د. أحمد التيجاني سيد أحمد
مقدمة
لم تولد الحركات الجهادية التدميرية في السودان مع انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩، بل سبقتها عقود من العمل المنظم الذي قادته الحركة الإسلامية السودانية لاختراق المجتمع والدولة. كان الهدف تحويل الدين إلى أداة سلطة، وبناء شبكات قمع مسلحة تسبق حتى السيطرة على الحكم. لكن بعد ١٩٨٩، صار المشروع شاملًا: تمكين سياسي واجتماعي واقتصادي وعسكري، مدعومًا بتحالفات إقليمية، ليحوّل السودان إلى منصة للعنف الممنهج.
١. الجذور قبل ١٩٨٩: التمهيد للجهادية السياسية
الإخوان المسلمون وجبهة الميثاق الإسلامي منذ الخمسينات، ركّزوا على المدارس والجامعات والنقابات.
المصالحة الوطنية مع جعفر نميري عام ١٩٧٧ أعادت قياداتهم إلى الداخل، ومكّنتهم من الاندماج في مؤسسات الدولة والجيش.
قوانين سبتمبر ١٩٨٣ دشنت مرحلة أسلمة التشريعات وتبرير العنف باسم الدين.
تأسيس نواة قوات الدفاع الشعبي كذراع جهادية لمساندة الجيش في الحرب الأهلية.
٢. بعد انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩: التمكين الشامل وبناء المليشيات
١. التمكين الاجتماعي والسياسي:
إقصاء آلاف الموظفين والضباط.
إحلال الكوادر الموالية، أسلمة المناهج، السيطرة على القضاء والإعلام.
٢. التمكين العسكري والأمني:
توسيع الدفاع الشعبي.
إنشاء كتائب الإسناد وكتائب الظل والأمن الطلابي.
٣. التمكين الاقتصادي:
خصخصة ونهب المؤسسات.
شركات واجهة لتمويل الحرب.
ربط الاقتصاد بدول حليفة (إيران، تركيا، ماليزيا).
٣. كتائب الإسناد: الذراع الخفي للبطش
ظهرت في التسعينات كـ”قوات مساندة” للجيش، لكنها عملت فعليًا كقوة قمع داخلي وحماية لقيادات الحركة.
تجنيد من المتشددين الإسلاميين وتدريب على الاغتيالات والاقتحامات.
شاركت في قمع المظاهرات، اغتيالات، وحملات اعتقال.
٤. حوادث بخت الرضا: نموذج للتصفية المستهدفة
يوليو ٢٠١٧: فصل عشرات الطلاب، معظمهم من دارفور.
احتجاجات ومسيرات سلمية نحو الخرطوم.
كمائن على الطرق نفذتها قوات الأمن وكتائب الإسناد، سقط خلالها قتلى وجرحى.
الإعلام الرسمي شيطن الطلاب ووصفهم بالمخربين.
٥. مجزرة القيادة العامة (٣ يونيو ٢٠١٩).
لم يكن تنفيذ فض الاعتصام أمام القيادة العامة من قبل قوات الدعم السريع النظامية كما روّج إعلام الكيزان، بل نفذته مليشيات الحركة الإسلامية التي ارتدت زي الدعم السريع، وجاءت بسيارات تحمل شاراته لتضليل الرأي العام. لذلك دابت اللجنة التي كونها البرهان و اوكل الي التحقيق فيها المحامي نبيل أديب الي المماطلة و اخفاء الحقايق طوال الفترة التي عملت فيها
٦. حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣: ذروة مشروع الإبادة
الجيش: قصف أحياء الخرطوم وأم درمان وبحري بالمدفعية والطيران.
مصر: سلاح الجو المصري دمّر جسورًا حيوية (المنشية، الحلفايا).
الفلول: إعادة تشغيل شبكات كتائب الإسناد والظل للاغتيالات وجمع المعلومات.
النتيجة: كارثة إنسانية، نزوح، وتدمير للبنية الاجتماعية.
٧. من كتائب الإسناد إلى كتائب البراء: التطور الأخير لثقافة القتل
كتائب البراء ظهرت بعد ٢٠١٩ كتشكيل عقائدي أكثر تطرفًا.
عقيدة تكفيرية تبرر القتل والتمثيل بالجثث.
شاركت في حرب الخرطوم، وارتبطت بعمليات تصفية مدنيين.
٨. الدور الخارجي مصر الأكثر تغوّلًا وهدمًا
أ. الجذور التاريخية:
الغزو التركيالمصري ١٨٢١ أسس لفكرة السودان كملحق جغرافي.
سياسات الهيمنة استمرت خلال القرن العشرين.
ب. التحالف مع الحركة الإسلامية:
تنسيق أمني بعد محاولة اغتيال مبارك ١٩٩٥.
استثمار الانقسام السوداني لخدمة مصالح مصر في مياه النيل وحلايب.
ج. ما بعد ٢٠١٩:
دعم القيادات العسكرية الموالية للكيزان.
استضافة اجتماعات سرية وتوفير منصات إعلامية.
د. حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣:
قصف جوي مصري للجسور الحيوية.
دعم لوجستي واستخباراتي للجيش السوداني.
هدف استراتيجي: منع أي قوى جديدة من السيطرة على العاصمة.
هـ. الأثر:
إطالة أمد الحرب.
تعميق الانقسام الداخلي.
تكريس التبعية وفقدان القرار السيادي.
٩. أدوار تركيا وإيران
تركيا: شراكة أيديولوجية، استثمارات واجهات، اتفاقيات موانئ وزراعة، دعم تدريبي وأمني.
إيران: دعم بالسلاح والتدريب منذ التسعينات، تعاون استخباراتي، تزويد بتقنيات المراقبة والقمع.
١٠. الخلاصة
على مدى أربعة عقود، نسجت الحركة الإسلامية شبكة متكاملة من المليشيات والأجهزة القمعية، بدعم مباشر من حلفاء خارجيين، وعلى رأسهم مصر، لتحويل السودان إلى دولة بلا سيادة، تعيش في دوامة العنف. من الدفاع الشعبي إلى كتائب البراء، ظل الهدف ثابتًا: التمكين بالقوة، وإخضاع المجتمع، وتفكيك الدولة الحديثة.
المصادر
مقالات سلسلة “كيزانيات” د. أحمد التيجاني سيد أحمد.
تقارير منظمات حقوق الإنسان السودانية والدولية (٢٠١٧٢٠٢٥).
شهادات موثقة من ضباط سابقين، منهم اللواء محمد صلاح جنكيز.
بيانات قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة حول مجزرة القيادة العامة.
تقارير صحفية عن تدخلات مصر وتركيا وإيران في السودان (٢٠١٩٢٠٢٥).
أرشيف الحروب السودانية ١٩٨٩٢٠١٩: قوات الدفاع الشعبي، كتائب الإسناد، كتائب البراء.
المصدر: صحيفة الراكوبة