حامد عثمان محمد
على مدى عقود، قدّم الجيش السوداني نفسه باعتباره الحامي للوطن، لكنه في الواقع مثّل أكبر تهديد لسيادة البلاد ووحدة شعبها. فبدلاً من حماية الحدود، انشغل القادة العسكريون بعقد صفقات سياسية ومصلحية، بينما غرقت البلاد في حروب أهلية أنهكت الاقتصاد ودمرت البنية الاجتماعية.
الأرض التي بيعت في صفقات صامتة
ملف حلايب وشلاتين يمثل أوضح مثال على عجز الجيش السوداني عن حماية أراضيه. فمنذ النزاع مع مصر في خمسينيات القرن الماضي، لم يُقدِم الجيش على أي خطوة جدية لاسترداد السيادة، مكتفياً بالصمت الذي اعتبره الكثيرون تفريطاً متعمداً. في المقابل، لم يتردد في التلويح بالقوة العسكرية ضد مواطنيه في الداخل، وهو ما يفضح طبيعة أولوياته.
حروب أهلية بلا نهاية
منذ ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم، تورّط الجيش في حروب داخلية متواصلة:
حرب الجنوب التي استمرت أكثر من 20 عاماً وانتهت بانفصال الدولة الجديدة عام 2011.
حرب دارفور التي اندلعت عام 2003، وأدت حسب تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل أكثر من 300 ألف شخص وتشريد الملايين.
النزاعات في جبال النوبة والنيل الأزرق، والتي خلفت موجات نزوح مستمرة وحرماناً واسعاً من التنمية.
هذه الحروب لم تكن من أجل حماية السودان، بل كانت وسيلة لضمان بقاء السلطة المركزية بيد تحالف الجيش والإسلامويين.
المليشيات: الوجه الآخر للجيش
اعتمدت المؤسسة العسكرية على سياسة تفريخ المليشيات. فمن الجنجويد الذين استخدموا في دارفور، إلى قوات الدعم السريع التي تحولت لاحقاً إلى قوة موازية للجيش نفسه، لم يكن الهدف سوى إيجاد أداة قمعية إضافية. هذه المليشيات ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما فيها القتل الجماعي والاغتصاب والنهب، في ظل صمت أو تواطؤ الجنرالات.
اقتصاد الحرب ونهب الثروات
السودان بلد غني بالموارد الطبيعية، من الذهب إلى النفط والزراعة. لكن هذه الثروات استُنزفت لصالح المؤسسة العسكرية وشبكات الفساد المرتبطة بها. وفق تقارير الأمم المتحدة، فإن جزءاً كبيراً من عائدات الذهب يذهب إلى شركات مرتبطة بالجيش وقوات الدعم السريع، بينما يعيش معظم السودانيين تحت خط الفقر.
النتيجة
الجيش السوداني لم يكن يوماً مؤسسة وطنية خالصة، بل كان ذراعاً سلطوياً يتحرك بدوافع سياسية وأيديولوجية. باع الأرض، وأشعل الحروب الأهلية، ورعى المليشيات، ونهب الثروات. هذه الحقائق تضعه في خانة المسؤولية المباشرة عن الانهيار الذي يعيشه السودان اليوم.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة