تواجه مناطق واسعة من ولايات كردفان غربي السودان، أوضاعا إنسانية متدهورة لا تقل قسوة عما تشهده مدن دارفور وجنوب كردفان، و مع استمرار المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع فقد تحولت مدن مثل النهود والفولة إلى جانب مناطق أخرى في الولاية إلى بؤر مشتعلة بالصراع حيث يعيش السكان في عزلة خانقة تحت وطأة انعدام الأمن ونقص الغذاء والخدمات الصحية في وقت يغيب فيه  الدعم الإنساني المنظم ويخيم التعتيم الإعلامي على معاناتهم اليومية.

التغيير/ كمبالا ــ  فتح الرحمن حمودة

 

و قال مصدر محلي لـ «التغيير» عن الوضع الميداني في مديمتي بابنوسة والفولة “إن بابنوسة تشبه مدينة الفاشر من حيث طبيعة السيطرة فقوات الدعم السريع تسيطر على المدينة بينما الجيش وحلفاؤه يتمركزون في محيطها، ويشير إلى أن  الوضع هناك متأرجح لكنه يظل حساساً، أما مدينة الفولة فهي تحت سيطرة كاملة لقوات الدعم السريع.

و يقول «ن.أ»، أحد الناشطين المحليين من كردفان لـ «التغيير» إن الأزمة هناك متعددة الجوانب ففي مدينة النهود على سبيل المثال لا توجد أي خدمات صحية، و عندما اجتاح وباء الكوليرا المدينة حصد أرواح المئات لغياب الأطباء والإمكانيات، كما سُجلت حالات وفاة واسعة بين النساء الحوامل بسبب انعدام الرعاية الطبية وحتى من يملك المال لا يجد الأسواق، فالتجار تعرضوا للنهب والمتبقي من السلع يسلب بالقوة تحت تهديد السلاح.

ويضيف بأن الوضع لا يتوقف عند غياب الغذاء والدواء بل يمتد إلى جرائم قتل واغتصاب تمارسها ما اسماه بالمليشيات بشكل يومي و كثير من أرباب الأسر قتلوا أثناء محاولتهم الدفاع عن نسائهم وبناتهم فالنزوح يتم في ظروف قاسية و معظم الناس يقطعون مئات الكيلومترات سيرًا على الأقدام للوصول إلى مدن مثل الأبيض وأم بادر وفوجا ، حيث تبدأ معاناة جديدة مرتبطة بانعدام المأوى والقدرة على شراء الغذاء.

و يؤكد الناشط «ن.أ» أن المعارك المتواصلة أثرت أيضا على الحركة التجارية والتعليم، ونوه إلى أن الأسواق انهارت تماماً و المتاجر الكبيرة نهبت واحرقت ما خلق أزمة حادة في السلع الاستراتيجية، و أشار إلى أن المدارس تحولت إلى مساكن للنازحين في مدن مثل فوجا وأم بادر ومركب وهبينا ،وهي مناطق تعتبر أكثر أمنا نسبيا و لا توجد خدمة تعليم تقريبا في معظم كردفان باستثناء مدينة الأبيض.

ويتابع : “على الرغم من تباطؤ وتيرة المعارك مؤخرا في بعض المناطق مثل أم سيالة وجبرة الشيخ والخوي إلا أن الخطر ما زال قائما فالوضع الإنساني أسوأ من أن يوصف”.

و من جانبه يشير « ع . م» من مدينة الفولة في حديثه لـ « التغيير » إلى تقديرات أممية حديثة بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة غرب كردفان يشهد أزمة متفاقمة فالخدمات الأساسية انهارت بشكل شبه كامل والأسعار ارتفعت إلى مستويات جنونية فيما يعيش ملايين المدنيين على حافة المجاعة.

ويضيف أنه في مدينة النهود وحدها قتل أكثر من 300 مدني في هجمات منتصف يوليو أعقبها نهب وحرق للمنازل و النزوح الجماعي الذي تبع ذلك، و فاقم الضغط على مدن شمال كردفان كما أن المستشفى الوحيد العامل في الأبيض مستشفى الضمان يواجه ضغطا هائلا بسبب نقص الكوادر والموارد.

بينما أشار الناشط « م.ز» في حديثه لـ « التغيير » إلى أن التعامل من القوات ليس جيدا و أن 95% منها تتصرف بانفلات عسكري وتمارس انتهاكات يومية ضد المواطنين، و يضيف : “في ريف النهود تتم تصفيات فقط لمجرد الاشتباه أو بسبب المقاومة” و في مدينة الأبيض قال إن القوات المشتركة تسلب حقوق المواطنين في الطرقات تحت تهديد السلاح وبعض أفرادها ارتكبوا حوادث سير نتيجة القيادة في حالة سكر ، و لا تتم أي محاسبة  بل يغادرون كأن شيئا لم يكن.

و تعد كردفان منطقة استراتيجية تربط غرب السودان بوسطه دخلت مبكرا في دائرة النزاع المستعر منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023 وبخلاف دارفور التي حظيت ببعض الاهتمام الدولي بقيت كردفان على هامش التغطية الإعلامية والإغاثية رغم أن عشرات الآلاف نزحوا منها في ظروف قاسية وواجهوا جرائم وانتهاكات موثقة من قتل واغتصاب ونهب.

 

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.