في مدينةٍ مثل زيورخ، حيث التنوع يُكتب على الوجوه واللغات واللهجات، قررت امرأة شابة أن تغيّر قواعد اللعبة. ماندي أبو شوك، مهاجرة، أفريقية، مسلمة، وسودانية الأصل اختارت أن تتقدّم لرئاسة بلدية واحدة من أبرز المدن الأوروبية. في هذه المقابلة الخاصة مع «التغيير»، تروي لنا ماندي تجربتها الاستثنائية، دوافعها، والتحديات التي واجهتها في ساحةٍ سياسية لا تزال تضع حواجز صامتة أمام من لا يشبه “النمط التقليدي”. وبين أروقة النضال الشخصي والسياسي، وبين جذورها السودانية وانتمائها السويسري، تسرد كيف استطاعت أن تكون “عرضًا” لمدينتها، وأن تفتح الطريق لغيرها. رسائلها صريحة، نبرة صوتها جريئة، وخياراتها تنبع من قناعة عميقة بأن التغيير لا يحتاج إلى إذن بل إلى شجاعة..

التغيير: القاهرة

ما الذي دفعكِ للتقدم لمنصب رئاسة بلدية زيورخ؟

ترشّحتُ لأن نافذةً قد فُتحت ولأنني أردت أن أقدّم لمدينتي خيارًا حقيقيًا. كثيرون شجّعوني، وقالوا إن الوقت مناسب لرؤية جديدة لزيورخ. مدينتنا زيورخ مدينة متنوّعة، حيث يشكّل الأشخاص من أصول مهاجرة 55% من السكان. زيورخ جريئة وفي حركة دائمة وهذا ما أمثّله أنا. كان هدفي من ترشيحي أن أُظهر أن الأشخاص الذين لا يسيرون في المسارات السياسية التقليدية يمكنهم أيضًا تحمّل المسؤولية. التغيير يبدأ غالبًا حين يجرؤ أحدهم على اتخاذ الخطوة الأولى. وقد قمتُ بهذه الخطوة، مدعومةً بكثير من الناس.

ما هي رسالتكِ المستخلصة من هذا الدافع؟

لا تستسلموا. التغيير يحتاج إلى وقت وإلى شجاعة. حتى وإن بدت الفرص ضئيلة، فإن كل محاولة هي خطوة تفتح أبوابًا للآخرين. تمسّكوا بقيمكم، حتى عندما يكون الطريق صعبًا.

كيف كانت فرصكِ كأول مرشحة إفريقية وسودانية في هذا السباق الداخلي؟

كنتُ أعلم أن العقبات كبيرة ليس فقط لأنني شابة، بل أيضًا لأنني امرأة مهاجرة ومسلمة. لكن ترشيحي كان دائمًا عرضًا: عرضًا للمدينة، عرضًا لكل من لم يشعر بأنه مُمثَّل من قبل. أحيانًا يبدأ التغيير بمجرد إعلانكِ الجريء “أنا جاهزة”.

كيف أثرت أصولكِ السودانية، ونشأتكِ في عائلة سياسية نشطة على مساركِ السياسي؟

نشأتُ في بيئة يسودها الحوار السياسي. من والدي، الصحفي المعارض للنظام، تعلّمتُ شجاعة تسمية الظلم وفضحه. ومن والدتي، طبيبة الأسنان التي أعادت دراسة تخصّصها في سويسرا، تعلّمتُ الصبر والانضباط. هذا المزيج من قوة المقاومة والمثابرة يرافقني حتى اليوم.

ما العقبات التي واجهتكِ كامرأة مهاجرة في السياسة السويسرية؟

ما زالت هناك هياكل تُضاعف التحديات على أصحاب الأصول المهاجرة والنساء من تحيّزات غير معلنة، وشبكات علاقات مفقودة، وتوقعات غير واقعية، لكنني تعلمتُ ألا أدع هذه العقبات توقفني.

هل تعتقدين أن ترشيحكِ سيفتح الأبواب أمام أشخاص آخرين من أصول مهاجرة؟

نعم. الظهور هو المفتاح. عندما تتجرأ شخصية من مجتمعنا على خوض هذه الطريق، يصبح بإمكان الآخرين تخيّل أنفسهم في نفس المكان. كثيرًا ما أتلقى رسائل من شباب يقولون “ترشيحكِ أظهر لي أن الأمر ممكن”. ببساطة “You can be what you “can see يمكنك أن تكون ما تستطيع أن تراه.

ما القيم التي غرسها فيكِ والداكِ؟

تعلّمتُ منهما أن أواصل المسير حتى عندما يبدو كل شيء ميؤوسًا منه. أن أتحمّل المسؤولية، وألا أفقد الإيمان أو البوصلة، وألا أُشغل بالتفاصيل الصغيرة. وكانت التعليم دومًا الأساس والبوابة نحو الحرية.

كيف تتعاملين مع ازدواجية هويتكِ السودانية والسويسرية؟

لا أراها تناقضًا، بل ثراءً. أستطيع بناء الجسور؛ لأنني أعرف كلا المنظورين. هذا الانتماء المتعدد يمنحني فهمًا أعمق للقضايا الاجتماعية المعقدة.

ما هي رسائلكِ للنساء المهاجرات اللواتي يسعين إلى دخول النشاط السياسي؟

لا تنتظرن أن يدعوكن أحد. بادِرن بأنفسكن، وابنين شبكات دعم، وأبحثن عن الحلفاء. تحركن. افعلن شيئًا. أصواتكن مهمة ليس عندما تصبح مثالية، بل الآن.

كيف تريدين أن يتذكركِ الناس في “زيورخ” وفي السودان؟

كشخص فتح الأبواب. كامرأة منحت الشجاعة للآخرين ليشاركوا. في زيورخ كجزء من حركة من أجل مدينة أكثر عدلًا. وفي السودان كابنة الوطن التي لم تنس جذورها أبدًا، وجعلت منها قوة تعيش بها.

ما هو موقفك من الحرب الدائرة في البلاد؟

قلبي مع الناس العالقين في هذه الحرب المروّعة، ومع الذين اضطروا إلى الفرار. كلّنا فقدنا أحباء في هذه الحرب العبثية، حرب يتصارع فيها رجال جشعون على السلطة والهيمنة والسيطرة. هذه الحرب تمزقني، أجيالٌ كاملة تُحرَم من مستقبلها، والعالم يقف متفرّجًا. لكننا لن نتوقف عن متابعة مجريات هذه الحرب، وعن التعبير عن رفضنا لها، وعن كشف الجرائم، والعمل من أجل السلام.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.