وسط ظروف معيشية متدهورة، تمكنت “توتو”، وهي أم لأربعة أطفال، من الحصول على ملوة ذرة من سوق مدينة كادوقلي، بعد أن حولت مبلغ 30 ألف جنيه لأحد التجار وانتظرت يومين كاملين ضمن طابور طويل من المواطنين الذين اتبعوا ذات الإجراءات، حيث يتم التسليم وفقًا لأقدمية التسجيل.
ووصفت توتو معاناتها اليومية في كادوقلي، مشيرة إلى أنها حصلت على حصتها من الذرة في تمام الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر اليوم السابق، بعد أن قضت يومين في الانتظار.
وأضافت أن الوصول إلى هذه الحصة لم يكن بالأمر السهل، إذ اضطرت للوقوف في صفوف طويلة منذ الخامسة صباحًا، وسط صراخ ويأس، لتكتشف في كل مرة أن الكمية قد نفدت قبل أن يحين دورها.
وأكدت أن هذا هو حال معظم الأسر في المدينة، حيث يخرج المواطنون في ساعات الفجر الأولى إلى السوق على أمل الحصول على ملوة واحدة من الذرة، وغالبًا ما يعودون خاليي الوفاض، فيما يعاني الأطفال من الجوع دون توفر ما يسد رمقهم.
وبحسب مصادر محلية، فإن الذرة المتوفرة في السوق تأتي من مخازن الجيش السوداني، الذي احتكر تجارتها بعد أن نقل جميع الكميات المتاحة من السوق إلى مخازنه الخاصة في المدفعية واللواء 55 والفرقة 14.
وأفاد مصدر مطلع أن قيادات الجيش عقدت اجتماعًا مع إدارات أهلية خلال فعالية محلية، حيث وعدت بتخفيض سعر الجوال من 600 ألف إلى 500 ألف جنيه، وأعلنت امتلاكها سبعة آلاف جوال من الذرة سيتم توزيعها على مراكز البيع بسعر 11 ألف جنيه للملوة. إلا أن كميات كبيرة من الذرة تم بيعها لاحقًا في السوق السوداء بأسعار وصلت إلى 28 ألف جنيه، في خطوة اعتبرها المصدر محاولة لمنع المواطنين من التفكير في اقتحام المخازن.
وأكد المصدر ذاته أن السوق لا يحتوي على أي تاجر قادر ماليًا على المنافسة في تجارة الذرة، باستثناء تاجر واحد يُعد وكيلًا لقادة الجيش والأمن والشرطة، ويحتكر حاليًا أكثر من 25 ألف جوال من الذرة. هذا التاجر يوزع يوميًا جوالًا أو جوالين فقط على مراكز البيع، ما يضطر المواطنين إلى الانتظار يومين أو ثلاثة للحصول على ملوة واحدة، في ظل أزمة غذائية خانقة.
كما وجه المصدر اتهامات مباشرة للمدير التنفيذي لمحلية كادوقلي وقيادات الجيش والشرطة والأمن، بالمشاركة الفعلية في تعميق الأزمة، مشيرًا إلى أن السلطات الأمنية منعت التجار من الحصول على تصاريح لجلب البضائع من مدينة الدلنج وبيعها بأسعار مناسبة، بينما تم تكليف أفراد من الجيش بجلب هذه البضائع لصالح مخازنه الخاصة.
وحذرت الأمم المتحدة من كارثة وشيكة في المنطقة نتيجة الحصار والصراعات المسلحة، وأكدت أن المدينة باتت معزولة عن المساعدات الإنسانية بعد إغلاق آخر طريق إمداد من ولاية شمال كردفان المجاورة.
وتشهد مدينة كادقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، تدهورًا حادًا في الأوضاع المعيشية وسط تحذيرات متصاعدة من اقتراب كارثة إنسانية قد تبلغ مستوى المجاعة، وفقًا لمصادر محلية مطلعة.
وبدأت غرف الطوارئ المحلية بدأت في تقديم خدماتها قبل أسبوعين، بعد توقف المنظمات الإنسانية عن العمل نتيجة للقيود التي فرضتها السلطات على أنشطتها. إلا أن هذه الغرف تواجه تحديات كبيرة، أبرزها نقص التمويل، حيث لا يغطي الدعم المتوفر احتياجات الأسر المستهدفة، إلى جانب عراقيل بيروقراطية من قبل السلطات تمنع شراء الكميات المطلوبة من الأسواق المحلية.
كما شرعت غرف الطوارئ في استقطاب دعم من أبناء المدينة المقيمين في الخارج لتوفير بعض الموارد الأساسية. غير أن هذه المبادرات تواجه تضييقًا مستمرًا، إذ سبق للسلطات أن أوقفت في أبريل الماضي جميع غرف الطوارئ العاملة في المدينة، والتي كانت تقدم مساعدات عاجلة للمتضررين من الحرب، كما أوقفت أنشطة المنظمات الإنسانية واعتقلت عددًا من المتطوعين بذريعة وجود شبهات في مصادر التمويل، في ما وصفته المصادر بأنه استهداف ممنهج للعمل الإنساني.
وفي سياق متصل، أفاد أحد التجار في سوق كادقلي بأن الأسعار شهدت ارتفاعًا غير مسبوق، حيث بلغ سعر ملوة الذرة 30 ألف جنيه، وملوة البصل 100 ألف جنيه، وكيلو الدقيق والسكر 26 ألف جنيه لكل منهما. كما أشار إلى اختفاء العديد من السلع الأساسية، مثل الزيت، نتيجة للأزمة الاقتصادية والحصار المفروض على المدينة، بالإضافة إلى قيام الجيش بنقل بعض السلع من مخازن السوق إلى مخازنه الخاصة، ما ساهم في تفاقم الأزمة.
دارفور24
المصدر: صحيفة الراكوبة