الحرب السودانية كمرآة وجودية

زهير عثمان حمد
في أرض مكسورة بين حديد من الألم وعدمية الوعد تبرز حرب السودان كمرآة عميقة تعكس تناقضات الواقع السياسي والروحي على حد سواء ليست حرب تقليدية تُقاس بضربات العتاد واحتلال الأرض بل حالة وجودية متأصلة في فقر حضاري ونقص مميت في القدرة على تجاوز الذهول الوجودي والقبلية في هذا السياق تُعتبر هذه الحرب تجليّا لشبح عدم النصر الحقيقي إذ إن آليات النصر التقليدية تتحول إلى رموز عابرة في بحر لا قرار له كما يقول البعض إن النصر في هذا الزمان ليس إلا احتفال زائف بدمار الذات والجماعة ما يجعل المشاركين يظلون في حالة انزلاق نحو الفراغ .
تتجسد الحرب السودانية في مسرح من الدمار الحضاري والعدمي حيث تُطرح على مسامع السودانيين وعود بالنصر العسكري الذي لم يمر من صفحة الأخبار إلا ليصطدم بواقع متآكل من الداخل مما يتبدى بوضوح أن من يقود الحرب اليوم ليسوا سياسيون حقيقيون بل هنالك قوى تجارية وسياسية توظف الحرب كمنصة لتسويق رهانات التقنية والعسكرية فقد انتشرت تقارير عن تسارع سباق التسلح بين الجيش ومليشيات الدعم السريع حيث تُعاد كتابة قواعد الحرب في فضاءات التقنية المتقدمة من مسيرات قتالية صينية الطراز إلى طائرات مقاتلة عالية الدقة وأنظمة تركية حديثة .
يتحول السرد السياسي في هذه الحرب إلى سرد للوهم والعدم إذ تُصاغ حكايات تُروى على لسان الإعلام ومنابر السياسة بأسلوب يحاكي الأمثال والرموز التاريخية يُقدّم السماسرة والمحرضون على استمرار النزاع سرداً متجدداً يدعون فيه أن النصر قريب وأن الحسم عاجل بينما تمر السنوات ويتراكم الدمار في الشوارع وفي قلوب السكان الذين عاشوا سنوات من الصراع تزرع فيهم بذور الانقسام وتشحذ فؤاد الصراع الأبدي .
على الرغم من التقدم التقني الهائل الذي يشهده العالم اليوم تظل أدوات الحروب الحديثة تخدم مصالح النفوذ السياسي والاقتصادي فتوظف تقنيات التصوير بالأقمار الصناعية والكشف عن تسارع التسليح لتعميق الانقسامات وإطالة أمد الصراع دون أن يكون لها وجه إنساني يُساهم في إنهاء الأزمة تلك التقنيات المتطورة التي يفترض أن تفتح آفاقاً للسلام والتواصل تتحول إلى أدوات تغذي الحروب السردية وتخلق واقعاً غير واقعي يُعبّر عنه بوصف الحسم العاجل الذي لم يتحقق.
إن سرد الحرب السودانية من منظور وجودي يدعونا إلى إعادة التفكير في مفهوم النصر والهزيمة ليس بعدد الخسائر المادية فقط بل بمقدار الزمن الذي يُعيد تشكيل الوجود نفسه في ظل انعدام المعاني ولم تعد الحرب مجرد نزاع مسلّح بل تحولت إلى حالة من فناء الذات السياسي حيث تتلاشى الهوية وتختفي القيم تحت وطأة التلاعب الإعلامي والتجاري .
يبقى السؤال المحوري هل سيدرك السودانيون معاني الحرية والتعافي بعد سنوات من الصدمة أم أن الحرب التي تغذيها مصالح عالمية ستستمر في دائرة اللامعنى والعدم فتظل الآمال معلقة بوعود زائفة يصنعها وعود لا تساوي نذراً يسيراً من معاناة الشعب وتنتظر الأفئدة بصمت فجر تغيير حقيقي يصنعه الوعي الشعبي بعيداً عن تلك الأذرع التي تلوح بمصالحها في عتمة الحرب والسيطرة .
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة