الحرب في السودان والشرعية المفقودة
طلعت محمد الطيب
أدرك الغرب خاصة بعد الحرب العالمية الثانية ، حقيقة أن شرعية أي نظام سياسي legitimacy تستمد من قبول أغلبية الشعب له ، وهذا ما ساهم في صعود حزب العمال في بريطانيا إلي الحكم بعد انتهاء الحرب ، رغم أن ذلك كان قد جاء خصما علي حساب رئيس الوزراء ونستون شرشل وشعبيته الكاسحة بإعتباره أشهر ابطال الحرب آنذاك ، وكذلك فعل الرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت حينما طبق ما عرف “بالصفقة الجديده” وفي الحالتين مكن برنامج حزب العمال في بريطانيا والديمقراطيين في الولايات المتحدة شرائح واسعة من الشعب في أن يعيشوا هم وأبنائهم حياة أفضل.
ربما كان أهم ما جاء في آخر ظهور لقائد الدعم السريع هو إتهامه لمصر بمساعدة الجيش في قصف مواقع قوات الدعم السريع في جبل موية.
والحقيقة أن تدخل مصر في الحرب السودانية شئ مزعج اذا صحت إتهامات حميدتي وننتظر منه تقديم ادلة كي تدعم هذا الإتهام.
ليس معني ذلك انني أستبعد تدخل مصر ولكني استغرب له ، واخشى أن تكون أن الحكومة المصرية قد لعبت دور التمثيل الدبلوماسى والسياسي للأخوان المسلمين جناح المؤتمر الوطني في السودان ، والذي يعيش عزله دولية، وهو شئ للاسف شبيه بالدور التركي في تمثيل حركة الإخوان المسلمين المصرية ، مستفيدة من وضعها السياسي ومن عضويتها في حلف الناتو. والتمثيل السياسي والدبلوماسي يعني التفاوض مع المجتمع الدولي لفك الحصار عنهم وهي ، أي تركيا ، تلعب دورا أهم من الدور الذي ظلت تلعبه دولة قطر رغم ان الأخيرة تقوم باعباء الدعم المادي والإعلامي للاسلام السياسي بالمنطقه.
أنا هنا لا أتناول مسألة الدعم المصري للجيش السوداني المختطف من قبل جماعة الاخوان المسلمين والتي تسيطر على قراراته بشكل كامل ، وذلك من باب الكراهية لمصر لأنني أري في ذلك ” شعوبية ” بغيضة “popularism يعاني منها عدد كبير من الافراد سواء كانوا مصريين أو سودانيين ولأسباب مختلفة وتصورات تقوم علي المعرفة البدهية او الحدس الذي يتغذي علي الشائعات بدلا عن معرفة الحقائق والوعي بالتحديات الحضارية التي تواجه البلدين، ولذلك فهي تعتبر تصورات خاطئة تماما .
فاللغة والجغرافيا والثقافة عموما جعلت تأثير مصر علي السودان كبيرا جدا ، منه الصالح ومنه الطالح مافي ذلك شك ، ولكن في تعاملنا مع تلك العلاقة ذات التعقيدات الكثيرة بين البلدين، علينا الانطلاق من أهم المنصات والتحديات التي تواجه الشعبين وهما التهديد الحضاري الذي تمثله جماعات الإسلام السياسي من جهة وقضايا أخري ذات أبعاد ثقافية وتربوية في المجتمعات المصرية والسودانية ترتبط باضرار إرتفاع عدد المواليد بشكل كبير واثره السلبي علي التنمية وضغطه علي الموارد المحدودة.
يبدو أن الحكومة المصرية الحالية في معركتها الحضارية مع جماعات الإخوان المسلمين والسلفيين قد اتجهت إلي بناء المؤسسات والي التعمير في البني التحتية لمصر وهو إتجاه سليم رغم أثاره الجانبية السالبة سواء اكان في الفكرة أو في التنفيذ، والتي ظهرت في ديون مصر وتخفيض عملتها الوطنية والتضخم الذي يعاني منها الشعب المصري خاصة الشرائح الفقيرة والتي مازالت تمثل الأغلبية. لكن الاتجاه إلي بناء المؤسسات يساعد علي ضخ التفكير العقلاني في المجتمع علي حساب الإنشغال بالقضايا الوجودية الكبري بإعتبار انها قضايا تخص الافراد في نهاية الأمر.
من المعروف أن عدد كبير من السودانيين كانوا قد إستبشروا خيرا بخبر بانتصارات الجيش التي جاءت من اعلام فلول النظام السابق من جماعات الإسلام السياسي، فخرج الناس في فرح وابتهاج لانتصارات الجيش ” المزعومه ” تلك ، وخبر تحرير مدينة بحري ومصفاة البترول في الجيلي. وليس لدي شك في أن تلك البهجه وذلك التاييد للجيش هو تأييد مشروط بوقف الحرب ورجوع الناس إلي منازلهم واوضاعهم السابقة ، بعد أن مزقت الحرب احلامهم ونسيجهم الاجتماعي وافقدتهم الأعزاء من الاهل والأصدقاء.
اذن فإن تأييدهم للجيش قد جاء بناءا علي معلومات مضللة يقوم بضخها أنصار النظام السابق واعلامهم المدعوم بغرض إضعاف معسكر السلام المطالب بوقف الحرب فورا عن طريق التفاوض.
ويبدو أن الجماهير السودانية مازالت في اغلبها ترفض الرجوع إلي العيش تحت حكم النظام السابق لكن اعلام الإخوان المسلمين مازال يستجدى مسألة “إظهار قبول الشعب لهم” ولو عن طريق الكذب والتدليس واستخدام مؤسسة الجيش التي يسيطرون علي قراراتها.
واخشي أن تكون الحكومة المصرية قد ساعدتهم علي تسويق ذلك للمجتمع الدولي خاصة وأن الجميع يعلم دور كتائب الإخوان المسلمين الواضح في هذه الحرب. إن محاولات إقناع المجتمع الدولي والاقليمي بأن غالبية شعب السودان يؤيد جيشه في حربه ضد قوات الدعم السريع خطأ فادح ، ويعد بمثابة تسويق لسلعة فاسدة لأن الشعب في حقيقة الأمر يتوق إلى وقف الحرب وعودة الحياة في السودان الي طبيعتها.
من الضروري في الوقت الراهن إقناع الإدارة المصرية بالتخلي عن دعمها السياسي والدبلوماسي والعسكري إن وجد، للجيش السوداني وقياداته التي تسببت في اندلاع الحرب والإصرار علي استطالة امدها بمواقفها الرافضة للتفاوض حتي تضع الحرب أوزارها.
نتمنى أن تهتم حكومة مصر بالمنصات ذات الطابع الاستراتيجي المذكورة بعاليه وان تدرك قبل فوات الاوان ان منح انصار النظام السابق في السودان شرعيةزائفة خطأ في حق الحاضر وفي حق المستقبل والأجيال القادمة.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة