ثقتها الزائدة وسطوتها المعنوية، بعدما تصور قادتها وكوادرها انهم في حصن حصين عن إرادة الشعب وقوته، استنادا لقوة وبطش الأجهزة الأمنية والشرطية والنظامية المهيمنة عليها، وأجنحتها العسكرية، والمستعدة دوما لممارسة كافة أشكال البطش والترويع لخصومها ومن يتحركون ضدها.
• وللحق، فإن الحركة الاسلامية وواجهتها السياسية “المؤتمر الوطني”، قد صمموا الواقع السياسي، بعقلية أمنية، فلم يكن اختيار نظام الحكم الفيدرالي بما تضمنه من نظام للحكم المحلي، يبدأ من الحي مرورا بالمحلية والمجلس البلدي وانتهاء بالولاية، في تسعينات القرن الماضي، قد جاء إستجابة لدواعي علمية ومنهجية، بقدر ما كان إستجابة للدواعي الأمنية التي سعت من خلالها الحركة الاسلامية وحزبها الضرار، للسيطرة الكاملة على البلاد.
• وقد تم تأسيس وبناء الهيكل التنظيمي للحركة والحزب، والخلايا الأمنية الحزبية وقياداتها، بما يتطابق مع البناء الهيكلي للحكم المحلي، حتى تتم السيطرة عليه بالكامل بواسطة منسوبيها، ومراقبته بشكل دائم، كما تم تصميم الأجهزة الأمنية الرسمية للدولة، والحزبية التابعة للحركة الاسلامية، لتبدأ من الحي السكني في شكل لجان أمنية، تتدرج هرميا للمدينة والمحلية فالولاية، وقد ساعد ذلك على بسط السيطرة الأمنية على مختلف جهات البلاد، وسرعة التحرك لقمع أي تحرك مضاد للدولة مهما كان صغيرا، في مهده وقبل أن يتطور.
• لقد تمتعت هذه الأجهزة والمليشيات الحزبية، بالإمكانات المادية واللوجستية الضخمة التي تمول أنشطتها وتسليحها، وبالحرية الكاملة لتتحرك بأزياء كافة القوات النظامية، حسب ما تواجهه من أوضاع على الأرض، وهي أجهزة تخضع للتنظيم لا الدولة، وهي التي كانت جزء اساسيا من تدابير مجازر فض الاعتصامات، وكل الهجمات التي كانت تشن عليها، كما انها قد نشطت في قمع التظاهرات الرافضة لإنقلاب ٢٥ اكتوبر، الذي كان بالفعل انقلابا للثورة المضادة، وتقف من ورائه الحركة الاسلامية بمختلف لافتاتها، وقامت هذه المليشيات باغتيال عشرات من الشباب الثائر، واصابة الألاف غيرهم مع غيرها من القوات الأمنية والنظامية.
• وهي ذات العناصر التي كانت تحمل أسلحتها صبيحة ١٥ ابريل عند اندلاع الحرب، وإتخذت مواقعها في مختلف إدارات القوات المسلحة، وقبل وصول كثير من ضباطها وجنودها لمواقعهم.
• لقد خلقت الإنقاذ ومن خلال ثنائية الدولة والحزب/ الحركة، أكثر من جدار واقي من الانتفاضات والحراك السلمي، عبر المزاوجة بين الأجهزة الأمنية الرسمية، والمليشيات والأجهزة الأمنية الخاصة بالحركة والحزب، وهي لا تخضع لأي محاسبة وفوق القانون، وتتمتع بحماية وحصانة عليا، وتمتاز على الأجهزة الرسمية بسرعة التحرك والاستجابة للخطر، كما تمتلك التسليح الكافي، والموارد المادية والامكانات التقنية والأمنية، الموازية للدولة وغير الخاضعة لمراقبتها، وهي وإن بدت عشوائية الإ ان لها نظامها الداخلي، وتراتبيتها العسكرية التي تحكمها ويعرفها منتسبيها وقادتها من المدنيين.
• وهذه المليشيات والأجهزة الأمنية الحزبية، التابعة للحركة الاسلامية/ المؤتمر الوطني، كانت تتلاقى مع الأجهزة الأمنية الرسمية للدولة في هدف واحد فقط هو هدف حماية النظام، وتتحلى بحرية أكبر في الحركة والتصرف، وهي قد استعادت مواقعها كاملة عقب انقلاب ٢٥ اكتوبر.
• وللحق فإن الإنقاذ قد اضعفتها عوامل عديدة ومثلت شروخا في بنيانها، بدء من المفاصلة عام ١٩٩٩م، التي شقت صف الحركة الإسلامية، وتأثرت نتيجة لها كافة الأجهزة السياسية والأمنية للحركة، ولعبت لاحقا دورا في تأجيج الصراع واندلاع الحرب في اقليم دارفور، من خلال تشكل حركة العدل والمساوأة، التي تتشكل غالبية قواتها من عضوية سابقة للمؤتمرين الوطني والشعبي، حسمت أمرها بعد المفاصلة، وحقبة اتفاق نيفاشا ٢٠٠٥م، التي أجبرت الحركة وحزبها، على فتح المجال أمام القوى السياسية المختلفة استجابة لبنودها ولضغوط المجتمع الدولي، وتداعيات انفصال الجنوب في العام ٢٠١١م، الذي مثل انتكاسة سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى للدولة، وهبة سبتمبر ٢٠١٣م، التي أوشكت على اسقاط النظام، وكشفت ضعفه، وتراجع قدراته، وتبعات القمع الدموي لها، والذي أفقد الإنقاذ أي تعاطف معها، وجر عليها غضبا شعبيا كبيرا، وقاد لتفجر انقسامات داخل صفوفها، بسبب التعبير عن الرفض والغضب من الإستخدام المفرط للعنف، والذي نتج عنه سقوط ما يزيد عن مائتي شهيد وعشرات المصابين.
• كل هذه العوامل أضعفت نظام الانقاذ، وقادت لعزلته شعبيا وجماهيريا، وتفكك حاضنته بعد نزوع الطاغية عمر البشير لابعادها نسبيا ومحاولة الاستقواء بالقوات النظامية والأجهزة الأمنية ومليشيا الجنجويد والمجموعات القبلية، في مواجهة تصاعد النقمة الداخلية بسبب رغبته الجامحة للبقاء على سدة السلطة، وقد ساهمت كل تلك العوامل، في تراكم الظروف الموضوعية التي قادت لاحقا لإندلاع ثورة ديسمبر وإنهيار النظام في مواجهة الجموع الثورية الكاسحة، التي عمت أمواجها المتلاطمة كل انحاء البلاد.
• لقد تلقت الحركة وحزبها أكبر ضربة في تاريخها، للحد الذي أذهل قادتها، ممن أمنوا مكر الله، وصدقوا كذبتهم بأن حكمهم دائم الى أن يرث الله الأرض وما عليها، لتأت ديسمبر كالصاعقة، التي أفقدت الكثير منهم شجاعتهم وتماسكهم، وأورثتهم وغالب المنتفعين من نظامهم، غلا وكرها وحقدا على الثورة وقادتها وكل من سار في طريقها.
• لقد وجهت ديسمبر ضربة كبيرة ومميتة للحركة الاسلامية، جماهيريا ومعنويا وسياسيا، ومع ذلك لم تكن تلك بالضربة القاضية القاتلة، لا سيما مع جهل وعدم قدرة من تولوا زمام الأمور بعدها لحسمهم، وتصفيه جيوبهم داخل جهاز الدولة، ومع اختراقهم الكبير للقوات النظامية.
• لذلك فقد استطاعت امتصاص زلزال ديسمبر/ ابريل، وعادت بشكل سريع لتدابير التأمين والعمل السري، عقب نجاح الثورة في الإطاحة برأسها وحكمها، فأخفت من أخفت تحت الأرض، وأخرجت من تريد من قادتها خارج البلاد، وهربت ملايين الدولارات لحسابات خارجية، وأعادت تأسيس وبناء منظومتها الاعلامية وغرفها الإعلامية الالكترونية، وعالجت انفراطها التنظيمي، بالتركيز على النواة الصلبة، وهي أجهزتها الأمنية والعسكرية الحزبية الخاصة، قد تم كل ذلك بدعم وإسناد من القادة العسكريين والأجهزة الأمنية للدولة.
• وعودا على بدء، فإن القادة العسكريين والأمنيين الذين حققت معهم القيادية بالمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية سناء حمد، هم من المنتمين بلا شك لخلايا الحركة الاسلامية وتنظيمها العسكري، فمن المعلوم ان تحقيقا مثل هذا، لا يمكن أن يشمل الإ الملتزمين سياسيا تجاه الحركة ويخضعون للوائحها ولقيادتها السياسية المدنية، والذين يمثلون لهولاء القادة الأمراء الدينيين والسياسيين، أو كما قال الفريق أول هاشم عبد المطلب، وفي تقديري أن ذلك وحده كاف عما عداه، للرد على مطلقي مصطلح “الكيزان فوبيا”.. ليتهم يعقلون..!
(إنتهى)
المصدر: صحيفة التغيير