رشا عوض
حتى نضع التعامل مع معضلة “الجيش السوداني” في سياقها الموضوعي، فيجب ان ندرك ان هذا الجيش ليس جيش الشوايقة او الجعليين او الدناقلة او البني عامر او الهدندوة!
ليس جيش الرزيقات او المسيرية او النوبة اوالزغاوة او الفونج او الفلاتة او المساليت!
باختصار ليس جيش السودانيين باختلاف قبائلهم!
هذا جيش مصر في السودان!
ظل جيشها سواء في عهدها الخديدوي او الجمهوري!
بمعنى انه الاداة الناجعة لها في استتباع السودان واستغلاله اقتصاديا سواء في اوقات سلمه او حربه!
بمعنى ان ” العقل السياسي” “لحزب الجيش” وهو حزب قوامه شبكة مصالح متراكمة تاريخيا فيها اطراف مدنية ولكنها تحت هيمنة الجنرالات الكبار والاستخبارات بشكل كامل ، هذا العقل غير وطني وتابع لمصر!
ولذلك وجود ضباط وجنود وطنيين ونزيهين وهو حقيقة اذ لا يمكننا ان الجيش يضم في صفوفه مواطنين شرفاء وصالحين ولكن وجودهم بكل اسف لم ولن يغير شيئا في شفرة “تشغيل الجيش السوداني” فهي ” مشفرة باحكام” ضد تسلل اي مشروع وطني سوداني مستقل! انها شفرة الانقلابات العسكرية التابعة لمصر (طوعا او كرها) في القضايا الاستراتيجية.
ولذلك لا حل للسودان سوى اعادة بناء جيشه على اسس وطنية، واهم شروط هذا البناء هي اخراج الجيش من السياسة والاقتصاد، هذا هو الاتجاه الذي يجب ان نضبط بوصلتنا الوطنية نحوه، لو فشلنا في ذلك في المدى المنظور ، وهذا وارد، فالمهم هو ضبط البوصلة الوطنية بشكل صحيح وحتما سيأتي الرجال الاحرار والنساء الحرات، المؤهلون اخلاقيا وفنيا لانجاز هذه المهمة ، وحينها فقط نرفع راية استقلالنا بحق وحقيقة!
اكبر منافس للنفوذ الاسلاموي في الجيش السوداني هو النفوذ المصري الذي اخترق نفوذ الكيزان!
من الاسباب المهمة التي لم نتوقف عندها في ” مفاصلة الاسلامويين” هي تمرد الترابي على الهيمنة المصرية ، ولكنه بدأ بسودنة جامعة القاهرة وطرد البعثة التعليمية المصرية، ونسي او تناسى ” سودنة الجيش” لان مشروعه الايدولوجي كان هدفه ” كوزنة الجيش” لا سودنته!
هذا الجيش المتكوزن بطبيعته غير مؤهل لخدمة اي هدف وطني، فقد رأينا كيف خضعت حكومة البشير للابتزاز المصري والاثيوبي بعد مغامرة اغتتيال الرئيس المصري المرحوم حسني مبارك وسلم النظام العسكر اسلاموي حلايب وشلاتين لمصر، والفشقة لاثيوبيا ، اما سلاحه التقليدي والكيماوي فكان من نصيب اطفال دارفور وجبال النوبة .
الان مصر احرص على تمكين الجيش من الكيزان انفسهم لان فوائدها منه للمفارقة تفوق فوائد اي طرف سوداني!
( خلال هذه الحرب ارتفعت صادرات مصر من الذهب كما ارتفع احتياطي بنكها المركزي منه واستقر سعر صرف الجنيه، هذا حديث الارقام )
انت كسوداني عاااادي لست من طبقة الجنرالات الكبار المحظيين ولا توابعهم ، عليك ان تفكر بموضوعية وتجرد ما هي الفوائد المحسوسة الملموسة التي جناها السودانيون من هذا الجيش على مدى سبعين عاما؟
متى واين انتصر في معركة ضد عدو اجنبي؟ كم عدد المواطنين السودانيين الذين قتلهم هذا الجيش ابتداء من الحرب الاهلية في جنوب السودان ثم دارفور ثم جبال النوبة والنيل الازرق؟ طبعا التبرير للقتل الوحشي في تلك المناطق هو وجود حركات مسلحة، حسنا كم عدد المتظاهرين السلميين الذين قتلوا في الخرطوم وبورسودان وعطبرة ومدني وكسلا والدمازين ونيالا والفاشر طيلة العهود العسكرية؟ كم عدد من قتلوا في اعتصامات المدنيين داخل اسوار القيادات العامة للجيش في المدن السودانية؟
ماذا فعل الجيش بثرواتنا القومية الهائلة ؟ هل منع تهريبها الى الخارج؟ ابدا! من المطارات المدنية والعسكرية تقلع الطائرات التي تحمل اطنان الذهب المهرب الذي لا يعود ثمنه الى الخزينة العامة!
الجيش كان اكبر فأس لقطع الغابات السودانية وتصحير البلاد!
في ارتريا القريبة لا يجرؤ عسكري على التنقل بكيس صغير من الفحم!! لان النظام حريص على البيئة والغطاء النباتي!
الحكم العسكري الشمولي في اي مكان يمكن ان تجد له بعض فائدة لعموم المواطنين الا في السودان !! لانه لم ينعم بحكم عسكري اصيل ووطني! بل كل انظمة الحكم العسكرية السودانية عميلة وغير معنية بتقديم خدماتها للسودانيين والقاسم المشترك بينها من عبود مرورا بالنميري والبشير وصولا الى البرهان هو الحكم بالوكالة لصالح مصر! الجديد الوحيد هو ان المتغيرات الاقليمية والمتغير الكارثي الداخلي في السودان ممثلا في هيمنة الكيزان ( الاسلامويين) وسيطرتهم على مفاصل الجيش خلق للوكالة المصرية منافسين جدد! ابرزهم وكلاء ايران في الجيش، ! وهاهي طاحونة حرب الوكالة تدور فتحرق وطننا من اقصاه الى اقصاه!
قسوة هذه الحرب ووحشيتها يجب ان تدفعنا لطرح الاسئلة الصحيحة والاجتهاد في استخلاص الاجابات الصحيحة وهذا ما ساظل افعله الى ان اهلك دونه.
المصدر: صحيفة الراكوبة