الجنجويد القادم (حركات محاصصة جوبا حليفة الحركة الإسلامية)
د. أحمد عثمان عمر
(١) يتساءل البعض عن السبب وراء انخراط حركات محاصصة جوبا الانتهازية في الحرب الراهنة من مواقع دعم الجيش المختطف والتحالف مع الحركة الإسلامية ، بالرغم من إدعائها الحياد في البداية ومحاولتها مسك العصا من المنتصف. فبحسب احد زعمائها أن هناك اتفاقا “تحت التربيزة” قد تم في جوبا ، وكانت التسريبات تزعم ان هذا الاتفاق بين هذه الحركات والجنجويد على الهيمنة على السلطة تدريجيا حتى تصبح خالصة لأبناء اقليم دارفور في المركز. لكن الحرب الحالية أفرزت تموضعا واصطفافا معاكسا لتلك التسريبات ، التي ربما كانت صحيحة في وقتها ، ولكن تغير الظروف أدى إلى تغير المواقف نتيجة لتعارض المصالح. والواضح أن حركات محاصصة جوبا الانتهازية جميعها بما فيها الحركة الشعبية جناح عقار ، قد فضلت مصالحها المباشرة والآنية من ناحية ، وغامرت بمستقبلها حسب قراءة قد لا تكون صحيحة. جوهر هذا الموقف هو المشاركة في سلطة ضعيفة ومنهكة ، تمكنها من تحقيق مكاسب آنية ما كانت ان تتحقق لها في حال انضمامها لمعسكر الجنجويد ، مع فتح الطريق أمامها للانقضاض على السلطة مستقبلا في حال توطيد مواقعها في السلطة في مرحلة الضعف الماثلة. والمتأمل لما تمارسه هذه الحركات الانتهازية في ارض الواقع ، يدرك تماما أنها توظف الحرب من اجل تحقيق مكاسب ورسملة مشاركتها فيها سياسيا وسلطويا.
(٢) فالحرب مثلا حققت سيطرة مالية كاملة لهذه الحركات عبر هيمنتها على وزارة المالية وموارد البلاد الشحيحة ، واخراجها من دائرة الرقابة والتصرف فيها كيفما اتفق ، تحت دعاوى تمويل الحرب وبمباركة الحركة الاسلامية التي تحكم عبر واجهاتها العسكرية ، خصوصا بعد انقلاب اكتوبر ٢٠٢١م. والحرب سمحت ايضا لهذه الحركات على اعادة تمويل نشاطها العسكري المساند للجيش المختطف على حساب الخزينة العامة ، وهي ايضا مكنتها من تحقيق وضع عسكري افضل عبر تكوين القوات المشتركة ، كما مكنتها من تواجد عسكري أوسع في اماكن لم يكن بإمكانها التواجد فيها قبل الحرب ، وثبتتها شريكا وحيدا في السلطة المغتصبة بعد اندلاع الصراح المسلح بين طرفي اللجنة الامنية (قيادة الجيش المختطف والجنجويد). كذلك مكنتها الحرب من الحصول على نفوذ سياسي واسع في المركز ، عبر تثبيت اقدامها في مواقع حكومية اكتسبتها عبر محاصصة جوبا ، اصبحت بعيدا عن متناول شركائها في السلطة وخرجت عن دائرة سيطرتهم. والصراع بين وزير المالية غير الشرعي ورئيس المجلس الانقلابي حول اقالة مدير عام الضرائب يؤكد ذلك. فبالرغم من اقالة ذلك المدير من قبل الرئيس الانقلابي غير الشرعي ، بقي مباشرا لمهام عمله تحت حماية وزير المالية مخرجا هذه المؤسسة الهامة من سيطرة مجلس الانقلاب ومن هم خلفه. وحتما خلفية وزير المالية وانتماءه للحركة الإسلامية لا يمنع القول من أنه يتصرف الان وفقا لحصة حركته عبر محاصصة جوبا لا كعضو سابق/ حالي في الحركة الإسلامية.
(٣) ونذر تنمر هذه الحركات واستقوائها بالحرب كثيرة ، لا تقتصر على استعراض القوى وفرد العضلات الواضح في موضوع مدير الضرائب ، ولكنها تمتد لتشمل ما صرح به رئيس الحركة الأخرى وحاكم اقليم دارفور في قناة الجزيرة من تصريحات هامة ، ورطت قيادة الجيش غير الشرعية بثلاثيها المعروف ، ووضعتها في موضع الشريك الكامل للجنجويد في نهب البلاد ، بسكوتها عن ذلك النهب وهي عالمة به علم اليقين. وعدم رضا الحركة الإسلامية المختطفة للجيش لهذا السلوك ، تبدى في البوست الذي نشرته محققة الحركة مع قيادة الجيش المختطف وهاجمت فيه حاكم دارفور هجوما شرسا ، يشي بوجود شروخ في التحالف بين المتحاصصين ربما تتسع مستقبلاً. وهذا الهجوم يأتي في اطار سكوت تام يساوي الرضا عما يقوم به وزير المالية المحسوب على الحركة الأسلامية وفقا لتاريخه. يضاف إلى ما تقدم الطريقة الغريبة التي استبق بها عضو احدى هذه الحركات ورئيس وفد التفاوض إلى جدة للتمهيد لمحادثات جنيف موقف سلطة الأمر الواقع ، وإعلانه مقاطعة منبر جنيف قبل صدور موقف رسمي بذلك. والجرأة على استباق الموقف الرسمي حتى وان جاء مطابقا لاحقا ، لا تقتصر على محاولة احراج تلك السلطة ودفعها لاتخاذ هذا القرار لأن الولايات المتحدة الامريكية رفضت تمثيل حركات المحاصصة في المفاوضات ، بل هو فرد للعضلات وثقة في ابتزاز السلطة الضعيفة الهشة وتمرير موقف المقاطعة. أي أنه يعكس ثقة هذه الحركات في قدرتها على فرض ارادتها على السلطة الانقلابية المعزولة والمهزومة عسكريا في ارض المعركة ، وخطوة في سبيل فرض سلطتها كاملة مستقبلا ، خصوصا وان تصريحات حاكم دارفور لقناة الجزيرة تؤكد انتباهه إلى امكانية السيطرة على الحكم من وراء حجاب كما فعل زعيم الجنجويد سابقا. اي انه منتبه لضعف هذه السلطة غير الشرعية امام من يمتلك السلاح ويشارك في السلطة ، وليس لضعفها فقط في مواجهة من يحاربها.
(٤) مفاد ما تقدم هو أن حركات المحاصصة تعلم أن اي تغيير نحو حكم مدني يمثل نهاية حتمية لها ، بحكم أنها حركات صغيرة محدودية النفوذ والشعبية ، وأنها غير مؤهلة للتحول إلى مؤسسات مدنية تنافس على السلطة من مواقع العمل الجماهيري. لذلك لا بديل أمامها من الالتحاق بسلطة مفروضة بقوة السلاح ، تحقق عبرها مصالحها الانية وتؤسس لسلطتها الديكتاتورية القادمة ، حينما تضعف هذه السلطة كفاية ويحين وقت قطافها. فحركات المحاصصة قررت الانحياز إلى الجيش المختطف لعلمها بأن سلطته ضعيفة وأنه في أمس الحاجة لدعمها مما يمكنها من فرض شروطها ، ولم تلتحق بالجنجويد لأنهم الطرف الأقوى عسكريا ولا تستطيع فرض شروطها عليهم. فبحساب الربح والخسارة ، فضلت هذه الحركات الانتهازية الانضمام إلى السلطة الضعيفة لابتزازها ، إلى حين ان تصبح قادرة على الإطاحة بها واستلام السلطة كاملة. أي ان هذه الحركات رأت أن الفرصة مؤاتية لتوظيف الحرب لمصلحتها حتى تحصل على مكتسبات آنية ، وتؤسس لاستلامها السلطة في المستقبل. وهذا يعني اننا امام مليشيات جديدة تحلم بحكم الدولة ، وأمام جنجويد جديد تربيه سلطة الأمر الواقع أمام أعيننا تماما كما ربت الجنجويد الذي يقاتلها الان ، وتموله على حساب المواطن المغلوب على أمره ، وتطلق يده في ممارسات فساد غير مسبوق . ولسنا بالطبع في حاجة للقول بأن هذا النوع من الجنجويد ، مصيره الوحيد هو الحل، يشمله شعار الثورة “يا برهان ثكناتك أولى مافي مليشيا بتحكم دوله” و ” العسكر للثكنات والجنجويد ينحل”. فحركات المحاصصة الحالية ، هي حتما جنجويد المستقبل ، من حيث أنها مجرد قوى مرتبطة بسلطة غير شرعية ، ليس لديها غير سلاحها الذي تستعمله لفرض ارادتها والحصول على السلطة بقوة السلاح من وراء حجاب او مباشرة عند تحققها من عجز السلطة غير الشرعية عن منعها. والمطلوب هو رفض مشاركة هذه الحركات الانتهازية في اي سلطة، مع عدم الاعتراف بمحاصصة جوبا ، وصولا إلى حلها جميعا وتسريح مقاتليها ودمجهم في المجتمع المدني ، وشعبنا أكثر من قادر على ذلك. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!! .
المصدر: صحيفة الراكوبة