الحرب ونتيجة الشهادة الابتدائية بولاية القضارف

جعفر خضر
الحرب تتسبب في عام دراسي متأخر وقصير
ثلث طلاب المرحلة الابتدائية يتسربون بين الصف الرابع والسادس
نسبة نجاح الشهادة الابتدائية بولاية القضارف 51.7% .
محلية الفاو الأولى رغم ان الحرب طالت أطرافها
مدارس بلدية القضارف تتفوق على المحليات
البنات يتفوقن على البنين
أعلنت الأسبوع الماضي (27 فبراير 2025م) نتيجة الشهادة الابتدائية للعام 2024م، التي تنعقد للمرة الثانية بولاية القضارف.
كان المدى الزمني بين امتحان الشهادة الابتدائية السابق، وامتحان الشهادة هذا العام، سنة وسبعة أشهر. فقد كان بدء العام الدراسي واكتماله تحديا كبيرا في ظل حرب المليشيا على الشعب السوداني، التي تمددت في أنحاء السودان وطالت أطراف ولاية القضارف. وقد تسبب تأخر العام الدراسي في قلق كبير وضغط نفسي على التلاميذ والأسر. وقد حاولت بعض الأسر اللجوء إلى خارج الوطن بدافع تعليم الأبناء، ولكن هذا الخيار لم يكن ممكنا للأغلبية الساحقة من ابناء الولاية والنازحين، لذلك فإن انتظام العام الدراسي وانعقاد امتحان الشهادة الابتدائية مثل راحة نفسية كبيرة للمواطنين.
تسرب التلاميذ :
بلغ جملة عدد المتقدمين لامتحان شهادة التعليم الابتدائي بولاية القضارف للعام 2024م (الامتحان انعقد في فبراير 2025م) بلغ 34,494 تلميذا وتلميذة. وبلغ عدد المتقدمين نظامي 30,498 تلميذا وتلميذة، مما يعني ان هنالك حوالي 4000 تلميذا وتلميذة تقدموا في أنماط التعليم الأخرى : اتحاد معلمين، وتعليم كبار، والمنازل. وبلغ عدد الجالسين نظامي 28,836 تلميذا وتلميذة، إذ بلغت نسبة الغياب عن الامتحان من جملة المتقدمين نظامي قرابة ال 6%.
بسبب الحرب بدأ العام الدراسي في يونيو أي في بداية فصل الخريف، وهذا هو التوقيت الذي ظلت محليات القضارف تغلق فيه مدارسها، إذ أنها ضمن تقويم ما كان يعرف بالمجموعة “ب” التي تغلق ابوابها في الخريف لتتيح للتلاميذ الانخراط في الزراعة مع ذويهم، وهؤلاء يمثلون أغلبية مدارس الولاية وتلاميذها؛ يتوقع أن يكون هذا قد تسبب في إحجام أعداد مقدرة من التقديم للامتحان منذ البداية، وربما عوض المتقدمون للامتحان من نازحي الخرطوم والجزيرة وولاية سنار هذا الفرق، مما جعل عدد المتقدمين للامتحان مقاربا لعددهم في العام الدراسي السابق.
ثلث التلاميذ يتسربون بين الصف الرابع والسادس:
إن تلاميذ وتلميذات الصف السادس نظامي الذين تقدموا لامتحان هذا العام بلغ عددهم 30498 تلميذا وتلميذة. لكنهم عندما كانوا في الصف الثالث في العام 2021م كان عددهم 48,935 (حسب الكتاب الإحصائي 2021م)، وعندما كانوا في الصف الرابع في العام 2022م كان عددهم 48,860 (حسب الكتاب الاحصائي 2022م)؛ ما يعني أن أكثر من ثلثهم (18 ألف) قد هجروا المدارس في السنتين الأخيرتين!! وقد بلغ هذا الهدر في امتحان الشهادة الابتدائية للعام 2023م أكثر من 15 ألف. إنها ظاهرة جديرة بالدراسة لمعرفة المشكلة وإيجاد الحلول.
نسبة النجاح :
لقد بلغت نسبة النجاح العامة 51.7%، مقارنة بنسبة نجاح 52% في العام الدراسي السابق. وبلغ عدد الناجحين نظامي 16,057 بنسبة نجاح 55.7٪.
بسبب ظروف الحرب كان العام الدراسي قصيرا وضاغطا، استمر لمدة ثمانية أشهر فقط، فقد بدأ في يونيو 2024م وانتهى في فبراير 2025م، مما أثر سلبا على التحصيل الاكاديمي. كما أن مدارس الولاية تعاني من أمراض مزمنة : بيئة متردية يفتقر معظمها لمياه الشرب وشح الكهرباء وسوء الإجلاس؛ كما أن الكتاب المدرسي غير متوفر للتلاميذ، يحصل عليه البعض بشرائه ويستعصي على الكثيرين. وقد أضحت الكثير من المدارس مراكز ايواء للنازحين مما ضاعف الضغط عليها، ولم تفلح الحكومة والمنظمات في توفير بدائل لكل النازحين، إذ أن بعضهم لا يزال يسكن في المدارس حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
وقد قدم المعلمون تضحيات جسام، باستمرارهم في التدريس رغم المرتبات الضعيفة، والتي كانوا قد طالبوا بزيادتها قبل أكثر من عامين. لقد لبى المعلمون نداء الوطن، هذا العام، دون مطالبة بزيادة المرتبات، رغم أن التضخم قد أكل معظم مرتباتهم، التي يحصلون عليها بالكاد في ظل شح السيولة الذي واكب تغيير العملة. كما تضاعفت أعباء بعض المعلمين الذين صاروا مشرفين على مراكز الايواء في مدارسهم.
البنات يتفوقن على البنين:
إن عدد البنات المتقدمات لامتحان الشهادة الابتدائية في الولاية أكبر من عدد البنين، بفارق 2,948 مقارنة بفارق 659 السنة الماضية.
وحازت البنات على المراكز الأولى ، إذ أن عدد مدارس البنات الأوائل 13 مدرسة، مقابل 8 مدارس بنين؛ كما نجد أن عدد البنات في الأوائل 26 مقابل 10 أولاد .
كذلك نجد أن عدد البنات اللائي أحرزن الدرجة الكاملة أكثر من الأولاد في مواد : التربية الإسلامية، التربية المسيحية، اللغة العربية، اللغة الانجليزية، الرياضيات، العلوم، الجغرافيا، التكنولوجيا؛ لم يتفوق الأولاد إلا في مادة التاريخ.
محلية الفاو الأولى :
احتلت أربع محليات المراكز الأربعة الأولى من حيث نسبة التحصيل ونسبة النجاح في ذات الوقت، وهي بالترتيب : الفاو، الفشقة، بلدية القضارف، ريفي وسط القضارف. إذ جاءت محلية الفاو، التي طالت الحرب أطرافها، في المركز الأول بنسبة تحصيل 59% ونسبة نجاح 72.9%.
تليهم، من حيث نسبة التحصيل في المركز الخامس والسادس والسابع على التوالي : الرهد، المفازة، قلع النحل؛ اما من حيث نسبة النجاح فإن قلع النحل تأتي في المركز الخامس، تليها الرهد ثم المفازة.
وجاءت في المراكز الخمسة الأخيرة من حيث نسبة التحصيل ونسبة النجاح معا على الترتيب : البطانة القلابات الشرقية القلابات الغربية، الرهد ، باسندة، المفازة. وقد احتلت محلية القريشة المركز الأخير بنسبة تحصيل 39.5% ونسبة نجاح 27.4%.
الأوائل من مدينة القضارف:
استأثرت بلدية القضارف بالمقاعد الأولى في قائمة المدارس والتلاميذ.
إن المدارس الأوائل حسب نسبة التحصيل من جملة العشرين الأوائل نجد 17 منها تقع ببلدية القضارف بنسبة 81% وأكثرها مدارس خاصة. ولو تم استبعاد المدارس الخاصة من المنافسة، لتدحرجت بلدية القضارف إلى مراكز متأخرة في الترتيب، خاصة وأن المدارس الخاصة تكاد تقتصر على بلدية القضارف.
رغم ان محلية الفاو الأولى من حيث نسبة التحصيل والنجاح، إلا إنها حازت على 3 فقط من المدارس الأوائل بنسبة 14%. ومدرسة واحدة بمحلية ريفي وسط القضارف بنسبه 5%. وغابت بقية المحليات عن قائمة المدارس الأوائل .
كما نجد عدد 25 من التلاميذ والتلميذات الأوائل قد امتحنوا من بلدية القضارف (من جملة 36) يمثلون 69%.
ونجد أن هنالك 7 من محلية الفاو في قائمة الأوائل ويمثلون 19% . وهنالك اثنان في قائمة الاوائل من محلية القلابات الشرقية بنسبة تقارب 6%؛ وواحد من محلية وسط القضارف وآخر من محلية الفشقة تمثل قرابة 3% لكل.
إن بلدية القضارف بها 35% من التلاميذ المتقدمين للامتحان وقرابة هذه النسبة من الجالسين فعليا، فكان ينبغي أن يكون منها نفس هذه النسبة من المدارس الأولى ومن التلميذات والتلاميذ الأوائل . ولكن البلدية بها 81% من المدارس الأوائل؛ و69% من التلاميذ والتلميذات الأوائل.
مما يؤكد المعروف بوجود فوارق تعليمية جلية بين مدينة القضارف والمحليات لصالح المدينة.
ولكن نتيجة شهادة الأساس تشير أيضا إلى فوارق تعليمية داخل بلدية القضارف نفسها، إذ نجد في المدارس الأوائل 11 مدرسة خاصة، مقابل 6 مدارس حكومية هي: أبايو المزدوجة الإبتدائية بنات، أبايو شمال الابتدائية بنات، الجباراب شرق الابتدائية بنات، وديم حمد الابتدائية بنات، والمفرقعات الابتدائية بنات؛ وهي ذات المدارس الاوائل في العام الفائت؛ انضافت اليهم هذا العام مدرسة أبايو “ب” بنين وغابت معظم مدارس الأحياء عن المنافسة.
خاتمة:
رغم تدني نسبة النجاح إلا أن انعقاد الامتحان نفسه نجاح.
لقد كان العام الدراسي 2024م عاما استثنائيا في ظل الحرب، إذ صارت المدارس مواضعا لتعليم الدارسين، ومراكزا لايواء النازحين. وقدم المعلمون تضحيات كبيرة تدريسا واشرافا في ظل ضعف المرتبات. وقد اخرج انتظام العام الدراسي وانعقاد امتحان الشهادة الابتدائية التلاميذ والأسر من دائرة اليأس والقنوط.
ولكن يجب على السلطات ان توفر للعام الدراسي الجديد، الحد الأدني من الموارد للتعليم، حتى يكون للعملية التعليمية التعلمية جدواها. أما بعد ان تضع الحرب أوزارها فلا سبيل سوى أن يكون للتعليم نصيب الأسد من الموارد، ليصل التعليم. الجيد لكل طفل في أي قرية نائية حتى نخرج من دائرة الحروب إلى الأبد.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة